خطابُ قائد الثورة في الذكرى السنوية لـ “الصرخة”: طبيعةُ المعركة مع الاستكبار الأمريكي
أكّـد على صوابية الموقف المناهض للهيمنة الأمريكية وفاعليته وسلّط الضوءَ على انكشاف دور الأدوات العميلة لأعداء الأُمَّــة
المسيرة | خاص
يحرِصُ قائدُ الثورة، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطابات الذكرى السنوية للصرخة، على توضيحِ طبيعةِ الصراع العربي الإسلامي مع أمريكا وإسرائيل ودول الاستكبار العالمي، ليس من منظور سياسي فحسب، فهذا الصراعُ لا ينطلقُ من “اختلاف وجهات نظر وآراء”، بل هو صراع “هُويات” وعداءٌ شاملٌ، نجدُ بالعودة الحقيقية إلى نصوص القرآن الكريم، أن الأُمَّــةَ الإسلاميةَ ملزمةٌ بخوضه على كُـلِّ المستويات، وقد تميّز شعارُ “الصرخة” الذي أطلقه الشهيدُ القائدُ في إطار محاضراته ودروسه، بأنه انطلق من هذه الأُسُسِ الثابتةِ والسليمةِ بثبات وسلامة التعاليم القرآنية؛ ليزيلَ بذلك جميعَ “الشبهات” التضليلية التي حاول الأعداءُ افتعالَها ومراكمتها لإفراغ هذه التعاليم من مضمونها الحقيقي، وفصلها عما تفرضُه على الجميع من مسؤوليات عملية؛ ولهذا فقد لجأت دولُ الاستكبار إلى محاربة هذا الشعار منذ انطلاقته، ولم يكن هذا فقط الشاهدَ الوحيدَ على صوابيته، بل نجد أَيْـضاً أن هذا الشعار قد بات عنوانَ مسيرة استطاعت أن تتغلَّبَ على تحدياتٍ استثنائيةٍ، وحقّقت انتصاراتٍ لم تكن بالحُسبان؛ لتقدم بذلك نموذجاً مثيراً للإعجاب والدهشة عن التأثير الذي يمكن أن تحقّقه الأُمَّــةُ إذَا انطلقت في هذا الصراع الشامل من منطلق تحمل المسؤولية.
في الخطاب الذي ألقاه، أمس الأول، بمناسبة ذكرى “الصرخة” تطرق قائد الثورة إلى العديد من الجوانب الهامة في تقديمه لطبيعة هذا الصراع مع الاستكبار العالمي، وِفْـقاً للمنظور القرآني الذي انطلق منه شعار “الصرخة” وبالنظر إلى مجريات الواقع الذي انطلق فيه هذا الشعار.
ومن تلك الجوانب، أهميّةُ شعار “الصرخة” بالنسبة لكونه مثّل “تحَرّكاً باتّجاه اتِّخاذ الموقف، في مرحلة اللاموقف”، في إشارة إلى الحالة السيئة التي كان عليها الواقعُ العام لمعظم المنطقة العربية والإسلامية آنذاك، إذ كانت الولايات المتحدة قد استطاعت فرض حالة استسلام عامة في المنطقة ومضت بالفعل في تنفيذ مخطّطاتها التدميرية، مستفيدةً من تلك الحالة.
ويتطرق قائد الثورة إلى العوامل التي ساعدت الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا على التمكّن من استهداف الأُمَّــة منذ ذلك الوقت وحتى الآن، مُشيراً إلى واحد من أهم تلك العوامل وهو “الأدوات الداخلية” التي شملت “أحزاباً وتيارات وشخصيات” مهمتُها افتعالُ دعاياتٍ وعناوينَ تشُدُّ الجمهورَ وتدجنه لقبول الخضوع لأمريكا وشرعنة هيمنتها وتجميل عملية استهدافها للبلدان والشعوب العربية والإسلامية.
