عبد السلام: القصف الجوي يؤكّـد على أهميّة استمرار الرد ولن يستطيع العدوان تغيير مسار مواجهته
تداعيات ضربة “قدس2” ورسائل تصعيد الردع: مَخرَجٌ وحيد أمام النظام السعودي
المسيرة | ضرار الطيب
لا تتوقفُ رسائلُ صنعاء المؤكِّـدةُ على استمرار وتصاعد عمليات الرد والردع ضد النظام السعودي، في الوقت الذي يلجأُ الأخيرُ إلى التشكّي والاستغاثة بالمجتمع الدولي، الأمر الذي يوضح ثبوتَ التغيير في ميزان “القوة” لصالح صنعاء، وهو تغييرٌ استطاعت قواتُ الجيش واللجان فَرْضَ معادلاته باقتدار، حتى باتت ردودُ فعل “الرياض” على فشلها وعجزها مُجَـرّد معطيات محسوبة سلفا ضمن تلك المعادلات.
رئيسُ الوفد الوطني المفاوض، والناطق الرسمي لأنصار الله، محمد عبد السلام، وجّه، أمس الجمعة، رسالةً جديدةً في هذا السياق، ردًّا على الغارات التي شنتها طائرات العدوان الأمريكي السعودي على العاصمة صنعاءَ وعددٍ من المحافظات، حَيثُ قال عبد السلام إن هذا القصف “لا جديدَ فيه سوى التأكيد على أهميّة استمرار الرد والردع حتى توقف العدوان وفك الحصار”، وأضاف: “فيما يظن تحالُفُ العدوان أنه سيغيّر شيئاً من مسار مواجهته فَــإنَّه ينسى أن سِتَّ سنوات كاملة من القصف الوحشي لم تزد اليمنيين إلا صلابة وتماسكا وقوة بفضل الله ورعايته”
من الواضح أن العدوَّ السعودي لجأ إلى شن هذه الغارات محاولًا صناعةَ “رد” على الضربة المؤلمة والمشهودة التي تلقاها قبل أَيَّـام والتي استهدفت محطة توزيع أرامكو في جدة بصاروخ “قدس2” المجنح الجديد، فالرياضُ تلجأ إلى مثل هذا السلوك دائماً بعد كُـلّ ضربة تتلقاها، وعادة يظهر “تركي المالكي” الناطق باسم تحالف العدوان ليعلنَ عن “عملية عسكرية” يحاول أن يغطِّيَ بها على صدى وتداعياتِ الردع اليمني.
ولهذا لم يكن هناك بالفعل أيُّ جديد في الغارات السعودية، حتى أنها استهدفت مناطقَ سبق استهدافُها عدةَ مرات، والحقيقة أن النظامَ السعودي قد فقد منذُ مدة طويلة القدرةَ على القيام بشيء “جديد”، الأمر الذي بات يبرهِنُ دائماً على ضيقِ خياراته العسكرية، إنْ لم يكن انعدامها.
لكن ما أشار إليه عبد السلام من “التأكيد على استمرار الردع والرد” يوضح إلى جانب قلة حيلة السعودية، أن سلوكها بات متوقعا في معادلات صنعاء للردع، حتى أن ذلك السلوك بات يدفعُ نحوَ تطور تلك المعادلات وتصاعد مستوياتها، فالقصف الجوي السعودي الإجرامي و”المتوقع” بعد كُـلّ عملية ردع، يمثل في سياق هذه المعادلات إضافة في طرف “الجرائم” تستدعي إضافات في طرف “الردع”.
هذا أَيْـضاً ما أكّـدته رسالةٌ سابقةٌ تضمنها تصريحٌ لعبد السلام قبل أَيَّـام قليلة جاء فيه أن ” العويلَ السعودي بعد كُـلّ ردٍّ موجع هو المطلوب ويعطي عملياتِ الردع حقَّها من الأثر اللائق بها -رغم تواضع الرد بالمثل- وبما أن العدوان والحصار على اليمن مستمرًّا فلن نألوَ جهداً في مواجهته”.
