الجهاد وكرامة الأوطان
غالب المقدم
لا يحضرني بهذا الظرف العصيب الذي يحتم علينا أن نفهمَه جيِّدًا، سوى مقولة شهيرة للزعيم الصيني ماو تسي تونج: “احملوا السلاح دفاعاً عن حدودكم، وتأملوا في نفس الوقت أحوال العالم وراء هذه الحدود… وافهموا”.
تحثُّنا هذه المقولة على أن ندرك أهميّة الدفاع الوطني، كما هو واجب ديني مقدس أَيْـضاً، وتضعنا أمام مشهد من مشاهد التاريخ للتحرّر الإنساني، وأمام تجربة إنسانية فريدة استطاع أصحابها كسر حواجز الهيمنة عنهم، ورفض استغلالهم من قبل أعدائهم الذين لا يريدون تقدمهم الحضاري، والثقافي، والصناعي، وأن يكون لهم دور على ظهر هذا الكوكب لخدمة البشرية.
ويحتم علينا هذا الظرف المشابه لظروف الأمم السابقة، كالصين وفرنسا وغيرهما من الشعوب، التي أرادت أن تستعيد كرامتها من أيادي العابثين بها والفاسدين الذين لا يعرفون معنى الأوطان، وكيف ناضلت؛ مِن أجلِ أن تتحرّر وتنال استقلالها التام الذي أوصلها إلى ما هي عليه الآن من القوة والمكانة، أن نفهم ما قاله الزعيم الصيني، ونستفيد من تجربتهم الإنسانية التي بدأت بحمل السلاح وبدء الكفاح المسلح؛ لأجل الدفاع عن أهدافهم الوطنية الكبرى التي تنادي بالصين العظيمة، ومشروع وطنهم الكبير.
نحن أَيْـضاً إذَا أردنا أن نبني هذا الوطن العملاق، ونسمو به إلى معالي المجد والتاريخ، كما كان سابقًا، علينا أن نحمل السلاح ونكافح ضد هذا العدوان الذي لا يعرف النوم وهو يحيك الدسائس ويدبر المؤامرات ضدنا منذُ فجر ثورة سبتمبر وأكتوبر وما بعدهما من أحداث، وإلى يومنا هذا، وهو ما زال يحاول دون كلل أَو ملل منه السيطرة على طموح هذا الشعب العظيم، وكبح جماح دوره الريادي والفاعل والإيجابي في صناعة الحضارة من قديم الأزل.
من أجل أن نحرّر وطننا أرضاً وإنساناً، يجب علينا أن لا نخشى الخطر مهما أحدق بنا، وأن نواصل المسير حتى وإن بدا هذا العبور وسط هذه الفجاج السود، فلا نخاف؛ لأن وطننا وأمتنا يستحقان هذا منا.
وإن إِيْمَاننا بنصر الله كبير، وقضيتنا عادلة، وتستحق منا هذا العبور مهما كان الثمن؛ لأن الأوطانَ لا تُبنى إلّا بالتضحيات الجسام، ولا تتباهى إلّا بما صنعته من منجزات، وحينما ترى مشروع استقلالها تم كما أرادت، وسطرت شواهد عظيمة تخلد ذكرى نضالها في تاريخ الأمم التي أحدثت نهضةً، وقدمت رسالة الاستخلاف كما ينبغي لها أن تكون، ورأت دورها الحيوي والحضاري والثقافي عاد إلى مسارهِ الطبيعي بخدمة الإنسانية النافعة، لا الضرر بها، ولا تستمد قوتها إلّا من التضحيات العظام لشهدائها الذين بذلوا أنفسَهم في سبيل عزة الوطن، وسمّوا المجد وخطوه بدمائهم الزكية على صفحات التاريخ، وعرّفوا الأجيال ماذا يعني أن يتحرّر الإنسان، وإلا لما كان لهذه الفريضة الغائبة (الجهاد) في ديننا الإسلامي الذي يحثنا عليها دائماً، هذه المنزلة الرفيعة عند الله، وجائزتها الجنة بما فيها.