الطريق الثالث إلى مأرب: اكتمالُ “الكماشة” الهجومية وإعلان تصعيد جديد
بمساندة من أبناء القبائل وعلى امتداد 400 كيلو متر مربع:
عملية عسكرية واسعة تحرّر “ردمان” و “قانية” وتتوغل داخل “العبدية” و “ماهلية” خلال 72 ساعة
المسيرة | ضرار الطيب
تم تعزيزُ الطوق الناري الذي تفرضُه قواتُ الجيش واللجان الشعبيّة على محافظة مأرب، آخر معاقل حكومة المرتزِقة، من جهة إضافية، بعد عملية عسكرية جديدة وواسعة انطلق فيها المجاهدون من مديرية ردمان في محافظة البيضاء، وبدأت بإخماد التحَرّك الفتنوي للمرتزِق ياسر العواضي، لتتوسع هجومياً، فتشمل جبهة قانية بالكامل، ثم تتجاوز حدود المحافظة لتدخل مناطق واسعة في “العبدية” و”ماهلية” بمأرب.
عملية تكاملت فيها عوامل الانتصار من عدة جوانب، إذ تواءم فيها الرصد الاستخباراتي الدقيق والاستباقي مع التنسيق المرن بين الوحدات العسكرية المختلفة للجيش واللجان، بما في ذلك القوة الصاروخية والسلاح المسيَّر، إلى جانب المشاركة الفعالة والمشرفة لقبائل وأحرار البيضاء، في إنجاز نوعي طوى مساحة 400 كيلو متر مربع، في ظرف 72 ساعة فقط، وهو إنجاز يأتي ضمن انتقال استراتيجي إلى مرحلة “خطوات أهم” توعدت القوات المسلحة بالإقدام عليها، في إعلان واضح عن تصعيد قادم يمكن ملاحظة العديد من ملامحه في واجهة المشهد العسكري الحالي.
إسقاطُ مشروع الفتنة
بحسب المؤتمر الصحفي للناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، فقد مرت العملية العسكرية الواسعة بمرحلتين أَسَاسيتين، الأولى تمثلت بإخماد فتنة المرتزِق ياسر العواضي التي تعاون فيها مع تحالف العدوان باستقدام قوات من المرتزِقة والتكفيريين؛ لغرض “الالتفاف على قوات الجيش واللجان من مديرية ردمان”، وقد كشف سريع أن “دول العدوان قدمت للعواضي دعما عسكريًّا كَبيراً تمثل في لواءين عسكريين بقيادة المرتزِق عبد الرب الأصبحي، والمرتزِق سيف الشدادي، إلى جانب عدد من المدرعات والآليات والأسلحة المتنوعة، مع عناصر من تنظيمي داعش والقاعدة”.
وتضمن ذلك الدعم أَيْـضاً 200 غارة جوية حاولت إسناد المرتزِقة والتكفيريين خلال المواجهات التي اندلعت بعد أن شنت قوات الجيش واللجان الشعبيّة وقبائل المحافظة عملية هجومية واسعة تقدمت فيها صوبَ أوكار العدوّ من أربعة مسارات “الأول من مديرية القرشية والثاني من مديرية السوادية والثالث من مديرية الملاجم والرابع من مديرية السودية”، الأمر الذي ضيّق الخناق سريعاً على المرتزِقة الذين سقط منهم العشرات بين قتيل وجريح وأسير فيما فر البقية، ليتم القضاء على الفتنة بشكل كامل خلال 24 ساعة انتهت بالوصول إلى معقل الفارّ العواضي نفسه.