وبتطبيق هذه المعادلة على المشهد الراهن تبدو السعودية في مأزق كبير، فإما أن تتوقف عن المحاولات الفاشلة للتغطية على عجزها في التعامل مع الضربات اليمنية، أَو أن تستمر بـ”المكابرة” التي تجلبَ عليها المزيدَ من تلك الضربات (ولا تغطي في الحقيقة على العجز)، وهو مأزق تحدّد صنعاء المخرج الوحيد منه بـ”وقف العدوان وفك الحصار”، كما أشار رئيس الوفد الوطني.
ولأَنَّ المكابرة ما زالت كما يبدو الخيار الذي تميل إليه الرياض دائماً، فَــإنَّ رسائلَ صنعاء اليوم تحرِصُ على أن تسد بوضوح كُـلَّ آفاق هذا الخيار أمام النظام السعودي من خلال تذكيره بمسار ست سنوات من المواجهة، لم يؤدِّ فيها “القصف الوحشي” إلا لتصاعد مستويات الردع إلى حدودٍ مدهشة، إلى جانبِ فضح وحشية وإجرام العدوان وقيادته على مستوى عالمي، وبالتالي فالمكابرة لم تعد توفر للسعودية حتى نصفَ فرصة للالتفاف على المخرج الوحيد الذي حدّدته لها صنعاء من المأزق.
ورسائلُ صنعاء هذه التي ترسُمُ “المخرجَ الوحيدَ” أمام النظام السعودي، تؤكّـد اليوم بشكل أوضح من أي وقت مضى، على التغيير الجذري الذي أحدثته قواتُ الجيش واللجان الشعبيّة في ميزان “القوة” خلال ست سنوات من المواجهة، حَيثُ أصبحت الخياراتُ العسكرية الفعالة كلها في قبضة “صنعاء”، وبالتالي أصبحت قدرتها على تحديد الشروط وفرض المعادلات أكبر، أما الرياض بكل إمْكَانياتها و”السند” الدولي الذي تتكِئُ عليه، فانحصرت خياراتُها في مساحة ضيّقة جِـدًّا، هي “الالتفاف” على الشروط و”المماطلة”، وهي ليست خياراتٍ مُجديةً.
يمكن قراءةُ هذا أَيْـضاً وبوضوح من خلال عمل مقارنة بسيطة بين الخطاب الرسمي للنظام السعودي، والخطاب الرسمي لصنعاء، منذ عملية استهداف محطة توزيع أرامكو بصاروخ “قدس2” المجنح، حَيثُ ظهر النظام السعودي في صورةٍ بعيدة تماماً عن أرضية “القوة” (الدعائية) التي كان يقفُ عليها ليهدّدَ بـ”الاجتثاث” و”الحسم” وما إلى ذلك من العنتريات، بل أكّـد انتقالَه إلى موضعٍ أكثرَ هشاشة وتزعزعاً يستغيثُ فيه بالعالم ويطالب بإنقاذ منشآته الاقتصادية من نيران الردع اليمني.
بالمقابل، جاء خطابُ صنعاء، بما في ذلك تصريحات رئيس الوفد الوطني وتصريحات ناطق القوات المسلحة، في سياق الإنذار والوعيد والتذكير بالشروط الوحيدة للسلام الحقيقي، وهي رسائلُ عمليةٌ مبرهنة ومشهودٌ على صدقها، وليست مُجَـرَّدَ “دعايات”، كما أنها لم توجَّـه للنظام السعودي فقط بل وُجهت أَيْـضاً إلى الإدارة الأمريكية والإسرائيلية للعدوان والتي كانت متواجدةً في المملكة عشيةَ ضربة “قدس 2” النوعية، الأمر الذي يضيفُ بُعدًا آخرَ إلى عملية تغير الموازين، وهو أن “المجتمعَ الدولي” الذي يهرع إليه النظام السعودي بعد كُـلّ ضربة لا يستطيعُ إنقاذَه، وبالتالي عليه العودة إلى المخرج الوحيد.. وقف العدوان وإنهاء الحصار.