صفعةٌ لصفقة
يوسف نشوان
فيما يقترب العدوانُ الأمريكيُّ السعودي من إكمال خمسة أعوام من العدوان على اليمن، ومع بداية العام 2020، حدث أمران مهمان هما: إعلان ترامب لصفقة القرن، وعملية البنيان المرصوص، التي أعلن عنها المتحدّثُ الرسميُّ للجيش اليمني، فما العلاقةُ بينهما وما انعكاساتهما على المنطقة؟
عمليةُ البنيان المرصوص -التي أتت بعدَ مرحلةِ صمود كبيرة، قطعها اليمنيون في وجه أصلف عدوان وحصار على وجه الأرض، وكتدشين لعام جديد- تُعتبر تتويجاً لهذا الصمود، وبدايةً لمسار كبير ومختلف عمّا سبقه، بما يُمثّله من أهميّة استراتيجية عسكريّة وسياسيّة، فإطلاق عملية هي الأكبر -على الإطلاق- منذُ بداية العدوان، سواءً من حَيْــثُ المساحة الجغرافية المحرّرة، أَو عدد الألوية التي سقطت بكامل عدتها وعتادها، ذلك يُعتبر بحدِّ ذاته فرضاً لمعادلة جديدة، وانتقالا من وضعية الدفاع إلى الهجوم التي كان الجيشُ اليمني قد بدأها في عملية نصر من الله وما قبلها.
وبهذه العملية استطاعت صنعاء تحويلَ التهديد إلى فرصة، حَيْــثُ انتقلت من وضعية مواجهة الخطر إلى إزالته، وتأمين العاصمة، ثم تشكيل تهديد وسيطرة فعلية على مناطقَ جغرافية تتبع محافظةَ مأرب اليمنية المعقل الرئيس للشرعية المفقودة، وأصبحت على بعد 30 كيلو مترا تقريبًا من مدينة مأرب، وهنا يتوقف الأمرُ على إشارةٍ من صنعاء للتنفيذ.
ومع إعلان اللعين ترامب لسرقة القرن، تزامن الإعلان عن عمليةِ البنيان المرصوص، لتُمثّلَ أول رد عملي من الأُمَّـة على صفقة الشيطان الأكبر وعملائه المطبعين، وهنا لم يقتصر الردُّ على موقف سياسيّ أَو مظاهرات جماهيرية كبيرة وعظيمة خرجت في اليمن، وَلم نشهد مثيلها المنطقة، بل بإعلان عملية مثّلت صفعة في وجه العدوّ الأمريكي الصهيوني بحقِّ عملائه وأذنابه المحليين في طريق إفشال مخطّطهم التآمري، والذي لا يستهدف إخضاعَ اليمن فحسب، بل وأي بلد حر ومستقل ويسعى للكرامة في العالم الإسلامي.
أتت عمليةُ البنيان المرصوص لتقول: لا لصفقة ترامب، فهنا جُنْدُ الإسلام المحمديون الذين لا يعرفون الهزيمةَ تحت قيادةٍ من أهل البيت، هو السيد عَبدالملك بدرالدين الحوثي، والذي أعلن نهايةَ عهد التبعثر والتجزئة لمعركة الأُمَّـة مع أعدائها، وبداية مرحلة رصِّ الصفوف وتوحيد المواقف، والتعاون بين شعوب العالم الإسلامي لمواجهةِ تحالف الشر والتآمر الأمريكي الصهيوعربي، كما أرسلت هذه العمليةُ المباركةُ إشارتها لشعوب المنطقة بأن الهيمنةَ الأمريكية ليست قدراً فُرض عليها، وأن بالإمْكَان التحرّر منها ومواجهة كُـلّ المشاريع التآمرية إن اعتمدت الشعوبُ على نفسها وأعدت العدة لعدِّوها، وتحَرّكت بما تستطيع، فالنصر والظفر والعز بانتظارها بعون الله.
ظن ترامب بإعلانه الصفقة أن بإمْكَانه تمريرها، خُصوصًا أنه قد حظي بمباركة أنظمةٍ عربيةٍ وغربيةٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ، إلّا أنه لم يدرك أن زمنَ الهزائم والتقهقر في المنطقة قد ولّى وإلى غيرِ رجعة، وبدأ زمنُ الانتصارات بكلِّ قوة، ولا نستبعدُ حصولَ مواجهة مباشرة بين اليمنيين والعدوّ الصهيوني في القريب العاجل، فمن نفّذَ عمليةَ البنيان المرصوص بهذا التكتيك القتالي العالي والمدة الزمنية القياسية التي لم تتعدَّ خمسة أيام والمساحة الجغرافية الواسعة، لا يُستبعَدُ أن يكونَ المتصدر لمعركة وعد الآخرة، ليسوؤوا وجوههم وليتبروا ما علوا تتبيراً.