في زيارة صحيفة المسيرة لحي البليلي … أُسطوانات الغاز التالفة قنابلُ موقوتةٌ داخل منازل المواطنين
زادت مؤخّراً مشاكل أُسطوانات الغاز التالفة التي أصبحت تؤرق حياة اليمنيين، بل وتحصد أرواحهم بدون سابق إنذار، آخرها ما حدث في حي البليلي شارع الدفاع، وانفجار أسطوانة غاز تالفة داخل بيت العميسي.
صحيفة المسيرة زارت مكانَ الحادث، وتحدّثت مع عدد من المصابين وأبناء حي البليلي، عبر هذا الاستطلاع نستعرضه لكم تالياً:
المسيرة: محمد الكامل
كانت البدايةُ مع الجريح عصام العميسي وهو أخو الشهيدين الذي أُخرج من تحت الأنقاض ويرقد مستشفى الثورة وظل يوماً كاملاً تحت العناية المركّزة؛ نظراً لإصابته بفقرات في الضلع الأيسر ونزيف في الرئتين وخدوش ظاهرة في الوجه والأطراف، حيث قال: سمعت الانفجار وقلت هذا صاروخ وبعدها في اليوم الثاني دريت انها دبة غاز”، وخاطب شركةَ الغاز بالقول “بدل ما كان تغيروا مفاتيح للأُسطوانات التالفة فانظروا إلى مقدار الخسائر التي لن تعوض، فكم هم ضحايا تقصيركم من الأطفال والنساء؟ فعيب عليكم استشعروا مسئوليتكم، تخلوا عن تفكيركم العقيم للسعي بعد الأرباح فقط، دون أية اعتبارات للصيانة التي يدفع قيمتها المواطن.
بدوره، قال خالد العميسي وهو الأخ الأكبر للشهيدين: “كنا في الأمس نسكن منزلنا المكون من 3 دور واليوم بتنا وأسرنا مستأجرين في بيوت غيرنا في لحظة فارقة غيّرت الأحوال وانتزعت الأرواح وعمقت الجروح دون إذن مسبقة، ولكن ثقتنا بالقيادة السياسية وبالدولة يقف على هرمها سيدي ومولاي عبدالملك بدرالدين الحوثي كفيلة بتعويضنا ووضع حَـلٍّ شامل لكل المواطنين المتضررين من الأُسطوانات غير الصالحة للاستخدام.
ابن أخي الشابين الشهيدين اليتيمين عمرو خالد العميسي، عندما سالته أين كان وقت الانفجار قال: “كنت في المدرسة ولم يتبقَّ في البيت غير عمتي وعمومي الشهيد محمد علي العميسي ووليد علي العميسي، وعمي عصام الجريح وعمتي التي نجت”، وأشَارَ عمر إلى أن البيت الذي يتكون من ثلاثة طوابق تسكنه ثلاث أسر، ولكن لطف الله كان حاضراً، حيث وقع الانفجار بعد خروج السكان إلى أعمالهم والطلاب إلى مدارسهم بعد الساعة الثامنة والنصف صباحاً”.
واعتبر عمرو العميسي أُسطوانات الغاز غير المصانة قنابل موقوته تهدّد حياة المواطنين في كُـلّ منزل وفي كُـلّ لحظة.
بدوره، قال المواطن سليم الكحلاني -جار بيت العميسي-: “نحمِّلُ شركةَ الغاز كاملَ المسئولية، وندعو القيادةَ السياسيةَ إلى التحقيقِ في الحادثة وتلمُّسِ حجم المصاب الجلل والأضرار التي لن تعوَّض بعد اليوم، والسعي لتوفير حَـلٍّ نهائي لهذا المشكلة التي تتكرّر منذ سنوات”.
وَأَضَــافَ “برغم الإحصائيات عن ضحايا أُسطوانات الغاز التي تسكن مطابخنا، والمناشدات التي رافقتها إلا أن تحَرّك الجهات الرسمية يكون مؤقتاً ولحظياً وبعدها يتوقف ولم يلتمس المواطن ثماره حتى الآن”، وأشار إلى أهميّة استبدال الأُسطوانات التالفة والمنتفخة بأُسطوانات جديدة وفقاً لآلية سليمة وعاجلة.
البداية على لسان مواطنين:
بداية المأساة الحجة فاطمة العميسي 55 عاماً، اعتادت دائماً أن تصحوَ الصباح لعمل الشاي، ولكنها لم تكن تعرف أنها ساعتها الأخيرة وشاهيها الأخير.
