المهرولون نحو التطبيع

 

إسماعيل المتوكل

من الطبيعي لمثلِ تلك الأنظمة العميلة التي سرقت ثورات الشعوب أَو تلك المزروعة في خاصرة الأمة، أن نراها تتصدّر المشهدَ في حياكةِ المؤامرات على قضايا الأمة كالقضية الفلسطينية التي تتلقى الطعنات من الداخل أكثر من المستعمر الخارجي، وباتت تُمعن في الهرولة وغرسِ الحربة في قلبِ الجسدِ الفلسطيني، فما إن وضعت الحربُ العالمية الثانية أوزارَها، حتى وقعت الأمةُ تحت سطوة معظم أنظمة العمالة للاستعمار الغربي الذي أوكل مهمةَ تفتيت المنطقة وبعثرة الأمة عبرها، إذ لا يقلون شأنا في مساوئهم عن المستعمر المباشر، وأخذت تنخرُ في جسد الأُمَّـــة من الداخل حتى العظم، وهؤلاء (هم العدوّ فاحذرهم)، فما تعاني منه الأمةُ ما هو إلّا نتاج ناجم عن هذه الخيانة، الأمر الذي مكن العدوَّ من إغراق شعوب المنطقة في الفوضى وإشغالها في حروب واقتتال داخلي، وَممارسة سياسة التجويع وإضعافها وإحلال ثقافات الفرقة والتدجين وترسيخ مفهوم القبول والتسليم بهذا الوضع المتردي، وكأنه أمر واقع لا بُدَّ منه وصولا إلى ما وصلت إليه من ركون واتكال في الاعتماد على الغير في كُـلِّ حاجياتها، لدرجة أن الغالبيةَ من أبناء الأمة أصبحت تستمرئ هذا النمط من السلوك.

وبالتالي لا شكَّ في أي نظام يحظى بمباركة الأمريكي، فإنه لا يرتجى منه أيُّ خير، ورحم اللهُ الإمامَ الخميني الذي قال: (لو أنني رأيت أمريكا تنظر إليّ كصديق لشككت في نفسي)، وأطلق عليها الشيطان الأكبر؛ باعتبارها وراء كُـلّ ما يلحق بالمسلمين من ذلٍّ وهوانٍ، فهذه الأنظمةُ العميلةُ هي من تنفّــذ أجندته وَتحقّق له أهدافَه ومطامعَه دون أن يكلف نفسه أي جهد أَو عناء، لا في المال ولا في النفس، وعلى رأسها أنظمة الخليج التي تبوأت الصدارةَ في مسرح مسار العمالة والخيانة في أحضان الصهيوأمريكي، ووضعوا المنطقةَ موضعَ الاستغلال البشري والمادي بشكل رهيبٍ جداً، في مقابلِ الحفاظ على عروشهم فلتذهب الشعوب والأوطان خلف الشمس بخمس، ولولا حركات المقاومة التحرّرية المعبّرة عن إرَادَة الشعوب ومواقفها الدينية من واقع المسئولية، لما بقي لقضية فلسطين أيُّ أثر؛ ولهذا نجدُ أن أكثرَ ما يخشى منه الأعداءُ هو من هذه الحركات التحرّرية اليقظة، وبالتالي حينما نسمعُ عن هرولة بعض الأنظمة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، كاللقاء الذي جمع رئيسَ المجلس السيادي للسودان عبد الرحمن البرهان برئيس وزراء كيان العدوّ الإسرائيلي.

لم يكن الأمرُ مفاجئاً وليس بغريبٍ، بل الغريبُ لو صدر من هذه الأنظمة أدنى موقف مندّد أَو مستنكر لصفقة ترامب، فثورةُ الشعب السوداني التي أطاحت بنظام عمر البشير كان قد تم الالتفافُ عليها، وهذا يقودنا إلى مدى حاجة الأمة الإسلامية إلى عنصر المنعة والحصانة الممثّل في ثقافة القرآن الكريم الذي يمتلك كُـلَّ عناصر القوة والنجاح والفاعلية، وتتوفر فيه أهمُّ الخصائص والمميزات لبناء الأمة على أرقى مستوى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتقون)، وهذا ما تفتقر إليه الأمة؛ ونتيجةً لهذا الغياب ندركُ أن هذه الثورات بدون المشروع القرآني، ستكون عرضةً للاختراق والالتفاف ولن تفضيَ إلى نتيجة تذكر؛ لأَنَّ العمليةَ تعتبر حينها مُجَـرّد عملية تبادل للأدوار لا غير، وإن اختلفت الوجوه وتعددت المسميات.

اليمن كانت إحدى ضحايا تلك المؤامرة عقب المبادرة الخليجية التي دشّنت مشروعها التآمري، ولولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر المباركة التي أجهضت هذه المؤامرة، وأفشلت مخطّطات الأعداء بفضل الله وببركة هذا المشروع القرآني الذي يقود مسيرته السيّد القائد عبد الملك الحوثي -حفظه الله-، لعادت اليمن إلى مربع الوصاية والعمالة بأسوأ مما كانت عليه من قبلُ، بل ربما لكانت من أول المهرولين نحو التطبيع، والشواهد كشفت ذلك عندما هرول وزيرُ خارجية المرتزِقة الأسبق خالد اليماني آنذاك، وبدا جنبا إلى جنب مع نتنياهو في مؤتمر وارسو.

ومن ثم فصفقة ترامب وما يترافق معها من سباق محموم نحو التطبيع مع كيان العدوّ الصهيوني الغاصب الذي يرمي إلى شطبِ القضية الفلسطينية من الخارطة وتصفيتها في إطار مؤامرة (برتوكولات شياطين صهيون)، لن يكتب لها النجاحُ، فإسرائيلُ إلى زوال لا محالة كما أن المهرولين هم لا يعبّرون إلّا عن أنفسِهم ولا يمتلكون أية شرعية؛ لأَنَّ الشعوبَ رافضة أَسَاسا من حيث المبدأ لوجود هذه الغدة السرطانية في أرض فلسطين، فضلاً عن مسألة التطبيع.

وبالتالي فليطبع من طبع ويرتمي من ارتمى في مستنقع العمالة طالما (وَلله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ)، فالشعوبُ باتت أكثرَ وعياً وأخذت تتنامى وتلتف حول محور حركات المقاومة في المنطقة، وتلتقي عند خندق واحد ولهدف واحد وغاية واحدة، وها هي تفرض نفسَها بقوة على الواقع وصولا إلى طرد الشيطان الأكبر من المنطقة بإذن الله تعالى.

(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com