إسقاطُ أكبر معقل للتكفيريين في الجزيرة العربية: أمريكا تُهزم
الإعلام الحربي يخلّد مشاهدَ بطولية للمجاهدين أثناء المواجهات
القواتُ المسلحة والأجهزة الأمنية تكشفُ تفاصيلَ معركة “قيفة” بالصوت والصورة والوثائق:
المسيرة | خاص
كشفت صنعاءُ تفاصيلَ العملية العسكرية والأمنية الكبرى التي أعلنت الثلاثاء الماضي عن نجاحها في تحرير المَعقِل الأكبرِ للعناصر التكفيرية التابعة للاستخبارات الأمريكية في اليمن، وفي الجزيرة العربية بكلها، والواقع في منطقة “قيفة” بمحافظة البيضاء، وقد وضّحت التفاصيلُ الجديدةُ بما تضمَّنته من معلومات ومشاهدَ مصورة، حجم هذه العملية وقيمتها، كواحدةٍ من أبرز وأهمِّ إنجازات قوات الجيش والأمن واللجان الشعبيّة منذ بدء الحرب، من ناحية الاحتراف القتالي والتكتيكي البطولي والاستخباراتي المدهش والبطولي للمجاهدين، ثم من ناحية ما مثّلته هذه العملية من فضيحة مدوية لتحالف العدوان ورعاته الأمريكيين، إذ انكشف بوضوح، وبالوثائق حجمَ ارتباطه بما يسمى “القاعدة” وَ”داعش”، ومستوى تعويله عليهما ودعمه لهما كأداةٍ ميدانيةٍ تتبعه بشكلٍ مباشر، وهو ما يكشفُ بدوره حجمَ الهزيمة التي تلقاها تحالُفُ العدوان ورُعاته بسقوط هذه الأداة التي لطالما استخدموها أَيْـضاً كوسيلة أَسَاسية للابتزاز السياسي وشرعنة التدخل العسكري.
تفاصيلُ المعركة
التفاصيلُ العسكرية التي كشفها ناطق القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، خلال إيجاز صحفي، أمس الجمعة، حدّدت بدقة جغرافيا العملية (مناطق قيفة ضمن مديريتي ولد ربيع والقرشية وما حولهما) على الأطراف الشمالية الغربية لمحافظة البيضاء، وهي الجغرافيا التي كانت تضم “أكبر وكر من أكار العناصر التكفيرية الاستخباراتية التابعة لدول العدوان على مستوى الجزيرة العربية”، الأمر الذي يجعل هذه العملية واحدةً من أكبر وأهم عمليات صنعاء منذ بدء العدوان، كونها ضربت هدفاً قد يكون هو الأكثر حساسية بين كُـلّ الأهداف المعادية داخل البلاد.
بدأت العملية، بـ”نشاط استخباراتي واسع بالتعاون مع الأجهزة الأمنية”، الأمر الذي حدّد الأهدافَ ومساراتِ الهجوم بدقة وبالشكل الذي يستبق أي تحَرّك للعدو، ويقلل من خياراته، وهو ما تجسدت فعاليته بوضوح من خلال سرعة الإنجاز الذي طوى في أسبوع واحد فقط، مساحة 1000 كيلو متر مربع، تضم 14 معسكراً لـ”القاعدة وداعش” ممتلئةً بمختلف أنواع الأسلحة وبمعامل تصنيع متفجرات، وتحتوي على عددٍ كبير من العناصر التكفيرية المدربة من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية، وسقط منهم 250 عنصراً بين قتيل وجريح وأسير، وعلى رأسهم “خمسة من قيادات داعش بينهم زعيم التنظيم ومسؤوليه المالي والأمني”، فيما لاذ البقية بالفرار إلى مناطق سيطرة العدوان في مأرب وبعض المحافظات الجنوبية، حيث تعمل صنعاء “عسكريًّا وأمنيًّا على ملاحقتهم” وسيتم إعلان أسماءهم كمطلوبين للعدالة.
