اللمسات الأخيرة على صفقة “ترامب”: دولة “وهمية” للفلسطينيين مع “رشوة” سعودية

وسائل إعلام صهيونية تسرب جزءا من البنود واستنفار فلسطيني للمواجهة:

المسيرة | ضرار الطيب

ترقب كبير يسود الأجواءَ مع اقتراب موعد إعلان خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، والتي باتت تسمى بـ”صفقة القرن”، حيث كان الرئيس الأمريكي قد قال قبل أيام إنه سيعلن الصفقةَ قبل وقت قصير من اجتماعه برئيس وزراء الكيان الصهيوني، والمقرر عقده، اليومَ الثلاثاء، في البيت الأبيض، وهو ما يعني إعلانَ الجانب السياسي من الصفقة بالتحديد، بعد أن تم الكشفُ عن جانبها الاقتصادي في ما سمي “ورشة المنامة” التي رعاها مهندس الصفقة، جاريد كوشنر، في يونيو الماضي.

توقيت الإعلان فرض النظر إلى الصفقة من عدة زوايا، إذ تحدّث الكثيرُ من المحللين عن الأزمات السياسية الداخلية التي يخوضها كلٌّ من ترامب ونتنياهو، حيث يأتي إعلان “الصفقة” في هذا التوقيت، بمثابة فرصة لهما للتشويش على ما يواجهانه، فالأول يواجه شبح محاكمة في مجلس الشيوخ، والثاني يواجه قضايا فساد.

لكن تبقى الزاوية الأهم، هي فحوى الصفقة وما ستفعله بالقضية الفلسطينية ودور الأنظمة العربية العميلة فيها، وبالذات النظام السعودي، فمن هذه الزاوية ينظر إلى الصفقة كحدثٍ مفصلي في تأريخ المنطقة العربية والإسلامية، إذ ستكون الصفقةُ بمثابة مصادقة على أكبر وصمة عار ستدخل بها معظمُ أنظمة المنطقة أبوابَ التطبيع المعلن والشامل مع العدو الصهيوني، وهو ما بدأت دلائلُه بالظهور بشكل واضح خلال الأيام الماضية، خصوصا فيما يخص العلاقة “الصهيونية السعودية”.

 

دولة فلسطينية “وهمية”:

فيما يخص مضمون الصفقة، تداولت وسائلُ إعلام “إسرائيلية” خلال الأيام الماضية، العديدَ من النقاط، قالت إنها بنود “مسربة” من صفقة ترامب، وتشمل تلك النقاط: ضم 30% من أراضي الضفة الغربية، إلى “سيادة” الكيان الصهيوني، وضم المستوطنات الكبرى في الضفة أيضا، إلى جانب إبقاء جميع الأماكن المقدسة في القدس تحت “السيادة” الصهيونية، وضم العديد من الأحياء الفلسطينية هناك، ونزع سلاح قطاع غزة.

بالمقابل، وبحسب تلك التسريبات، فإن الصفقةَ تترك للفلسطينيين “دولة منزوعة السلاح” تقام على مساحة 70% من أراضي الضفة الغربية، على أن تكون لإسرائيل “حريةُ العمل العسكري” فيها.

تتفق هذه البنود مع الهدف الرئيسي للصفقة، وهو تصفية القضية الفلسطينية تماما، فمهما كانت التفاصيل والنسب، يعرف الجميعُ ومنذُ بداية الحديث عن “صفقة القرن”، أن النتيجةَ التي يرجوها القائمون على الصفقة هي تمكين الكيان الصهيوني من الأرض الفلسطينية، وتحويل الفلسطينيين إلى ضيوف ضعفاء وغير مرحب بهم على جزء بسيط من تلك الأرض.

 

السعودية تتكفل بميزانية “الصفقة”:

ما حددته الصفقة كـ”دولة فلسطينية” ليست في إلّا وهما يراد بيعه للفلسطينيين مع 50 مليار دولار، هي ثمن مشاريع تقول مصادر إن الصفقةَ تضمنت إنشاءها في تلك “الدولة”، وتؤكد المصادر أن وليَّ العهد السعودي محمد بن سلمان وعددا من أمراء الخليج تكفلوا بدفعها.