في هذه المرحلة من العملية تبرهن قواتُ الجيش واللجان الشعبيّة مجدّدًا على يقظة عالية تجاه محاولات العدوّ لفتح جبهات أُخرى تخفف الضغط عنه، وهي محاولات يبذل فيها تحالف العدوان جهوداً كبيرة ويعول عليها كَثيراً، وهذا ما توضحه المشاهد التي عرضها الإعلام الحربي، أمس، والتي أظهرت حجم الأسلحة والإمْكَانيات التي كانت لدى المرتزِقة والتكفيريين، كما تبرهن هذه المرحلة من العملية أَيْـضاً على مدى عجز العدوان عن التأثير على قبائل وأبناء المنطقة برغم كثافة الدعايات التي يطلقها للتحريض والإغراءات التي يقدمها للاستقطاب، الأمر الذي يمثل فشلاً ذريعاً لمشروع الفتنة الداخلية، وهو فشل ترجمه بوضوح الدور الرئيسي الذي لعبته قبائل البيضاء في وأد فتنة العواضي بسرعة.
مدخلٌ ثالثٌ إلى مأرب
أما المرحلة الثانية من العملية، والتي وصفها متحدث القوات المسلحة بـ”الأهم”، فقد وظف فيها المجاهدون فائدة تأمين ردمان والانهيار الذي منيت به قوات العدوّ بشكل استراتيجي وبسرعة تنُــــمُّ عن حنكة عسكرية عالية، لإطلاق هجمات واسعة على مواقع العدوّ في جبهة قانية المجاورة، وتكللت تلك الهجمات بتحرير الجبهة بشكل كامل.
وبنفس الطريقة والسرعة، وظفت قوات الجيش واللجان هذا الإنجاز لبدء إنجاز آخر تجاوز حدود محافظة البيضاء، ليمد التقدمُ إلى مناطقَ واسعة في مديريتي العبدية وماهلية بمأرب، بعد مواجهات شهدت تنسيقاً متكاملاً وفعالاً بين مختلف الوحدات القتالية للقوات المسلحة، بما في ذلك القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيَّر؛ لتخلف العملية بمرحلتيها أكثرَ من 250 عنصراً من قوات العدوّ بين قتيل ومصاب وأسير، وأكثر 20 مدرعة وآلية مدمّـرة، وكميات كبيرة –عرضتها عدسة الإعلام الحربي– من الأسلحة والذخائر التي كشفت أن العدوّ كان يعول كَثيراً على تلك الجبهات.
امتدادُ جغرافيا العملية إلى داخل مناطق محافظة مأرب، كان رسالةً واضحةً بتعزيز الطوق الذي تمضي قوات الجيش واللجان الشعبيّة في فرضه على المرتزِقة هناك. وهو الطوق الذي أخذ بالتشكل مع عمليتي “البنيان المرصوص” وَ”فأمكن منهم” الواسعتين، فعلى الرغم من فارق المساحة الجغرافية المحرّرة بين العمليتين المنطلقتين من الجوف ونهم، والعملية المنطلقة من البيضاء، إلا أن كُـلّ واحدة من العمليات الثلاث تضمنت في خطتها جزءا مهمًّا لتوسيع العمليات إلى داخل مأرب من جهة ما، الأمر الذي شكّل طوقاً نراه اليوم ممتداً من الشمال، إلى الشمال الغربي، إلى الغرب، إلى الجنوب الغربي (العملية الأخيرة)، وهو ما يكشف عن استراتيجية ذكية لقيادة الجيش واللجان في الإعداد لانطلاق عمليات أوسع لتحرير ما تبقى من محافظة مأرب، آخر معاقل حكومة المرتزِقة وحزب الإصلاح.
ثلاث أَيَّـام فقط، شكلت نقطة انتقال مهمة في تأريخ 400 كيلو متراً مربعاً من المناطق الاستراتيجية في محافظتي البيضاء ومأرب، ونرى في مشاهد الإعلام الحربي التي وثقت تفاصيل هذه الملحمة، أن المواجهات لم تكن سهلة لا من حيث طبيعة تضاريس تلك المناطق، ولا من حيث حجم وتجهيز قوات المرتزِقة التي كانت متمركزة هناك، إذ نشاهد معسكرات كبيرة وعتاد حربي ضخم، ونعلم أن العدوّ كان قد جلب العديد من مقاتلي التنظيمات التكفيرية إلى تلك المناطق، ومع ذلك نرى مجدّدًا بسالة وقدرات المجاهدين اليمنيين المستمرة بالتطور تتغلب على تلك الصعوبات مرة أُخرى وبشكل مثير للإعجاب؛ لتؤكّـدَ على أنه لا أملَ للعدو في كسب المعارك البرية القادمة، والكلام موجه بالتأكيد لمرتزِقة الإصلاح في محافظة مأرب.