الصورةُ الكاملةُ لهذه التفاصيل قدّمها الإعلام الحربي المتميز للجيش واللجان الشعبيّة، إذ استطاعت المشاهد المصورة لهذه العملية أن توثق لحظات نادرة جِـدًّا من البسالة القتالية التي لا توجد إلا في رصيد أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، حيث تصعّد مجموعة من المجاهدين لاقتحام موقع متمركز على قمة جبلية، مقتربين حتى المسافة “صفر” من العدوّ الذي يحاول استهدافهم مباشرة وهم أمامه، لكنه يخطئ ويرتبك وينتهي الأمر بعناصره قتلى أَو جرحى أَو أسرى، وحيث تقتحم عربة مدرعة موقعاً محصناً للعدو وتحوله بمن فيه إلى رماد، فيما يشاهد بقية عناصر العدوّ ذلك ويتسابقون إلى الفرار ركضاً، في فضيحة لم تعد جديدة عليهم.
وهذا الاحترافُ القتالي الذي جعل أرضَ المعركة تبدو مشابهةً تماماً لساحات التدريب الذي يتلقاه المجاهدون، جعل المعادلة موزونة بما يكفي لتحقيق هذا الإنجاز الاستثنائي، لكن ذلك لا يعني أن المعركةَ كانت سهلةً بطبيعتها، فطبيعةُ المناطق التي دار فيها القتال واتساع مساحتها، وميزة امتلاك العدوّ لسلاح الجو، كانت لتشكل تحديات صعبة أمام أية قوة أُخرى، وهذا ما أكّـده سرعة انهيار التكفيريين الذين عجزوا عن الاستفادة من كُـلّ ذلك في مواجهة بسالة المجاهدين.
ليس ذلك فحسب، فحجمُ التجهيزات التي كانت لدى العناصر التكفيرية هناك لم تكن بسيطة أبداً، وقد كانت المشاهد التي عرضها الإعلام الحربي مفاجئةً في هذا السياق، حيث تجولت الكاميرا العسكرية وسط كميات هائلة من العتاد العسكري المتطور بمختلف أنواعه، وعدد كبير من معامل صناعات المتفجرات والقنابل والأحزمة الناسفة، وضعت إلى جوارها الكتب والمنشورات الوهَّـابية التكفيرية التي من المعروف أن العدوَّ يعتمد عليها في صناعة “العقيدة القتالية” للتكفيريين، بما يضمن استبسالهم في المعارك، إلا أن تلك “العقيدة” التي تم أَيْـضاً تضخيمها إعلامياً، انتهت إلى نفس الخواء الذي انتهت إليه تلك الأسلحة، وكانت بلا فائدة أمام بسالة المجاهدين ورجال القبائل الذين كانوا أَيْـضاً من أبرز عوامل حسم هذه المعركة ونجاح خطتها.
أمريكا تفقد أهمَّ أذرعها الاستخباراتية
إلى جانب الإنجاز الأمني والعسكري، مثّلت عمليةُ تطهير “قيفة” فضيحةً مدويةً للعدو، بما أثبتته من ارتباط وثيق بين التنظيمات التكفيرية والتحالف السعودي الإماراتي ورعاته في واشنطن.
ارتباطٌ تجسَّدَ بشكل عملي في أرض المعركة من خلال عشرات الغارات الجوية التي شنها طيران العدوان وهو يحاول إيقاف وعرقلة هجمات الجيش واللجان الشعبيّة على مواقع التكفيريين التي كانت في الوقت نفسه ترفع رايات “القاعدة” و”داعش” كما يظهر في مشاهد الإعلام الحربي التي يتضح أَيْـضاً من خلالها أن التكفيريين لم يكونوا يخشون أي خطر من سلاح الجو المعادي، سواء السعودي أَو الإماراتي أَو الأمريكي، حيث كانت تحصيناتهم وخنادقهم مخصصة لاشتباكات برية فقط، الأمر الذي يوضح أنهم كانوا يتحَرّكون بحرية كبيرة تحت أنظار الطائرات الأمريكية الحربية والاستطلاعية الحديثة والتي تواصل الولايات المتحدة الادِّعاء بأنها تعمل على مراقبة “الإرهابيين”.
