تأجيل المفاوضات يحزن أهالي الأسرى.. طفلة تبحث عن أبيها الأسير في مكتب غريفيث
المسيرة- منصور البكالي
“أباه باباه”.. ترنو أبصارُنا نحوَها في خَطفةٍ سريعة، ونعودُ بالنظر إلى بعضنا البعض ونحن نتمتمُ: إلى متى سنخفي عليها الحقيقة؟!.. صغيرتي إن أباك أسيرٌ في سجون العدوان ومرتزِقته!
تكرّر الصوت (باباه أباه) وتهز ركبتي بيديها الملطختين بالفتة المعصوبة، فأرد عليها بابتسامة مفتعلة مملؤة بالشفقة: هاه حبيبتي.
تتجه نظرات الحاضرين فوق مأدبة الغداء، نحو والدتها زوجة الأسير المنزوية خلف ركبة أمها العجوز والدموع تنهمر بغزارة على خدِّها، ولقمة العيش متوقفة وسط حلقها لم تسمح لها الغصة أن تبتلعها.
نعاود النظرات إلى وجوه بعضنا بصمت مريب أجتثه بكاء مفاجئ أجبر الجميع على ترك وجبة الغداء، فيتجه الأخوال إلى غرفهم والجد إلى مصلاه وبقية العائلة إلى صوب المطبخ وغرف المنزل وبقيت زوجة الأسير مع أمها على السفرة في صالة الطعام المهجورة.
الطفلة حوراء كانت بحضن خالها الذي اتجه نحو المجلس وهو يمسح الدموع بعطفة الجاكت الشتوي، وبيده الأُخرى ريموت يقلب به القنوات الإخبارية التي توقف عند قناة المسيرة ذات الترتيب الأول في القائمة المفضّلة لديه، وفي شريطها الإخباري العاجل (الأمم المتحدة تعلن تأجيل جولة المفاوضات بشأن الأسرى والمختطفين في اليمن، قبل انطلاقها بيومين، في العاصمة الأردنية، برعاية الأمم المتحدة، إلى أجل غير مسمى).
تزداد أجواء الحزن في أعماق المشاهدين للخبر، وخَاصَّة أسر الأسرى والمخفيين والمفقودين، وتقتل آمال المتفائلين بوعود الأمم المتحدة وصفقات تبادل الأسرى اليمنين، فيما خال حوراء يردّد: “ليتني كنت الأسير ليتني كنت الأسير”.
حوراء ومثيلات حوراء وأمها قصص آلاف الأسر اليمنية ممن لهن أسرى في سجون الغزاة ومرتزِقتهم ترتفع آمالهم وطموحاتهم عند سماع أي خبر عن صفقات تبادل الأسرى بين الطرفين، إلَّا أنها خابت وتحطمت وتبخرت عند قراءة الخبر المشؤوم عن الأمم المتحدة ومكتب مبعوثها الخاص إلى اليمن “غريفيث”.
حوراء تتساءل عن أسباب تأجيل جولة المفاوضات، فيما غريفيث يخشى من تقديم الإجَابَة والاكتفاء بإبلاغ مختلف الأطراف اليمنية أن السعودية من تتحكم بزمام الأمور ومَن بيدها حق الموافقة أَو الرفض، وأن مرتزِقة العدوان ليسوا جاهزين لتبادل كافة الأسرى مقابل الكل، مع أن الجولة المؤجلة كانت محدودة بتحرير 200 أسير من الجيش واللجان الشعبيّة، مقابل 100 من الطرف الآخر.
يواصل خالُ الطفلة حوراء البحثَ عن الحقيقة والتأكّـد من مصداقية الخبر ليخففَ من عُمق الحزن الذي حَـلَّ بالأسرة، فيدخل صفحةَ رئيس لجنة شؤون الأسرى، عبدالقادر المرتضى، على تويتر فيجد تغريدة طازجة له مفادها: تم إبلاغنا من قبل الأمم المتحدة عن تأجيل موعد جولة المفاوضات على ملف الأسرى، التي كان مقرّرًا أن تبدأ بعد غد الخميس في العاصمة الأردنية (عمّان) إلى وقت لاحق لم يتم تحديده بعد.
وتزدادُ آمالُ المواطنين اليمنيين مع نجاح كُـلّ صفقة تبادل أسرى وبأية أخبار تدعو إلى توقف العدوان والحصار وتقارب المسافات بين الأطراف اليمنية، إلا أن دول العدوان تخشى ذلك وهي من تسعى جاهدة لاستمرار حجز الأسرى والتحكم بهم؛ كي تستمر الحرب لفترة أطول، وتستمر معها الدولُ المصنِّعة للسلاح تحقيقَ مكاسبها من خلال بيع صفقات مربحة للعدو السعودي والإماراتي.
