عبدالسلام : الرياض تحاولُ القفزَ على شروط السلام بـ “هدنة” زائفة

مراوغة سعودية جديدة للهروب من الواقع.. وصنعاء تحدّد الخطوط العريضة للحل

 

المسيرة | ضرار الطيب

حاول تحالف العدوان، مجدّداً، إيجاد مهرب من تداعيات استمرار حربه على اليمن، ولكن بدون أي اقتراب من السلام الحقيقي، وإنما فقط للابتعاد من تحمل “كلفة” الاستمرار التي باتت أثقل بكثير مما كانت عليه بعد التحولات الميدانية الكبرى التي شهدتها جبهات المواجهة، بالتوازي مع تصاعد حجم ونوعية الضربات اليمنية العابرة للحدود، المحاولة الجديدة جاءت عبر إعلان هدنة لمدة أسبوعين (قابلة للتمديد)؛ بغيةَ الالتفاف على الشرط الذي حدّده قائد الثورة والذي يقضي بإعلان رسمي عن وقف العدوان والحصار، وقد فشلت هذه المحاولة كسابقاتها في استمالة “صنعاء” التي سرعان ما أكّـدت عدم جدوى إعلان “التحالف” وكشفت عدم جديته، ولقطع طريق المراوغة، أعلنت صنعاء أَيْـضاً عن رؤيتها الرسمية للحل الشامل، لتطرح بذلك شروطها الأَسَاسية أمام الجميع، وتوضح الخطوط العريضة للسلام الجاد الذي لا يقبل أي استمرار للتدخل الخارجي في اليمن بأي شكل من الأشكال، الأمر الذي أعاد العدوّ إلى المأزق الذي حاول الهروب منه: فإما قبول الرؤية والخروج من اليمن نهائياً، أَو رفضها وهو ما يعني الاستعداد لـ”مفاجآت لم تكن بالحسبان”.

 

مراوغة سعودية جديدة

تمحورت “هدنة” تحالف العدوان حول “وقف إطلاق النار في اليمن لمدة أسبوعين مع القابلية للتمديد”، وقال المسؤولون السعوديون إن ذلك يأتي كـ”استجابة لدعوات أمين عام الأمم المتحدة؛ مِن أجلِ مواجهة وباء كورونا”.

لم يتضمن كلام ناطق العدوان والمسؤولين السعوديين أي إعلان صريح عن وقف نهائي للحرب، وعلى العكس، فقد تناولوا جميعاً هذه “الهدنة” كـ”دعاية” سياسية للمملكة في ظل الظروف التي يعيشها العالم اليوم، ومع ذلك فقد أصرت جميعُ تصريحاتهم، وبشكل مثير للسخرية على مطالبة صنعاء “إثبات جديتها في السلام” من خلال الاستجابة لهذه “المبادرة”.

لقد أعطى السعوديون لـ”هدنتهم” أكثر من قيمتها الفعلية، فبالرغم من أنها لم ترق إلى مستوى الإعلان الرسمي عن وقف العدوان والحصار بشكل كامل، وهو الإعلان الذي طالب به قائد الثورة في خطابه الأخير، إلا أن الرياض حاولت أن تتصرف وكأنها بالفعل قد أعلنت ذلك، ولم يتبق إلا أن “تستجيب” صنعاء، وهي محاولة بائسة للقفز على الواقع، والالتفاف على الشروط المطلوبة للسلام الجاد.

 

صنعاء تتمسك بشروطها

بالرغم من كثافته، لم يفلح الترويج الإعلامي والسياسي لـ”هدنة” السعودية في أن يجعلها أكثر قيمة من التصريحات والمراوغات السابقة التي كانت الرياض قد حاولت أن تخادع بها صنعاء، ففي الوقت ذاته أعلنت الأخيرة عن تقديم رؤيتها الوطنية للحل الشامل، وتسليمها للمبعوث الأممي، وتضمنت الرؤية جملة من النقاط، أبرزها الوقف الشامل للحرب رفع الحصار وإنهاء التواجد الأجنبي على جميع أراضي الجمهورية اليمنية، الأمر الذي جعل إعلان تحالف العدوان بلا قيمة؛ لأنه يخرج عن إطار رؤية صنعاء للحل أصلاً.