هذا أيضا يتفق تماما مع الدور الذي أُسند إلى الأنظمة الخليجية، وعلى رأسها السعودية، في هذه الصفقة، وعندما طرح “كوشنير” الجانب الاقتصادي من صفقته قدم إلى “المنامة” ليجمع الأموال، لكن عندما جاء وقت الجانب السياسي، ذهب نتنياهو إلى واشنطن، وبعبارة أخرى: كان بن سلمان وبن زايد وغيرهم من قادة الخليج هم الممولون الرئيسيون.

سيفتح بن سلمان وطابور الأمراء الخليجيين خلفه خزائنهم ليمولوا مشاريع، سيقدمونها إعلاميا كـ”دعم” للفلسطينيين، وهذه لن تكون المرة الأولى التي يقولون فيها إنهم يقفون مع الشعب الفلسطيني ويقدمون له المساعدة، متجاهلين تماما أن تلك “المساعدة” هي جزء من ميزانية تمويل الصفقة التي أنهت القضيةَ الفلسطينية تماما، وجرّدت الشعب الفلسطيني من أرضه!.

هذا “التمويل” طبعا هو خطوة أخرى في مسار التطبيع الرسمي والشامل للعلاقات بين تل أبيب وعواصم الخليج، وهو الأمرُ الذي يرافق اليوم إعلان الصفقة، بشكل واضح، وما مشاركة وفد سعودي رسمي في إحياء ذكرى “الهولوكوست” اليهودي المزعوم، قبل أيام، وإعلان “إسرائيل” عن السماح للصهاينة بزيارة المملكة وأداء “الحج والعمرة”، إلّا مظاهرُ لذلك التسارع المدروس الذي يراد به توسيع مساحة التطبيع المعلن وصولا إلى تكريسه رسميا.

أضف إلى ذلك ما نقلته وسائلُ إعلام عبرية من تصريحات أدلى بها نتنياهو قبل أسبوع عن “توقيع اتفاقيات سلام مع دول عربية”، وهو ما لن يكون مستغربا أن يترافق مع طرح صفقة ترامب، أو يلحقها.

 

استنفار فلسطيني:

مع ذلك، وحتى الآن، لا يزال كلُّ حديث عن صفقة ترامب متمحورا حول فحواها كخطة مولتها السعودية ودول الخليج، وأعدتها الولايات المتحدة، لتصفية القضية الفلسطينية، أما إمكانية تطبيقها ورد الفعل الذي سيواجهها في الداخل الفلسطيني وعلى مستوى المنطقة فهو أمر متروك للترقب.

فلسطينيا، تؤكد جميعُ المصادر والتصريحات وجودَ “استنفار” كبير، ومن المقرّر أن تنطلق مسيرات حاشدة وغاضبة في مختلف الأنحاء، اليوم وغدا، تزامنا مع إعلان الصفقة من واشنطن، وهو ما دعت إليه المقاومةُ الفلسطينية وَ”هيئة مسيرة العودة وكسر الحصار”، التي أكدت أن “مواجهةَ هذه الصفقة الملعونة تحتاج تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وتعزيز ودعم مقاومتنا الباسلة”، ودعت إلى “تشكيل أوسع حالة التفاف جماهيري في كافة أماكن التواجد الفلسطيني”.

تقول التسريباتُ إن الصفقةَ ستتضمن “مدة تجهيز” غرضها منح الفلسطينيين فرصة للقبول، وهو ما لن يتم، وبالتالي من المتوقع أن تنفجر الأوضاعُ سريعا، وهو ما يقودنا إلى التفكير في الخيارات الفلسطينية لخوض معركة رفض الصفقة مع العدو الإسرائيلي، ومن طبيعة الردود التي نفذتها المقاومةُ على جرائم الاحتلال خلال الفترات الماضية، يمكن القول إن محاولةَ تطبيق الصفقة بالقوة ستفجر حربا واسعة قد تفاجئ المقاومةُ فيها الجميعَ.

أما على مستوى المنطقة، فالمؤكد أن السعودية، وبقية الدول الخليجية، ستسخر إمكاناتها الإعلامية والسياسية بشكل كبير لدعم “الصفقة”، ولعلها ستسهم في ممارسة ضغوط على الفلسطينيين، بالتوازي مع المزيد من الخطوات التطبيعية المعلنة مع العدو الإسرائيلي.

المؤكد أيضا أن قوى محور المقاومة، وفي مقدمتها اليمن، ستكون لها مواقف شعبية ورسمية بارزة في رفض الصفقة والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وهو ما سيلقي بظلاله عاجلا أو آجلا، على الأحداث التي تشهدها المنطقة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com