غريفيث لا تهمه دموعُ حوراء ولا عدم معرفتها لوالدها منذ أربعة أعوام على أسرة في جبهة صرواح، بل كُـلُّ ما يهمه استمرارُه في مهمته الاستخباراتية لصالح العدوّ الصهيو أمريكي واستمرار الدولارات السعودية التي تحول إلى رصيده.
القوانين والمواثيق الأممية الخَاصَّة بحقوق الأسرى والمفقودين لم تراعِ مشاعرَ الأطفال والأسر المنتظِرة بشوق ولهفة لعودة أسراها من سجون دول العدوان، بل باتت في زمن البترودولار قوانين تُباعُ وتشترى في عالم لا ضمير له، وباتت معها كُـلُّ التصريحات مُجَـرّدة من القيم الإنسانية وتهدفُ للابتزاز والحصول على الحصة من المال السعودي والإماراتي المدنس.
ولكن السؤالَ يبقى معلقاً ومعه آمالُ آلاف الأسر اليمنية عن السبب الحقيقي لتأجيل صفقة التبادل، ولماذا ظهرت الأممُ المتحدة معرقلةً للحل لا صانعة له، ولو كان للطفلة حوراء القدرةُ في التخاطب بفصاحة ووعي لوجّهت سؤالها إلى غريفيث عن سبب تأجيل جولة مفاوضات الأسرى التي كان مزمعاً عقدها في العاصمة الاردنية قبل أَيَّـام.
متابعة متواصلة
وتعتبر الأنباءُ التي تتحدث عن صفقة تبادل للأسرى ذات أهميّة كبرى لدى أهالي الكثير من أهاليهم، الذين يأملون في الإفراج عن كُـلّ أقاربهم وجميع المعتقلين.
المواطن عبدالله عبدالخالق -أخو الأسير محمد عبدالخالق- يقول: “كل ما نسمع أخباراً عبر وسائل الإعلام عن صفقة تبادل الأسرى يعودُ لنا الأمل، فيستبشر أطفال الأسير وزوجته ووالداه بقدومه وعودته للعيش معنا، وعند الإعلان عن أسماء أية صفقة نكون أول من يقرأها ويراجع ويفحص ويتأكّـد في قوائمها للبحث عن اسم أخي محمد”.
ويضيف عبدالله قائلاً: “مع كُـلّ صفقة تبادل أسرى، نتطلع إلى أن يكون اسم أخي من ضمن الأسماء، وبعد التأكّـد نشاركُ بقية الأسر اليمنية التي لها أسرى في سجون الغزاة والمحتلّين ومرتزِقتهم فرحتهم وابتهاجهم؛ لأَنَّ كُـلَّ أسير يمني هو أخونا وواحد من أحرار شعبنا اليمني”.
ويؤكّـد عبدالخالق بالقول: “إن إبرام صفقة تبادل شاملة “الكل مقابل الكل” هي الطريقُ الأقربُ لتحقيق آمالنا وتطلعاتنا، وهي الحلُّ الأسرع لتحقيق أمنيات أطفال الأسير وزوجته المرتقبين لقراءة اسم أخي محمد في قوائم الأسرى المفرَج عنهم منذ بداية اتّفاق السويد وإلى اليوم”.
ويشير عبدالخالق إلى أن سماعَهم خبرَ تأجيل مكتب المبعوث الأممي لجولة المفاوضات التي كان مزمعاً عقدها مطلع الأسبوع الفائت في العاصمة الأردنية عمّان كان من أسوأ الأخبار التي سمع بها طوال حياته، لافتاً إلى أن موقف الأمم المتحدة أمام هذا الخبر يثير الشكوك حولها وحول نزاهتها واستقلاليتها.
ويدعو عبدالخالق الأممَ المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية التابعة لها إلى سرعة البت في مِلف الأسرى، وإعادة الاعتبار للقوانين والمواثيق الدولية الخَاصَّة بالجانب الإنساني، محملاً مكتبَ المبعوث الأمم إلى اليمن “غريفيث” كاملَ المسؤولية عن عرقلة مِلف الأسرى، وتبعات الهموم والأحزان التي لحقت بأسر وأهالي الأسرى منذ بداية العدوان على شعبنا اليمني.
بدوره، يقول زين العابدين عامر: “منذ وقوع أخي في الأسر وأنا مهمومٌ به وبأسرته أكثرَ من همنا لمن يرتقي إلى الله شهيداً، وعند سماعِنا عن عرقلة مِلَفِّ الأسرى والمماطلة فيه من قبل دول العدوان ومرتزِقتهم نصابُ بالإحباط الشديد، أمَّا عن صدورِ خبرِ التأجيلِ من مكتب المبعوث الأممي بذاته فكان صدمةً وواقعةً كبيرةً أفقدتنا الأمل وتبخر معه أيةُ ثقة بالأمم المتحدة ومواثيقها التي تحولت إلى أدَاة بيدِ العدوان يتحكمُ بتحريكها أيَّ وقت يريد ويوقفُها في الوقت الذي يريد.