قراءةٌ في ضوء خطاب السيد عبدالملك الحوثي “الإيمانُ يمانٍ هُـوية اليمنيين” الخطوطُ العريضة للمشروع القرآني ومجالات التحرك
المسيرة: نجيبة مطهر
المقدّمة:
تأتي خطاباتُ السيّد عبدالملك لرسْم الخطوط العريضة للمشروع القرآني ومجالات التحَرّك لمرحلة معينة؛ ليصبح المشروعُ القرآنيُّ عابراً للحدود ولم يعد يقتصر على اليمن فقط؛ لأنَّ كلماتِه لا تخلو من مؤكّـدات رئيسية تمثل المرتكزات الأَسَاسية للتحَرّك وفق مشروع يمني عربي قومي إسلامي جامع، ويُمثّل جوهر الغاية من حركة النضال والتحرّر التي انطلقت من جبال مران ليصل صداها اليومَ إلى كُـلِّ عربي وإسلامي وغير إسلامي، محقّقاً أصداءً عالمية.
وكما تُمثّل هذه التأكيداتُ كموجِّهات رئيسية للانطلاق منها، خططاً إجرائية مفصّلة في غاية الدقة والإحكام، يمكن منها استنباط تقييم شامل لواقع المرحلة الماثلة، إضافةً إلى أولوياتها وآليات التحَرّك فيها لمواجهة مشروع قوى الاستكبار الصهيوأمريكي وأذيالهم في المنطقة.
وَيحرص السيّدُ عبدالملك على تكرار وتأكيد نقاط ثابتة لتظل حاضرةً في ذهنية كُـلّ يمني وعربي ومسلم من الذين انطلقوا من ثقافةِ القرآن الكريم لتغيير واقع مؤلم فرضته سياساتُ أمريكا في المنطقة، وعمدت من خلالها لتشويه الإسلام بأبشع شكل ممكن من خلال الحركات التكفيرية المصنوعة بواسطة مخابرات غربية، أَو من خلال القضاء على أيِّ مشروع عربي إسلامي، يمكن أن يناهضَ الوجود الإسرائيلي أَو يشكل خطراً على كينونته، باستهداف الوعي والتحريف والانحراف وتغييب مشروع الأُمَّــة المتعمد وتشويه أَسَاسيات الدين الإسلامي الحنيف وخلق عِداء عالمي تجاهه.
وخطاباتُ السيّد تعتبر خطاباتٍ عربيةً إسلاميةً عالميةً، يضع جميعَ شعوب الأُمَّــة أمام مسؤولياتها الحتمية، ويضع نقاط العدوان العبثي على الحروف في مواجهة أكبرِ الآلات العسكرية؛ بهدَفِ استعباد وتركيع الشعب اليمني، كما إنه خطابٌ سياسيٌّ من الطراز الأول، ودينيٌّ من المستوى الرصين، وثقافي توعوي اجتماعي شامل، يحاكي جميعَ تطلعات الشعوب وآمالها ويرسم ملامحَ المؤامرة الممتدة على الأُمَّــة بجلاء.
اختيارُ المكان:
سببُ اختيار السيّد عبدالملك -رضوانُ اللهِ عَلَيْهِ- الجامعَ الكبيرَ؛ بسبَبِ أن بناءَه كان بأمر الرسول -صلّى اللهُ عليه وعلى آله وسلّم-؛ ولذلك اجتمع السيّدُ عبدالملك بالحضور وألقى لهم كلمته التي لها مدلولات عظيمة في اختيار المكان وهو الجامع الكبير بصنعاء، الذي تم بناؤه بأمرٍ من الرسول -صلّى اللهُ عليه وعلى آله وسلّم- والذي حدّد أبعادَه عندما قالَ: (ابنوا مسجداً من المسمورة إلى المطمورة، واجعلوا قبلته باتّجاه جبل ضين).
حيث يُعتبر الجامعُ الكبير ثالثَ مسجد بُني على الأرض في جزيرة العرب، فأولُ مسجد كان مسجد قباء، وثاني مسجد هو مسجد الرسول -المسجد النبوي-، وثالثُ مسجد الجامعُ الكبير في صنعاء..
الهدفُ الرئيسيُّ من الخطاب:
بعثُ الروح الإيْمَانية في قلب أبناء اليمن من العلماء والمشايخ والوجهاء والمثقفين يعني نفضَ الغبار؛ لكي يعودَ إلى الإيْمَان الصحيح الذي أشاد به الرسولُ -صلّى اللهُ عليه وعلى آله وسلّم- عندما قال: (الإيْمَان يمان والحكمة يمانية)، والموضوعُ كلُّه يدور حولَ هذا الهدف الرئيسي؛ من أجل أن يعودَ اليمنُ؛ من أجل أن تعود إلى ريادتها السابقة في قيادتها للعالم الإسلامي..
الهدفُ الثاني، أنَّ اللهَ -سُبْحَانَه وتَعَالَى- في كتابه العزيز أكّـد في أكثر من آية قرآنية، أن اللهَ -سُبْحَانَه وتَعَالَى- ينصر المؤمنين، قال تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) أي أن السيّدَ -سَلامُ الله عليه- يريد أن يفتح أبوابَ النصر، ليكون الشعبُ اليمني له الأحقية في نصر الله -سُبْحَانَه وتَعَالَى- والنجاة من الله..