هكذا قال أحدُ أبناء حارة البليلي، ويدعى خالد درويش، مواصلاً حديثه: “أول ما شفت الانفجار ظني أنه صاروخ، انفجار قوي، كأنه قصف طيران مش انفجار دبة، هرعنا إلى بيت خالد العميسي، واجهة البيت المكون من ثلاثة طابق كلها انهارت، حملنا نسعف”، مُضيفاً: “الضحايا هم الحجة والعمة فاطمة العميسي 55 عاماً، وليد العميسي 31 سنة، وَمحمد العميسي 25 سنة أبناء أخيها، فيما المصابون هم عصام العميسي 33 سنة أخو وليد ومحمد، وكذلك علي بابكر نازح مستأجر في بيت العميسي أُصيب بكسر في رجله ورضوض في جميع جسمه، إلى جانب عبدالناصر خصروف الذي صادف وجوده هو وعلي جنب البيت وقت الانفجار”.
وأتبع حديثه: ‘‘فيما استطعنا إخراج عصام وإسعافه هو علي وعبد الناصر وإخراج الطفلة ذات العامين ميار خالد العميسي 40 سنة الأخ الأكبر للمرحومين وليد ومحمد وابن أخي الحجة فاطمة الذي شاءت الأقدار أن يكون في عمله (البنك الإسلامي)”، مُضيفاً: “وفور وصول خالد دخل البيت وأغمي عليه، ولم نعرفه أَو نجده في البداية، ثم بعد ذلك وجدناه ونقلناه إلى سيارة الإسعاف؛ لأَنَّه كُـلّ شوية يدوخ’’.
وقال درويش: ‘‘أب الأُسرة متوفي من مدة؛ بسبب مرض السرطان، وأن الأُم لم تكن موجودة فكما اعتادت العمة فاطمة على فعل الشاي الصباح، خرجت الأُم أنيسة تشتري كدم، وكان وقت الانفجار والأُم خارج البيت، حَيْــثُ دخلت العمة فاطمة ولم تعرف أن تسرب الغاز وانتشاره أصبح ملان البيت إثر أسطوانة غاز فاسدة لا تصلح للاستخدام، وأول ما دخلت المطبخ ولعت الكهرباء لتلتقي شرارة الكهرباء مع الغاز المتسرب الذي جعل من بيت العميسي قنبلة موقوتة، فيما أبناء خالد العميسي إلياس وعمر كانا في المدرسة’’.
وناشد خالد الجهات المختصة بالاهتمام أكثر بأرواح الناس وسحب أُسطوانات الغاز التالفة، وأن يتحمّل الجميعُ مسؤولياتهم سواء في شركة الغاز أَو الجهات الأُخرى في الدولة.
سيارات الإسعاف والدفاع المدني:
في السياق، مختار عبد الكافى قال: محمد صاحبي وزميل دراستي صديق طفولتي لم يمت في البداية، حَيْــثُ قمت بإخراجه أنا بيدي،، كان بخير ولو النبض ضعيف، نبض ثم طلعناه فوق سيارة الإسعاف، واللهِ التاكسي أخْرج منها”.
هكذا قال مختار مقاطعاً حديثي مع خالد درويش متابعاً: ‘‘كنت في المحل حقي، سمعت انفجاراً قوياً ودخاناً كبيراً أمامي في السماء، فجأة جاء إلي واحد يقول لي حصل انفجار دبة غاز في بيت العميسي، حملت وصلت بيت العميسي وقد كان عصام خارج، وبيقولوا عاد محمد داخل، دخلت مع من دخل بالمجارف والكريكات ولكن ما قدرناش”، مُضيفاً: جاء الشيول أخيراً وفي ثاني ضربة خرجنا محمد العميسي بعد ما صيحنا لصاحب الشيول وقف، ولقينا محمد وعاده ملفوف بالبطانية حقه’’.
وتابع قائلاً: “حضنت محمد وتوجّـهنا إلى سيارة الإسعاف في أسوأ موقف حصل لي في حياتي، وأنا مع محمد دخل سيارة إسعاف، لا أكسجين ولا حتى أونينا أَو جهاز إنذار إفساح الطريق، والله إن التكسي كان أحسن، حاولت أعمل لمحمد إنعاش، في أول مرة استجاب كنت أضغط أضغط أضغط، أنت متخيل سيارة إسعاف ما فيهاش دكتور إسعافات أولية، سيارة إسعاف فيها غير السواق فقط، ولا جهار إنذار عشان الناس تفسح الطريق”، مُضيفاً: مع الزحمة وصلنا المستشفى دخلناه إلى الإنعاش القلبي قالوا لنا الحمد والشكر لله، الله يرحمه، محمد مات، اتصال بعد شوية وليد مات أدخلناهم الثلاجة، مضيفاً: رجعنا الحارة لعند بيت العميسي فريق الإنقاذ تبع الدفاع المدني والشيولات مدري أيش وقفوا العمل، وقالوا يشتوا يسيروا يتغدوا، يا جماعة عاد الحجة داخل ما يسبر كملوا عملكم مدري وعادي هي حية، قالوا ماشي، ساروا يتغدوا.
