أسرةُ شهيد مجزرة الخيول.. تفاصيلُ محزنة عن ألم الفراق!
المسيرة- عباس القاعدي
مضى ما يقارِبُ أسبوعاً على جريمةِ قصف طيران العدوان الأمريكي السعودي على مبنى للكلية الحربية بالعاصمة صنعاء، والتي أدَّت إلى استشهادِ مهدي الريمي -أحد مدربي الخيول- ونفوق 70 خيلاً عربياً أصيلاً.
وخلال الأيّام الماضية لم تستطع أسرةُ الشهيد الريمي كفكفة دموعها، أَو كتم أحزانها، فأوجاعها ليس لها حدودٌ، كما تقول هي لصحيفة “المسيرة” التي تواصلت معها لمعرفة تفاصيل أكثر عن الجريمة وآثارها.
الدموعُ لا تتوقف
وتتحدث أُمُّ نصر الله -زوجة الشهيد- وهي تتحدث لصحيفة المسيرة بأسىً والدموعُ لا تتوقف من عينيها عن زوجها الشهيد وتشير إلى أنه كان يغيبُ عنهم لمدة عام كامل، وأحياناً لمدة عام ونصف عام، وكان يؤدي عملَه الوطني الذي كان يحبه ويعشقه مع تلك الخيول، ومع نهاية كُـلّ شهر يرسل لهم بمبلغ بسيط من المال لا يفي بمتطلبات البيت والأطفال.
وتضيفُ قائلة: “كان الشهيد يزورونا في عيد الفطر المبارك أَو عيد الأضحى، ويظل بيننا لشهر، وكان معظمُ حديثه عن الخيول، تاركاً الفرصةَ لأطفاله لمشاهدة كُـلّ ما قاله في تلفونه المتواضع المليء بالصور والفيديوهات أثناء عمله وتدريبة للخيول الاصيلة”.
وتواصل زوجة الشهيد الريمي حديثها وهي لا تتوقف عن البكاء وتقول: “هذا ما اعتدنا عليه أنا وأطفالي الذين كانوا فرحين مستبشرين، يضحكون ويعدون الأيّام المتبقية لعيد الفطر المبارك، لرؤية أبيهم الذي اعتاد على شراء كسوة العيد لهم ومشاركتهم الفرحة”.
وتظل اللحظات التي وصل إلى أم نصر الله نبأ استشهاد زوجها من أصعب المواقف في حياتها، وتقول عنها: “كانت فاجعة كبيرة، فالعدوان قلب الأمور رأساً على عقب، وحول أجواء المنزل الصغير المليء بالفرح والسعادة إلى حزن وتعاسة، وأصبح أطفالي يبكون معي بأعلى صوت، غير مصدقين أن العدوان قد قتل أباهم المعيل لهم والذين كانوا ينتظرون قدومَه بعد شهر رمضان المبارك”.
لم تعد أم نصر الله تقوَى على الحياة، وأطفالها لا يزالون صغاراً، فقد كانت تعاني مع أطفالها 7 من غُربة زوجها، أما الآن فقد فارقته إلى الأبد.
تستأجر زوجة الشهيد منزلاً قديماً في محافظة ريمة، ويعصف بالأسرة الفقرُ من كُـلّ جانب، لكن هذه الآلام والمنغصات سرعان ما كانت تزولُ حين يعود الشهيدُ مهدي الريمي إلى قريته حاملاً معه بعضَ الملابس الجديدة والموادَّ الغذائية لأسرته.. هكذا تتحدث زوجة الشهيد عن بعض تفاصيل حياة الشهيد الريمي.
وتؤكّـد أم نصر الله أن الشهيد الريمي كان حلمه أن يبني له بيتاً في المستقبل، ثم تتوقف قليلاً لتكفكف دموعها وتقول: “العدوان قتل زوجي، وهدم بيتي الذي كنا نحلم به”.
وتواصل: “العدوان تركنا بلا مأوىً أَو سكن، ولم يعد لنا أحدٌ يعيلنا، لقد جعلني العدوان في حالةٍ لا يعملها إلا الله، ولا أستطيع أن أدفعَ الإيجار، أَو أبني لنا بيتاً”.
ولأول مرة يحس أطفال الشهيد الريمي بألم الفراق، هكذا تتحدث أم نصر الله بألم.
وتستمر في حديثها قائلة: “كان أطفالي خلال الأيّام التي مضت وقبل استشهاد أبيهم يحدثونني ويقولون: أمي نحن مشتاقون لرؤية بابا، مما يجعلني اتصل به ونتحدث إليه، ولكن هذه المرة كان لديَّ شعور غريب ينتابني، حيث كنت أبكي ولم أعرف أن العدوانَ السعودي الأمريكي سيأخذُه منا ويجعلُه يتركني وحيدةً مع 7 أطفال 4 أولاد بينهم الطفل أمين الذي لا يتجاوز عمرة 21 يوماً والذي لم يرَه الشهيدُ و3 بنات.
العدوان قتلنا جميعاً
أما نصر الله -أكبر أبناء الشهيد مهدي- فعمره لا يتجاوز 12 عاماً، فكان يتحدث عنا ودموعُه تهطلُ من خديه باستمرار، والألم والحزن يكادُ يعتصرُ قلبَه.
ويقول نصر الله “للمسيرة”: “العدوان قتلنا جميعاً وليس أبي فقط”.
ويضيف: “كان أبي الشهيد يعمل ويرسل لنا مصاريف، والآن العدوان قتل أحلامَنا ودمّــر آمالنا، وجعلنا يتامى”، “وأنا لا أستطيع العمل؛ لأَنَّني لا زلت صغيراً”.
ويناشد نصر الله حكومةَ الإنقاذ والمجلسَ السياسي الأعلى والجهاتِ المختصة بأن ينظروا إليهم، وأن لا يتركوهم أبداً.
من جانبه، يقول غيلان المصبحي وهو أحدُ جيران الشهيد الريمي: إن زوجةَ الشهيد وأطفالَه باتوا بدون منزل، ولا يجدون ما يأكلون..، مُشيراً إلى أن الشهيدَ الريمي ترك أسرتَه وهو فقيرٌ ليس لديه أموال.
ويؤكّـد المصبحي أن الشهيدَ الفارس مهدي الريمي يعتبر من أفضل الجيران وهو رجلٌ اجتماعي يحبه الجميع.
ويتذكر المصبحي الفارس الشهيدَ أثناء زيارته لريمة، موضحاً أنه كان يجلسُ شهراً في منزله عند زوجته وأطفاله فقط، ويزور كُـلَّ الأهل والجيران والأصحاب والأحباب، ثم يعود إلى الكلية الحربية في صنعاء عند الخيول ويجلسُ عاماً ونصف عام وَهو على هذا الحال دائماً، وعند غيابه نفتقده وتشتاق له الحجر التي يجلسُ عليها والشجرة التي لامسها والأصدقاء الذين جالسهم وتحدث إليهم.
يضيف المصبحي أن العدوانَ جعل 7 أطفالٍ يتامى مع زوجة مسكينة لا تمتلكُ غيرَ الدموع المنهمرة من عينيها، وهي تحملُ بين يديها طفلَها الرضيعَ وتنظر إلى صغارها الأطفال بألم يعتصرُ فؤادَها، وخَاصَّة حين لا يتوقفون عن البكاء.
ويناشد المصبحي الجهاتِ المختصةَ بتقديم المساعدة لزوجة الشهيد وأطفاله الذين لا يمتلكون قوتَ يومهم وأن تنظُرَ إليهم بعين الرحمة والواجب.