أعادت الرؤية الوطنية للحل طرح الشروط التي حاول تحالف العدوان القفز عليها، وبذلك لم تعد “الهدنة” السعودية سوى إقرار فاضح بأن الضربات اليمنية التي استهدفت عمق المملكة، والتحولات الميدانية الكبرى التي صنعها الجيش واللجان الشعبيّة في جبهات القتال، قد أجبرت الرياض على أن تختبئ تحت غطاء “السلام” وتبحث عن خدعة تجنبها المزيد من الخسائر، وهذا ما أكّـد عليه العديد من المحللين والمراقبين الذين ربطوا الإعلان السعودي عن وقف إطلاق النار، بالتقدم المتواصل الذي تحقّقه قوات الجيش واللجان في الجبهة الشرقية وبالذات في محافظة مأرب التي تحاول السعودية منذ فترة أن تحول دون استكمال تحريرها.

وأوضح محللون أن السعودية أرادت أَيْـضاً من خلال إعلانها عن وقف إطلاق النار، أن تكسب وقتاً تستفيد منه في مواجهة مشاكلها الداخلية المتفاقمة في ظل استمرار هبوط أسعار النفط، وتفشي وباء كورونا داخل المملكة، إلى جانب الصراع السياسي داخل الأسرة الحاكمة.

في الوقت ذاته، تضمنت ردود الفعل الرسمية من قبل صنعاء الكثير من النقاط المؤكّـدة على أن الهدنة السعودية ليست أكثر من خدعة، حيث أكّـد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، أن قوات العدوّ صعدت عملياتها –بعد إعلان الهدنة- في مختلف الجبهات وفي الذات جبهات الحدود، الأمر الذي يكشف أولاً أنها هُدنة زائفة وليست حقيقية، قبل أن تكون بعيدة عن السلام الحقيقي والشامل.

وفي السياق ذاته، أكّـد رئيسُ الوفد الوطني، وناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، بأن “الإعلان الصادر عن تحالف العدوان ليس إلا مناورة سياسية وإعلامية”، وأن “الهدف من الهدنة تلميع موقف السعودية الملطخ بالدم”، إلى جانب “التخريب على الرؤية الوطنية للحل الشامل”، حيث أكّـد عبد السلام أن الرياض بادرت لخلط الأوراق عندما شعرت أن هناك ضغطاً وتحَرُّكاً دولياً.

هذا أَيْـضاً ما أكّـد عليه عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، الذي صرح بأن هذه المناورة من قبل تحالف العدوان هدفها التخفيف من حالة السخط التي تواجهها، مُشيراً إلى أن التصعيد العسكري المستمر من قبل العدوّ دليل واضح على عدم الجدية في السلام؛ لأن “من يريد السلام لا يضع العراقيل”.

إلى ذلك، أوضح نائب رئيس مجلس الشورى محمد البخيتي، أن “السعودية أعلنت أكثر من مرة وقف العمليات العسكرية لكنها لم توقف اعتداءاتها على أرض الواقع”، وأنه طالما لم تعلن السعودية عن رفع الحصار ووقف العدوان بشكل كامل فإن “الحرب مستمرة”.

هكذا فشلت خديعة السعودية الجديدة بسرعة، وبدل أن تحصل الرياض على المزيد من الوقت لترتيب صفوفها، حصلت على إنذارات جديدة وشروط تضاعف مأزقها وتجردها من كُـلّ محاولات المراوغة، فإعلان رؤية صنعاء للحل أغلق الباب تماماً أمام الحلول الجزئية أَو المؤقتة، وأرسل رسالة واضحة بأن الزمن الذي تفرض فيه السعودية الشروط والقوانين قد ولّى بلا رجعة، وإن النزول عن الشجرة هو الخطوة الوحيدة أمامها للنجاة، يليها الخروج من البستان نهائياً.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com