وقال مختار: ‘‘أبسرنا احنا أهل الحارة يا رجال ما عاد به إلّا احنا، شلينا المجازف والكريكات وطلعنا نبهل وندور، دخلنا المطبخ ذيك بعدنا الحجار الكبار حفرنا حفرنا خيرات، حَيْــثُ وقعت الواقعة حفرنا لقينا عمتهم وصلنا عندها كنا نظن أنها في البداية وسادة؛ لأَنَّها كانت منتفخة قوي، رجعت لمستها وطلعت هي، صيحت للخبرة الذي كانوا في مكان ثاني بيدورا، يا جماعة جاءوا تأكّـدوا، وأنا ما عاد قدرت أتحمل الموقف، وخرجت كان المنظر مؤلماً جدا’’.
مختار العليمي وجّه رسالة إلى وزير الصحة قائلاً: يا دكتور الحادث والجرح عميق في قلوبنا، لم يعد هناك مكان للحزن، نرجو منكم تجهيز سيارات إسعاف بشكل صحيح، هذه السيارات ما تنفعش توقع حتى تاكسي أجرة، لا إسعافات ولا دكتور يتابع الوضع، هذه شكوى لك يا وزيرنا حتى الإنذار والونان بنقول للسواق شغل الإنذار عشان الناس يبعدوا من الطريق، يقول لنا ما بش خارب’’.
واختتم حديثه قائلاً: أما أنتِ يا شركة الغاز والكلام لمختار: ‘‘شغلتونا يومياً في الراديو في لجنة فحص المقاييس ولا لجنة الغاز ولا لجنة مدري، أيش اسمه أخي المستهلك أخي التاجر أخي المواطن، أين الفحص أين دبات الغاز، سحبتوا مننا دبات الغاز حقنا الجداد، وجبتوا لنا دبات مدقدقة وتالفة، وبعدين تقولوا كُـلّ واحد يكتب رقمه على دبة الغاز حقه، تكاثرت حالات انفجار دبات الغاز، ما هو السبب ليش هذا بيحصل يا دولة؟!’’.
مصابون ومتضررون:
عبد الرقيب سعد 35 عاماً متزوج لديه من الأبناء خمسة، يقول: “أنا صاحب معمل خياطة في نفس بيت العميسي في الدور الأول، كنت في البيت متوجّـه للعمل والمعمل كما تعودت، وصلت ما قبل اللفة بشوية وسمعت انفجاراً قوياً، انفجار زي ما قالو أسطوانة الغاز، وصلت أبسر العمال قدهم خارج، حَيْــثُ قامت فرق الإنقاذ من المواطنين بإنقاذهم وفتح لهم مخرج’’.
قال عبد الرقيب: وخلاص انتهى على كُـلّ شيء معمل الخياطة، كان كمصدر دخلي الوحيد، معمل الخياطة بكل ما فيه من مكائن وقماش بملايين، أطلال ودفن تحت التراب، ودعا عبدالرقيب الجهات المختصة قائلاً: “أول حاجة صيانة دبات الغاز المنزلي التي لا تصلح للاستخدام إلى جانب فرض المزيد من الرقابة علي من يتولى أمر الغاز، يتولى أمر الغاز وتحمل مسؤولية ما حدث، وكذلك تعويض المتضررين، سواء أكانت أُسرة العميسي صاحب البيت أَو أنا’’.
عبد الناصر خصروف -أحد الضحايا إثر الانفجار الذي حدث في بيت العميسي- زرناه إلى داخل بيته والذي تحدّث إلينا قائلاً: “عادة ما أجلس يومياً تحت بيت العميسي أنا وبعض الأصحاب نتجابر، في ذاك اليوم كنت أنا وصدام وعلي بابكر المستأجر عند خالد العميسي، ونحن نتكلم فجأة لم نسمع ولم نحس شيء إلّا انفجار، لا نعرف ماذا حصل سحابة دخان تملؤ المكان، سمعنا قارح حاولنا نهرب ولا نعرف من أيش’’.
