انتشارُ منتجات شركة جونسون للأطفال رغم إدانتها أمريكياً بنشر مواد مسرطنة

في تتبع استقصائي لصحيفة المسيرة حول البضائع الضارة:

 

في سلسلة دعاوى قضائية ومن سنوات وتعويضات مالية كبيرة، كان آخرها تغريم شركة “جونسون آند جونسون” دفع تعويضات تصلُ قيمتها إلى نحو 750 مليون دولار، بعد أن تسبّبت بودرةُ الأطفال التي تنتجها بإصابات بالسرطان، سارعت الشركةُ الأمريكية متعددة الجنسيات جونسون آند جونسون والتي تُعنى بمنتجات العناية بالأطفال، إلى سحب بودرة جونسون للأطفال من الأسواق.

صحيفةُ المسيرة وفي سعيها للتحقّق من خلو الأسواق اليمنية من بودرة جونسون للأطفال التي تحتوي على مواد مسرطنة، وذلك عبر تحقيق استقصائي تضمن النزول الميداني إلى عددٍ من الصيدليات في شوارع ومناطق مختلفة، إلى جانب زيارات أُخرى تباعاً للالتقاء بمسئولين في وزارة الصحة العامة والإسكان والهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، نستعرضه تالياً:

 

المسيرة: محمد الكامل

 

استهلاك كبير لبودرة واختلاف في حقيقة هُـوِيَّتها:

لتوقع رفضِ الحديث معنا وحرصنا على إثباتِ وجود بودرة جونسون للأطفال التي تحتوي على مواد مسرطنة، كان تعاملنا مع أصحاب الصيدليات على أننا زبائن، وكانت البدايةُ بدخولنا لصيدلية في حي نقم، موجهين سؤالنا لصاحب الصيدلية عن وجود بودرة جونسون للأطفال والذي ردَّ قائلاً: كانت موجودة معي وخلصت عليَّ قبل أمس، لكن إذَا أنت تشتي ممكن أوفرها لك لبكرة، مضيفاً: أصلاً بتمشي حريقة وهي موجودة في الأسواق بشكل كبير، وإحنا أصحاب الصيدلية بنشتريها من سوق الجملة حق الأدوية.

وعند سؤالِه عن اسم الوكيل أَو التاجر الذي يشتري منه للصيدلية بودرة الأطفال جونسون في سوق الأدوية قال: “واللهِ اسم التجار أَو الوكيل مش عارف؛ لأَنَّ شراء الأدوية أَو أية حاجة للصيدلية أخي الكبير هو المسئول عنها عموماً”.

غادرنا حي نقم إلى صيدلية أُخرى، وتحديداً منطقة شعوب وجدنا ما نبحث عنه، حيث قال الصيدلي محمد عزام في حديثٍ ودي معنا دون معرفته من نحنُ في الحقيقة، فما زال الحديثُ بين بائع وزبون: “نعم موجودة بودرة جونسون للأطفال”، مضيفاً: “تشتي بودرة كبير أَو صغير أَو حجم متوسط من بودرة جونسون؟”.

مؤكّـداً بقوله: بودرة جونسون أفضلُ أنواع البودرات الخَاصَّة بالأطفال، والإقبالُ عليها شديد وخَاصَّة من النساء رغم ارتفاع سعرها، مُوضحاً أن سعرَ الحجم الصغير من بودرة جونسون بـ 750 ريالاً، والحجم المتوسط بـ 1100 ريال، بينما سعر الحجم الكبير يبلغ 1500 ريال.

طلبنا من الصيدلي محمد أن يريَنا قبل الشراء رأي العين، الأحجامَ المختلفة من بودرة جونسون للأطفال، والذي قال بعد أن بحث في الطاولة الزجاجية مكان عرضه للبودرة: للأسف ما عاد فيش غير الحجم الكبير، وآخر حبة وهي في يده تشتيها بـ1500 ريال.

أخذتها متفحصاً من يده وموجهاً السؤال للصيدلي محمد، حول أصل الشركة المصنعة الذي أكّـد قائلاً: هي شركة إندونيسية معروفة مختصة في بودرات الأطفال والشامبوهات ومعطر جو ومرطب وكريمات، مضيفاً: كُـلُّ ما يحتاجه الطفل تنتجه شركة جونسون، ما عاد باقي لهم إلّا الحفاضات حق الأطفال وخلاص.