وإلى جانب ذلك، أكّـد العميدُ يحيى سريع أن “القواتِ المسلحةَ عثرت على ادلة تثبت التنسيق بين التكفيريين وعناصر أُخرى في دول عربية وأجنبية بدعم كبير من دول العدوان” كما كشف عن وجود “وثائق تؤكّـد مشاركة عناصر ما يسمى بالقاعدة وداعش في العدوان وتحديداً في صفوف المرتزِقة”.
وكانت القواتُ المسلحةُ قد كشفت سابقًا عن كميات كبيرة من الأسلحة قدمتها ما تسمى “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” إلى العناصر التكفيرية التي كانت تقاتل في جبهات قانية وردمان.
وليست هذه المرة الأولى التي ينكشف فيها هذا الارتباط، إذ سبق أن تناولته العديد من وكالات الأنباء الدولية بالوثائق، لكن هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها هذا الارتباط بهذا المستوى من الوضوح في التفاصيل، وهو الأمر الذي يوضح بدوره حجم الإنجاز العسكري والأمني والسياسي الذي تحقّق بهذه العملية الاستثنائية.
بالوثائق.. الأجهزةُ الأمنية تكشفُ تفاصيلَ علاقة العدوان بالتكفيريين
الجزءُ الأمنيُّ من العملية وسع فضيحة الارتباط بين العدوان والجماعات التكفيرية، وأعطى للمشهد بُعداً ثالثاً، حيث كشفت وكالة “سبأ” الرسمية، وبعد لحظات من انتهاء الإيجاز الصحفي للعميد يحيى سريع، عن معلومات مهمة حول طبيعة هذا الارتباط، وتفاصيل أهدافه.
وبحسب سبأ، فقد حصلت الأجهزة الأمنية على “وثائق تضمنت معلومات عن مخطّط لتحالف العدوان لتمكين الجماعات التكفيرية من إسقاط محافظة البيضاء وفتح جبهة منها نحو العاصمة صنعاء”.
بدأ ما يسمى “تنظيم القاعدة” بتنفيذ المراحل الأولى من هذا المخطّط عام 2018، من خلال استقطاب مئات العناصر وتجميعها في معسكرات استحدثها في مناطق “بعيدة عن الرصد” وإرسال متدربين من تلك العناصر إلى معسكرات العدوان في مأرب وشبوة، إلى جانب وضع مجندين “في مواقعَ قتالية هامة ضمن صفوف المرتزِقة بمحافظة البيضاء”.
وبحسب المعلومات والوثائق فقد “سعت القاعدة إلى تكثيف العمليات الإجرامية؛ بهَدفِ زعزعة الاستقرار وتسهيل إسقاط البيضاء فيما بعد بيد الجماعات التكفيرية” وتمددت في مناطق “ناطع وذي ناعم”، بدعم لوجستي عسكري من تحالف العدوان، ازداد مستواه منذ مطلع 2018.
وكشفت الأجهزة الأمنية أن “حلقة الوصل بحسب الوثائق بين الجماعات التكفيرية هم الخونة الفارون علي محسن الأحمر ومحمد علي المقدشي والمدعو توفيق القيز”، مشيرة إلى أن “الوثائق تضمنت الإشارة إلى ارتفاع أعمال التكفيريين الإجرامية بالعبوات الناسفة ضد الجيش والأجهزة الأمنية والقيادات الوطنية المناهضة للعدوان”.
وأضافت: “تعترف الوثائق التابعة للجماعات التكفيرية بإفشال الأجهزة الأمنية 4 عمليات انتحارية بالسيارات المفخخة كما تعترف بإفشال الأجهزة الأمنية تجهيز وإعداد 8 من “الانغماسيين”؛ لتفجير الوضع في منطقة اليسبل بمديرية الوهبية”.