وأضاف: صدام استطاع النجاة والهرب، أما أنا كنت أحاول الهرب ما قدرتش اتحَرّك، فقد سقط الجدار الأخير فوقي ليدفنني الجدار حتى خصري وأنا مش فاهم ولا عارف أيش ما سكني أصلاً، ما قد استوعبتش ولا عارف أن البيت اخترب أصلاً، لوهلة ظنيت أنه صاروخ العدوان السعودي زي زمان أَو قبل حين كان يضرب قريب لنا في الحارة، الوزارة أَو كلية الشرطة، هكذا ظنيت في البداية وخَاصَّة عندما كنت أشوف الدخان سحابة الغبار”.
وأكمل حديثه: ‘‘فكنت أصيح اسحبوني اسحبوني، صدام حمل إلى عندي بيحاول يساعدني ويخرجني ما توقع بيت العميسي بعد انقشاع الغبار أصبح أطلال، الحمد الله إصابتي كانت طفيفة في قدمي، وجاء أخي وأسعفني، أما علي المستأجر من العميسي والذي ظن صدام أنه نجا كان قد دفن حتى الرقبة بركام البيت، والباب مغطي له، وبعد سماع أنات وونين وصوت خفيف انتبه له المنقذون واستطاعوا إخراجه ليتضح أن إصابته أشد مني، وذلك بكسر في القدم ورضوض في أغلب جسمه’’.
وقال عبدالناصر: “على الجهات المختصة النظر إلى أصحاب بيت العميسي، فقد كان كُـلّ ما يملك، وأنت تخيل في يوم وليلة ما عاد بش معك مأوى، حتى سياراتهم انتهت، ثنتين منهن انتهين نهائياً، التي كانوا يشتغلون بهن بعد سقوط واجهة البيت فوقهن’’.
واختتم حديثه قائلاً: “كما وأطالب شركات الغاز أن يتقوا الله، كُـلّ ما أعرفه من هذا الاهمال تسبب في قتل أرواح بريئة، عليهم سحب الأُسطوانات التالفة لا تصلح للاستخدام، وأنا واحد من هؤلاء المواطنين نفسه، حَيْــثُ شليت دبة لما وصلت البيت وأنها بتسرب رديتها للعاقل، قال ارجع بعدين احنا عنصلحها”، مُشيراً بقوله: “بيفعلوا لها فلين، حَيْــثُ يحرقه مع بترول ويخلوه يوطل في مكان التسريب، حلول ترقيعية قد تكون سبب المشكلة’’.
مُضيفاً: ما فيش حاجة اسمها صلاح، احنا نصلح لو في المصنع، في حاجة اسمها استبدال، حاجة جديدة نظيفة أَو يركبها ويصلحها داخل المصنع، أما هكذا هو استهتار بحياة الناس’’.
نبيل محمد العميسي -ابن عم الضحايا والمصابين من أُسرة العميسي- تحدث إلينا بقوله: “كانت ليلة ويوماً عصيباً جِـدًّا، بدأ في التاسعة صباحاً ونحن نصطبح، سمعت انفجاراً قوياً جِـدًّا أهرع إلى الخارج لأجد بيت عمي وعيال عمي حوله دخان كثيف لا ترى شيئاً”، مُضيفاً: داخل البيت كان في ثلاث أسر، ابن عمي خالد وعياله خمسة، وعلوي وعياله وعمتي خمسة، وأُسرة المستأجر علي بابكر.
واتبع حديثه: ‘‘عمتي أنيسة زوجة عمي وأم خالد وعصام ومحمد ووليد، كانت خارج وقت الانفجار، وأطفال خالد في المدرسة، أما محمد ووليد وعمتي فاطمة فقد ماتوا، بينما عصام والمستأجر علي في المستشفى مصابين إصابات مختلفة’’.
مُضيفاً: الحمد لله على كُـلّ حال، الخبر كان فاجعة، كنت أظن أنه طيران وطلع دبة غاز، هذا كله مسؤولية تتحملها شركه الغاز درجة أولى.
مختتماً حديثه: ‘‘يجب أن يكون هناك دقة وضمير وأمانة، بحيث ما تخرج دبة الغاز إلّا مفحوصة جاهزة، إذَا شركه الغاز هي المتهم الأول هنا وَعليها تحمل مسؤوليتها، وهذا مش أول ضحية، ولا يكون آخر ضحية إذَا لم يكن هناك محاسبة في الموضوع وإعادة نظر من قبل جهة مختصة وسلطات أكبر وَأعلى من شركه الغاز”.