ومثل أي زبون ومستهلك نحن نمثله، حاولنا المفاصلةَ في السعر الذي يطلبه الدكتور محمد بعرض 1000 ريال قيمة العلبة الأخيرة التي يملكها من بودرة جونسون للأطفال، ليرفض قائلاً: أمانة إني بين أبيعها بـ 1500 ريال نهاية، قد هي آخر حبة معي، ولا أصلاً أبيعها 2000 ريال بالراحة خَاصَّة من النسوان ما يفاصلين في السعر ولا شيء”، لكنه تزحزح قليلاً عند ملاحظتنا أن بودرة جونسون للأطفال التي معه مقربة، ولم يتبقَ لتاريخ انتهائها إلّا أيام، وتحديداً شهر ابريل 2020م، حيثُ قال 1200 ريال نهاية”.

تركنا صيدلية الدكتور محمد وحي شعوب بأكمله، ونحنُ لم نتفق على السعر، متوجّـهين إلى صيدليات أُخرى وتحديداً شارع مستشفى الثورة بباب اليمن المشهور بكثرة الصيدليات، وهناك في إحدى الصيدليات التقينا بالصيدلي حسام، الذي أخرج لنا كُـلَّ أنواع وأحجام بودرة جونسون للأطفال وبتواريخ إنتاج قريب وتاريخ انتهاء فارق يزيد عن السنتين، حيثُ أن إحداها كان تاريخ إنتاجها 3/5/2019م.

وعند سؤاله عن بودرة جونسون ووكلائها، قال الصيدلي حسام: “الوكلاء كثيرون ونشتري من سوق الأدوية في التحرير أغلب تجار المستلزمات الطبية تلقاها عندهم”.

وأشَارَ إلى أن “شركة جونسون آند جونسون هي شركة ماليزية شهيرة تهتم بمستلزمات الأطفال من شامبوهات ومعطرات وكريمات ومرطبات رغم ارتفاع سعرها، إلّا أن الإقبالَ عليها شديد، مش بس البودرة، هناك أَيْـضاً الشامبوهات والكريمات والمرطبات وشامبو الجسم كلها للأطفال”.

 

صحيفة المسيرة في صيدلية الدكتور أمين:

غادرنا صيدلية الدكتور حسام، بعد أن اشترينا بودرة جونسون للأطفال الحجم المتوسط لنتوجّـه إلى صيدلية أُخرى، ونحن نتساءلُ إن كانت بودرة جونسون متسرطنة وَأَيْـضاً مقاربة للانتهاء، وهناك منها ما تم إنتاجه قريباً!!، كيف دخل هذا المنتج إلى السوق اليمنية؟ وكيف يتم بيعُه بهذه السهولة؟ وماهية جنسية الشركة المصنعة فعلاً؟

هذه المرة كشفنا هُـوِيَّتنا الصحفية في صيدلية الدكتور أمين جوار مستشفى الثورة، والذي تحدّث إلينا بعد سؤالنا عن وجود بودرة جونسون وأصل الشركة المصنعة قائلاً: ما بش معي إلّا الحجم الوسط آخر حبة، وشركة جونسون آند جونسون هي شركة بريطانية أمريكية عالمية لها فروع في جميع أنحاء العالم حتى أوروبا نفسها تنتشر فيها، ولها فرع في جنوب أفريقيا، مضيفاً: هذه شركة انتشرت بشكلٍ واسع ولم يعد نشاطُها ضمن مستلزمات الأطفال فقط كالبودرات والشامبوهات والمرطبات، فهناك أَيْـضاً كريمات خَاصَّة بالكبار مثل جونسون آند جونسون، ومعطرات الجو ومواد تجميل تابعة لنفس الشركة.

وعن وكيل شركة جونسون، في اليمن يقول الدكتور أمين: ويوجد أكثر من مورد وتاجر خاص بالمستلزمات الطبية في سوق الجملة، وبالنسبة لبودرة جونسون ما نبيعهاش إحنا بس في الصيدليات، حيث ممكن أن تجدها في المولات وَأي سوبر ماركت، ومراكز ومحلات التجميل الخَاصَّة بالنساء.

