خياراتُ الرد الإيراني.. بين التكهنات والمعطيات الميدانية
توسُّعُ بنك الأهداف الإيرانية العراقية وضربها يهدّد واشنطن استراتيجياً:
المسيرة: نوح جلاس
بعد ردودِ الفعلِ الإيرانية المتوعدة بردٍّ قاسٍ ومزلزلٍ على كُـلِّ المتورطين في جريمة اغتيال الجنرال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، بدت خياراتُ الرد لدى طهران كثيرةً؛ نظراً لموقعِها الاستراتيجي الذي يشكل خطراً على المصالح الأمريكية المنتشرة في الدول الحليفة لواشنطن في منطقة الخليج، بالإضافة إلى القدرات العسكريّة الكبيرة التي تملكها إيران، ناهيك عن وقوف طهران على بوابة مضيق هرمز المنفَذ الذي تعبُرُه كُـلُّ “المصالح” الأمريكية و”الخليجية” الحليفة.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن من ضمن الخيارات هو تعبئة الحلفاء في العراق للقيام بعمليّات في مضيق هرمز، وهجمات أُخرى إلكترونيّة كان بومبيو وترامب قد أبديا قلقَهما منها، أمس الأول، في تصريحات لهما عقب الموجة الإعلامية السياسيّة الهائلة التي اجتاحت حديث العالم، في حين يُذكَرُ أن مدير وكالة المخابرات الوطنية دان كوتس، المشرفة على مختلف أجهزة المخابرات الأمريكية، قالت مطلع العام المنصرم أمام مجلس الشيوخ: إن طهران “تحاول حيازة قدرات شن هجوم إلكترونيّ يتيح لها مهاجمة بنى تحتية رئيسية لدى الولايات المتحدة وحلفائها”.
كما يُجمِعُ خبراءُ على أن إيران هي لاعبٌ كبيرٌ في المشهد الإلكتروني العالميّ، خصوصاً بعد التصريحاتِ الأمريكية المسؤولة والمتعددة في هذا السياق والممزوجة بالقلق الكبير، فيما يستند مراقبون إلى إيضاحات الأمين العام لمجمع المهنيين الفرنسيين المختصين في الأمن والإعلام – لويد غيزو، الذي قال “شكّل الإيرانيون جيشًا إلكترونيّا إيرانيًّا بايع مرشد الجمهورية علي خامنئي، رغم أنه ليس هيكلًا رسميًّا”، في إشارة إلى القدرات الإيرانية على شن الهجمات الالكترونية ضد خصومها.
وأضاف لويد غيزو: “تركّز عملياتهم أكثر على البنى التحتيّة من النوع الصناعي، وهم يثيرون الخوف نسبيًّا في هذا المستوى مع إمْكَانية مهاجمة سدود في الولايات المتحدة، أَو تسلّل لأنظمة إنتاج الطاقة الأمريكية وغيرها”.
وبحسب ما تناولته تقارير صحفية دولية، فيرى خبراء ومحللون في الشؤون العسكريّة والجيوسياسيّة، أن جريمةَ اغتيال سليماني حتماً لن تمُرَّ دون تداعيات عكسية تلقي بكل ثقلها على واشنطن وحلفاءها في المنطقة، سيما بعد الرد الإيراني على الرسالة الأمريكية “ستنتقم طهران كيفما تشاء”، والتي جاءت بعد تلقي إيران رسالة من أمريكا أشارت إلى أن الأخيرة تتمنى أن لا يتجاوز الانتقام مقدار الجريمة “اغتيال سليماني والمهندس” التي تعتبر المقامرة الأمريكية الأخطر في المنطقة منذ توقيع الاتّفاق النووي في العام 2015.
وفي هذا السياق، قال مسؤول منظمة الأزمات الدولية للعراق وسورية ولبنان – هيكو ويمين: إن “هناك طيفًا واسعًا من الردود الإيرانية الممكنة لكن لا تنطوي جميعها على عمل عسكريّ “، مؤكّـداً أن عدم تراجع طهران عن المواجهات المباشرة والواسعة مع واشنطن قد يؤدي إلى نشوب كارثة في المنطقة.
في حين أكّـد مراقبون ومحللون عسكريّون أن الوجهةَ الأولى للرد على المقامرة الأمريكية، ستكون في العراق التي تتواجد فيها القواتُ الأمريكية والمصالح التي تسيطر عليها، كما يعزّزُ هذا الخيارَ التوجّـهُ العسكريّ لدى الحشد الشعبي وكتائب حزب الله في العراق – المتحالفين مع طهران، لا سيما وأنهم تعرضوا لهجمات أمريكية نهاية الشعر الفائت، بالإضافة إلى استشهاد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في ذات الضربة التي طالت سليماني.
وقد رجّح المراقبون أن الأهداف المتواجدة في العراق قد تأتي في قلب الردود الأولى على واشنطن، فيما يرى الخبير في الشأن الإيراني في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أليكس فاتانكا، أنّ “العراق سيصبح أول ميادين المعركة وسيكون هناك ضغط كبير على الوجود العسكريّ الأمريكي في العراق”، مذكرًا بأن الأمريكيين سيخسرون كثيرًا على المستوى الاستراتيجي، إذَا اضطروا للانسحاب من العراق.
وعلاوةً على المعطيات السابقة، فقد دعا قادةُ فصائل حركات المقاومة في العرق إلى “أن يكونوا على أُهبة الاستعداد”؛ للخوض في أية خيارات قادمة في سياق معادلة الرد على الجريمة الأمريكية، وهو ما جعل الاتّفاقَ النوويَّ 2015 على مهب الريح، حسب ما تحدث مراقبون، معرِّجين على مواقفِ الدول المتبقية الملتزمة بالاتّفاق التي أبدت قلقاً واسعاً من أية سيناريوهات قادمة تتحَرّك نووياً.