ومن هنا، انتقل قائدُ الثورة لتوضيح طبيعة الاستهداف الأمريكي للأُمَّـة، كما هو عليه، وليس كما تحاول “أدوات الداخل” تقديمه، مُشيراً إلى عدة سمات رئيسية لهذا الاستهداف، أبرزها أنه “شامل لكل المجالات”، وأن مواجهته لا يجب أن تقتصر على فئات أَو “نخب” أَو “أحزاب”، بل يجب أن تكونَ المواجهة شاملةً بحجم شمول الاستهداف، كما أشار إلى أن “التدخل الأمريكي في بلدان عالمنا العربي والإسلامي كان دائماً تدخلاً سلبياً ومُثيراً ومستغلاً للمشاكل”، في تنبيه مهمٍّ يزيلُ الشبهاتِ التي يحاول العملاء أن يبرّروا بها هذا التدخل.
وبالحديث عن أدوات الاستكبار الأمريكي في داخل الأُمَّــة، يوضح قائد الثورة انكشافَ دور هذه الأدوات بشكل واضح وبما لا يدع مجالاً لإثارة الشكوك، ومن مظاهر هذا الانكشاف ما وصل إليه النظامان السعودي والإماراتي بالذات؛ باعتبَارهما أبرزَ الأدوات، في مجال التطبيع مع العدوّ الصهيوني، حيث باتا يكرسان تصنيفَ المقاومة الفلسطينية كحركات “إرهابية” في تماهٍ كامل مع التوجّـهات الأمريكية والإسرائيلية، بل وصل الأمر بالنظام السعودي إلى اعتقال الفلسطينيين المقيمين في المملكة؛ بسَببِ رفضهم للاحتلال، ويضيف قائد الثورة بالقول: إن “الأيّام القادمة قد تشهد انكشافاً أوضحَ وتحَرّكاً عسكريًّا مشتركاً وظاهراً” بين الأنظمة الخليجية والعدوّ الصهيوني.
بالمقابل، يوضح قائدُ الثورة طبيعةَ المسار المقابل لمسار هذه الأدوات، وهو مسارُ الاستقلال والتحرّر، مؤكّـداً أن “الموقفَ المستقل عن الهيمنة الأمريكية أظهر فاعليتَه في أوساط الأُمَّــة”، ومن شواهد هذه الفاعلية ما حقّقته “المسيرة القرآنية” التي انطلقت في صراعها مع العدوّ الأمريكي من منطلق تحمل المسؤولية الدينية والوطنية والإنسانية، حيث “انكمش النفوذ الأمريكي بشكل واضح في البلد عندما وصلت هذه المسيرة إلى صنعاء والمحافظات الأُخرى، وهرب السفير الأمريكي والمارينز من العاصمة، حيث لم يعد لهم أي تأثير بعد أن كانوا هم الحاكم الفعلي”.
وفي توضيحٍ آخرَ لطبيعة الاستهداف الأمريكي للأُمَّـة عبر أدواته من الداخل، يوضح قائد الثورة أن رد فعل الولايات المتحدة على انكماش نفوذها بعد هروب سفيرها من صنعاء، كان العودة عبر تلك الأدوات واستخدامهم كبيادق لتنفيذ ما لم تعد تستطيع أن تنفذه هي بشكل مباشر، وعلى رأس ذلك تفكيك مقومات القوة التي تمتلكها البلد، كتدمير منظومات الصواريخ والقوة البحرية والجوية وتفكيك الجيش والأمن، ونشر التكفيريين، وُصُـولاً إلى إدارة العدوان على اليمن، وبالتالي فإن المواجهة اليوم هي مع أمريكا بالدرجة الأولى، وترجم قائد الثورة ذلك برسالة واضحة وقوية: “كنا نتمنى من النظام السعودي والإماراتي والخونة أن يتركوا أمريكا لتنزل إلى ميدان المواجهة”.
ويوسع قائد الثورة مساحة الضوء المسلط على طبيعة الاستهداف الأمريكي للأُمَّـة، مقدماً شواهدَ من بقية دول المنطقة، حيث يؤكّـد على أن الأدوات الداخليةَ للولايات المتحدة في المنطقة كانت هي السببَ الأبرزَ في إعطاء الفاعلية للخطط الأمريكية التي استهدفت لبنان وسوريا والعراق، وأن “جزءاً كبيراً من التأثير الضار للسياسات الأمريكية في المنطقة يعودُ إلى عملاء الداخل” سواء من الأنظمة أَو من التيارات.