وعن المواد المسرطنة في بودرة جونسون وكيف يسمح ببيعها، وتأكيدنا على وجود دعاوى قضائية وقضايا حكم فيها بعد أن رفعها مستهلكون للمنتج، تم على إثرها تغريمُ شركة جونسون آند جونسون ملايين الدولارات بل مليارات كتعويضات بعد إثبات عدة تقارير أن منتجَ بودرة جونسون للأطفال التي تنتجُه الشركةُ يحتوي على مواد مسرطنة، ويسبب سرطان المبايض وسرطان الرئة وغيرها من الأمراض السرطانية، كما أنه تم سحبُ هذا المنتج من جميع الأسواق العالمية.

قال الدكتور أمين: “كلُّها أخبار حيث أنه لم يتم سحبُها من السوق عندنا إلى اليوم، أَو نشر تعميم في مجموعة الوتس أب يمنع بيعها وتداولها مثل ما حصل مع علاج الزنتاك الخاص بالمعدة، قالوا لنا فيه مواد مخلة، وتم سحبُه من السوق، جاء لنا تعميم على مجموعة الوتس أب الخَاصَّة بالصيدلانيين ووزارة الصحة التي يشرف عليها دكاترة من وزارة الصحة بتعميم يمنع بيعَ علاج الزنتاك حق المعدة، وتم سحبُه كاملاً، أما بودرة جونسون ما بش أي خبر ولا تعميم من أية جهة مسئولة”.

 

حقيقة شركة جونسون آند جونسون:

في نهايةِ جولتنا الميدانية في اليوم الأول الخَاصَّة بالصيدليات في شوارع وأحياء مختلفة، والتي وصلنا معها إلى نتيجةٍ مهمةٍ إلى جانب انتشار البودرة الخَاصَّة بالأطفال في السوق اليمنية، والتي تنتجها شركة جونسون، والتي تعدّد واختلف الكثيرُ في تسمية أصل هده الشركة، فساعة نجدها إندونيسية وساعة ماليزية وأُخرى بريطانية وأمريكية، هذه الجنسيات المتعددة تثير شكوك أي أحد، بالإضافة إلى الهالة التي تصنعها الشركة لها، كاسم كبير متعدد الجنسيات، قد تخفي خلفها الكثير من التفاصيل الصغيرة التي يكمن الشيطان الأكبر فيها دائماً.

وخَاصَّة إذَا ما عرفنا تاريخ هذه الشركة المجهولة الهُـوِيَّة عن قصد، والمشاكل التي تواجهها وتاريخها الأسود وسمعتها مع القضايا والتهم، كمثال ففي يونيو من العام 2018م، تم تغريمُ شركة جونسون آند جونسون بدفع تعويضات قدرها 4,69 مليارَ دولار إلى 22 سيدة، أُصبن بسرطان المبيض بعد استخدام منتجات للشركة أَسَاسها مادة “التلك”، ومن بينها تحديداً منتج بودرة الأطفال جونسون التي سارعت الشركةُ إلى سحبِها من الأسواق بعد خروج بعض التقارير التي قالت إن شركة جونسون متعددة الجنسيات تضع مادة الأسبستوس أَو الحرير الصخري المسرطنة في بودرة الأطفال الخَاصَّة بها.

 

في وزارة الصحة العامة والإسكان:

في اليوم التالي، توجّـهنا إلى وزارة الصحة العامة والإسكان، والتي التقينا فيها برئيسة قسم السياسة الدوائية الدكتورة منى الكينعي والتي تحدّثت قائلةً: “مسألة بودرة جونسون للأطفال وأن فيها مواد مسرطنة، هي مسئولية الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، حيثُ أن الهيئة نفسها هي من تعمل الفحوصات في مختبراتها حتى قبل دخول الباتش كامل لأَيِّ منتج”.

مضيفةً: “حتى وإن كان في البودرة الخَاصَّة بالأطفال، وهو خبر أول مرة أسمعه منك، بس ما نقدرش نسحب حاجة من السوق إلّا إذَا جاء تعميمٌ من الهيئة، هي التي تعمم بهذا الشيء”.

وأوضحت متحدثةً: “كُـلُّ العملية تبدأ من الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، بحيث يأتي الصنف مسكوه عند المنسق يشوفوه يوصل يعملوا عليه فحوصات تثبت من خلال هذه الفحوصات أن هذا المنتجَ يحتوي على كُـلِّ الشروط التصنيعية أم لا، سواءٌ أكان سائلاً أَو شراب كبسولات أقراص لازم له شروط معينة تكون متواجدة فيه، مثلاً بعض الأحيان، أنت لما تمسك علاج تلاقيه كذا في له مثل النقاط هذا معناه أنه مش تمام”.