ونرى أَيْـضاً ما يؤكّـدُ على حتمية هذه النتيجة، في الموقف الوطني والمشرِّف لأبناء قبائل البيضاء ومأرب الذين وجهت القواتُ المسلحة “تحية لهم على انحيازهم لبلدهم وشعبهم ورفضهم تلطيخ تاريخهم بالخيانة والعمالة والارتزاق والوقوف الي جانب الاحتلال”.
تصعيدٌ عسكري قادم
في ختام إيجازه الصحفي حول العملية العسكرية الواسعة بالبيضاء ومأرب، فجّر العميد يحيى سريع إعلاناً مفاجئاً جاء فيه أن: “القوات المسلحة قادمة على تنفيذ خطوات استراتيجية مهمة ضمن أدائها للواجب الديني والوطني تجاه البلد والشعب”، وهو إعلان واضح عن تصعيد عسكري قادم ضد القوى العدوان.
تصعيدٌ لا نعرف طبيعته بالتحديد الآن، لكن يمكن تتبع بعض مساراته المحتملة في المشهد العسكري الحالي، فبالنظر إلى أن الإعلان جاء في سياق خطاب موجه إلى الشعب وأبناء القبائل بالذات وفي إطار الحديث عن عملية عسكرية برية، يمكن القول إن محافظة مأرب باتت على موعد قريب مع عمليات عسكرية واسعة لاستكمال تحريرها، وهو ما تبرز ملامحه بشكل واضح في واقع الميدان خلال الفترة الماضية، وبالذات منذ عملية “البنيان المرصوص”، ويبدو أن تعزيز الطوق العسكري على المحافظة من الجانب الجنوبي الغربي، قد أكمل الامتدادَ اللازمَ لهذا الطوق بما يكفي لانطلاق هذا العمليات التي ستشكل نتائجها هزيمة هي الأكبر لتحالف العدوان ومرتزِقته وبالذات حزب الإصلاح.
من جهة أُخرى، رأى العديدُ من المراقبين والمحللين أن التصعيد الذي أعلنه ناطق القوات المسلحة، يشمل عمليات “الردع” (الضربات الصاروخية والجوية العابرة للحدود)، وخُصُوصاً ضد العمق السعودي، بالنظر إلى أنه قد تم فعلاً تدشينُ المرحلة الثانية من “الوجع الكبير” بعملية “توازن الردع الماضية” التي نُفذت الأسبوع الماضي، إلى جانب استمرار تحالف العدوان بمنع إدخَال سفن النفط والغذاء إلى ميناء الحديدة، الأمر الذي كانت القوات المسلحة قد توعدت بأنها ستستمر بتنفيذ ضربات أشد وأقسى حتى ينتهي.
وليس من المستبعَد أن يكون التصعيدُ داخلياً وخارجياً في آن، وهي لن تكون المرة الأولى التي يحدُثُ فيها شيئاً كهذا، كما أن المشهدَ العسكري العام يبدو مهيأً لكل احتمالات التصعيد من جانب الجيش واللجان التي باتت تنفرد برسم معادلات المواجهة في هذا الميدان وتفرضها بشكل تام على تحالف العدوان.
وعلى أية حال، فإن إعلانَ القوات المسلحة عن تصعيدٍ قادمٍ يحملُ رسالةَ وعيد مباشرة، مشفوعةً ببراهين عملية على إمْكَانية تنفيذ مفاجآت كبيرة سواء على مستوى المواجهات البرية أَو على مستوى الضربات العابرة للحدود، وهي رسالةٌ تضع العدوّ مجدّدًا أمام اختبار يفرض عليه الاستجابةَ لوقف العدوان والحصار بسرعة، أَو الاستعداد لتلقي الصفعات، في الوقت الذي لم يعد يمتلك فيه منطقة وسطى لكسبِ الوقت والمراوغة.