وبحسب التقرير، فقد جرت جميعُ مراحل المخطّط بتنسيق كامل مع قيادات المرتزِقة ودعم من قيادة تحالف العدوان، مُشيراً إلى أن “جهاز الأمن والمخابرات رصد حينها تعدد اللقاءات والاجتماعات بين قيادات الجماعات التكفيرية وقيادات المرتزِقة في مأرب”.
وأكّـدت الأجهزة الأمنية أنها “رصدت لقاءات جمعت قيادات تكفيرية مع مندوب قوى العدوان في مأرب” وكشفت أن “مندوب قوى العدوان في مأرب زار مواقع الجماعات التكفيرية للإشراف على أوجه صرف المبالغ المالية وتخزين شحنات السلاح” كما أن “قوى العدوان قدمت للتكفيريين قناصات عيار 50 وضعت بعهدة قناصين باكستانيين”.
وكشف التقرير أن الخطة التي أعدتها قوى العدوان لإسقاط البيضاء تضمّنت أربعة محاور: الأول عبر المناطق المحاذية لشبوة انطلاقاً من بيحان؛ بهَدفِ استكمال السيطرة على ناطع ونعمان ومحاولة السيطرة على عقبة القنذع، والثاني يستهدف المديريات المحاذية لذمار وصنعاء عبر مناطق قيفة، والثالث يستهدف المناطق المحاذية لمحافظتي لحج وأبين للسيطرة على مكيراس وجنوب البيضاء بقيادة الخائن صالح الشاجري، أما الرابع، فكان يستهدف المناطق المحاذية لمأرب مُرورًا بآل عواض قبل تحريرها من الخائن العواضي، وُصُـولاً إلى الشرية وقطع الخط الواصل بين رداع والبيضاء.
وأوضح التقرير أن “خطة العدوان قضت بتكليف عناصر الجماعات التكفيرية بتكثيف عمليات العبوات الناسفة ضد الجيش واللجان لمحاولة إشغالهم وإرباكهم في البيضاء”، معلنا أن “معارك القوات المسلحة والأمن ضمن نطاق التموضع الجغرافي للجماعات التكفيرية أسقطت آخر فصول مخطّط قوى العدوان لاحتلال البيضاء وفتح جبهة نحو العاصمة صنعاء”.
هذه المعلومات توضح أن العملية تكاملت أمنياً وعسكريًّا، وواكبت تحَرّكات التكفيريين منذ بدايتها، الأمر الذي يعني إعدادَ أفضل خطة للهجوم، وهو ما يفسره الانهيار السريع لقوات العدوّ، وعدم استفادتهم من الدعم الهائل الذي كانوا يمتلكونه، إذ بدا واضحًا أن الخطة المحكمة قد اختارت أَيْـضاً أفضل توقيت لمباغتتهم.
وتكشف هذه المعلوماتُ عن تطور كبير ومدهش في قدرات الجيش والأمن واللجان الشعبيّة، فتنفيذ ضربة مزدوجة بهذا الحجم، وبهذه السرعة والاحترافية، ضد أبرز أدوات الاستخبارات الأمريكية في المنطقة كلها، يمثل رقماً قياسياً جديدًا، خُصُوصاً بالنظر إلى فارق الإمْكَانيات وظروف الحرب.
ووفقاً لكل ذلك، لا يكون من المبالغة القول: إن هذه العملية يمكن أن تصنفَ كواحدة من أكبر الانتكاسات الاستخباراتية والأمنية الأمريكية في المنطقة، وعلى المستوى المحلي، فهي بالتأكيد ثاني أكبر انتكاسة أمريكية في اليمن بعد خروج قوات المارينز وهروب السفير الأمريكي من صنعاء خلال ثورة 21 سبتمبر عام 2014.