الهدف الثالث، تطرّق السيّدُ إلى أن كُـلَّ شعب له حضارة وثقافة وعادات وتقاليد هذه هي الهُوية، لكن فتحَ باب جديد للمواجهة وهو طلبه للشعب اليمني أن أحاديثَ الرسول لليمنيين، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قدم أهلُ اليمن على رسول الله -عليه الصلاة وَالسلام- في المدينة قال رافعاً صوته: (الله أكبر الله أكبر، جاء نصرُ الله وَجاء فتحُ الله وَجاء أهلُ اليمن) فقال بعضُ الصحابة: وَما أهل اليمن؟ فقال -صلى الله عليه وَآله-: (قوم نقية قلوبهم وَلينة طباعهم، الإيْمَان يمان وَالحكمة يمانية، هم مني وَأنا منهم) وَهو شرف وَاللهِ عظيمٌ، هذه هي الهُوية الإيْمَانية حتى يكون هذا الشعب المؤمن الصابر والمحتسب لائقاً بما ذكره الرسولُ -صلّى اللهُ عليه وعلى آله وسلّم-..
الهدف الرابع، في هذه الظروف الصعبة والتي يمرُّ بها الشعبُ اليمنيُّ وأنه لولا قوة وإيْمَان الشعب اليمني بالله واتّكاله عليه لما صمد كُـلَّ هذه الفترة في وجه هذا العدوان الشرس والحصار الظالم، ليس لشيء إلّا لأنه قويُّ الإيْمَان المطلق بالله وأنه لولا إيْمَانُه بالله ما وصل إلى معادلة القوى وتكون له الغلبة في المستقبل ويكون هو الرائد للشعوب العربية وللعالم، ولن يعودَ إلى ذلك إلّا بقوة إيْمَانه بالله.
الاستراتيجيةُ من الخطاب:
أولاً: اختيار الحضور، فقد حضر الاجتماعَ كُـلُّ شرائح المجتمع المهمة من علماء وأكاديميين، ومسؤولين ووجهاء، هؤلاء هم صفوة المجتمع اليمني ولذلك كانت الاستراتيجيةُ هي: تقوية إيْمَانهم؛ من أجل أن يحملوا الرسالةَ الإيْمَانية الصحيحة..
الرسائلُ المرسَلةُ من الخطاب:
السيّد عبدالملك أرسل رسائلَ هامة للخارج وللداخل، أما رسالة الخارج:
مهما اقتنيتم من أسلحةٍ وعدة وعتاد، ومهما امتلكتم من أموال وثروات طائلة، لا يمكن أن تحقّقوا أهدافَكم في الشعبِ اليمنيِّ المؤمن الذي قد لقى ضالته في الإيْمَان، وطالما أن إيْمَانَ هذا الشعب قويٌّ بالله -سُبْحَانَه وتَعَالَى- ومتوكل عليه، لا يمكن أن يتحقّق هدفٌ من أهدافكم الأمريكية والصهيونية، سوى في ارتكابكم للجرائم وقتلكم للأبرياء وحصاركم الظالم على هذا الشعب، وكلما زاد إيْمَانُنا بالله وتوكلنا عليه، كلما قربنا إلى تحقيق النصر عليكم وعلى كُـلِّ الطغاة.
الرسالة للداخل: درجةُ الإيْمَان تتفاوت من مجموعة إلى مجموعة؛ ولذلك خاطب السيّدُ -ي-يحفظه اللهُ– جميعَ المكونات السياسية والأدباء والمثقفين، وأشَارَ إلى أن اللهَ قد اختصَّ هذا الشعب ومنحه وساماً عظيماً وشهادة كبرى وباباً من أبواب الخير والعطاء، حتى أن الرسولَ -صلّى اللهُ عليه وعلى آله وسلّم- قال: (الإيْمَانُ يمانٍ والحكمةُ يمانية)، هذا هو جوهرُ الدين، والرسول -صلّى اللهُ عليه وعلى آله وسلّم- يقول: (الحكمةُ ضالةُ المؤمن)؛ لذلك الرسولُ -صلّى اللهُ عليه وعلى آله وسلّم- منح اليمنيين ووصفهم بالإيْمَان والحكمة.
الخاتمة:
عندما يقارن السيّدُ عبدالملك -يحفظه اللهُ- بين ابتلاء الله لأنبيائه -وذكر منهم نوحاً وإبراهيم- بابتلاء الشعب اليمني، كما ابتلى اللهُ إبراهيم بإسماعيل عندما أراد أن يذبحَ ابنه اتّباعاً لأمر الله، فوصفه اللهُ بأنهم كانوا من المؤمنين، وما يحدثُ الآنَ هو أن الشعبَ اليمنيَّ يقرّب أبناءَه قُرباناً لله؛ ولذلك سوف يمنحهم اللهُ النصرَ على أعدائهم.
وهذا أكبرُ مصطلح وأكبرُ هدية هو التميّز، والشعبُ اليمنيُّ مفضل عند الله وعند الرسول، ولهم الأولية في الأول والآخر، فهذه هي الأسباب التي جعلت العدوان يهجم على اليمن؛ لأنه شعبٌ مباركٌ وُصف بالإيمان.
فكلما كان المؤمنُ قوياً بإيْمَانه، كان الابتلاءُ وأعظمَ وأكبرَ، ولكن العاقبة للمتقين واللهُ دائماً يجعلُ خواتمَ الأمور هي للمؤمنين، وهذا ما سيحدثُ إن شاء اللهُ..