وقالت الدكتورة منى: مسؤوليتنا تبدأ في وجود منتج معين في الصيدليات وعن طريق الرقابة الدوائية بعد إخضاعه للفحص في المختبرات وبعد تنسيق مع الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، يتمُّ إصدارُ تعميم ننزل كُـلّ الصيدليات إذَا شفنا أصنافاً نسحبها ونتلفها، مثل ما حصل في البيضاء، تم إتلافُ كمية كبيرة من الزنتاك، وكمان في الأمانة تم سحبُ كُـلّ الزنتاك من العاصمة؛ لأَنَّه يوجد تعميم واضح وصريح بذلك”.

وأتبعت حديثها قائلةً: “في صنف ومنتج بودرة جونسون للأطفال، هل الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة أثبتت أَو أرسلت رسالة وقالت هذا مسرطن إلى الآن؟!، ما فيش أي تعميم؛ ولذلك نحن ما نقدرش نعمل أي شيء”.

مختتمةً حديثها بقولها: التنسيق بيننا وبين الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة شيء مهم وجوهري، فمن المنطق أن يتمَّ العملُ وفق تكامل ومتابعة متواصلة، يعني في الأخير نحن مكملون لبعض.

 

رغم انشغالهم في اتصال هاتفي سريع:

في اليوم التالي، قمنا بزيارة الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجود، غاية في عرض هذه على المسؤولين في الهيئة والاستفسار، حول لماذا لم يتم سحبُ بودرة جونسون للأطفال من الأسواق، ولكننا لم نستطع مقابلةَ أحد هناك لانشغالهم الشديد، وبعد محاولات ولأيام لاحقة ورغم انشغالها الكبير، أخيراً وفي اتصال هاتفي سريع مع الدكتورة رباب أبو أصبع -نائب الشؤون الفنية بالهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة- قالت: الموضوع قديم ومش جديد، وعملنا تعميماً بهذا الشأن للمراكز الرقابية، كلها على أَسَاس يتم التشديدُ على هذا المنتج، ويتمُّ سحبُ عينات منه للفحص وتحديداً قبل أربعة أشهر، ومن خلالِ متابعة للموضع، اكتشفوا في أمريكا دفعة وشحنة بودرة جونسون للأطفال، تم بيعُها إلكترونياً في أمريكا، يعني ما تمش بيعها أَو شحنات بيعت للدول في العالم، وتم استدعاؤها في أمريكا، وتم إتلافُها هذا ما حدث، ولم تصل إلينا من ساعاته وحينه.

وأضافت: من جهتنا شدّدنا على المراكز الرقابية في هذا الخصوص، وقمنا بكلِّ ما نستطيع عمله، تأكّـدنا من خلال خلو الشحنات الموجودة في الأسواق اليمنية لبودرة جونسون من الشحنة المسرطنة التي تم إتلافُها في أمريكا، فإلى جانبِ الفحص والعينات التي أخذناها من السوق وأخضعناها للفحص، وكذلك التعميم في تاريخه الذي يضم كود الشحنة المسرطنة، حيث أن لكل دفع إنتاجاً لأَيِّ منتج كود لا يمكن تغييره يميزه عن غيره، فائدة هذا الكود هو تمييزُ دفعة الإنتاج في حالة حصول شيء معي يسهل تمييز هذه الدفعة من المنتج، وأي أحد عنده معلومات غير هذا يتفضل يبلغ؛ لأَنَّنا بصراحة ما نضمن، يوجد أساليب كثيرة للتهريب، ولكن من جهتنا تعاملنا مع الموضوع في ساعته وحينه.

في ختام الاتصال طلبت نائبُ الشؤون الفنية بالهيئة اليمنية للمواصفات وضبط الجودة قائلة: هذا توضيح سريع لما حدث، ولو أعطيتمونا وقتاً أكبرَ كان ممكناً أن نتحدّثَ بشكل أكثر تفصيلاً، وَأَيْـضاً يتم تزويدُكم بصورة من التعميم بتاريخه وحينه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com