اتّفاق “السويد” كنقطة قوة في رصيد صنعاء السياسي والعسكري
كيف تحول من “تكتيك” معادٍ لإسقاط الحديدة إلى “مأزق” للعدو؟
المسيرة | ضرار الطيب
على الرغم من العرقلة المستمرة التي يتعرَّضُ لها اتّفاقُ “السويد” من قبل تحالف العدوان ومرتزِقته منذ التوقيع عليه، والتي حوّلته إلى مُجَـرّد “حبر على ورق”، استطاعت صنعاء أن تحوّله إلى نقطةٍ إضافيةٍ في رصيد قوتها العسكرية والسياسية سواء في حالة بقائه معرقلا، أَو في حالة تنفيذه، أَو في حالة الانقلاب عليه من قبل العدوّ، وهو أمر يمكن ملاحظته الآن بوضوح بعد عامين، حَيثُ يبدو أن اختيار العدوّ الإبقاءَ على ركود مياه الاتّفاق، لم يعد يتعلق بمِلفات الاتّفاق نفسِها أَو بمعركة الساحل الغربي، بل بـ”الاضطرار” إلى استثمار هذه المِلفات لأشياءَ أُخرى.
منذُ البداية أعطى تحالف العدوان انطباعًا واضحًا بأنه لم يوافق على إبرام الاتّفاق إلا ولديه تصميمٌ على عدم تنفيذه، وقد يكون سبب إبرام الاتّفاق هو الهروبَ من الضغط والابتزاز الدوليين اللذين رافقا فضيحةَ مقتل خاشقجي في ذلك الوقت، أَو أنه رأى في الاتّفاق “تكتيكاً” معيناً لإسقاط محافظة الحديدة، بحسب تعبير الفريق الركن، جلال الرويشان، عضو الوفد الوطني المفاوض في حوار سابق مع صحيفة المسيرة، وعلى الأرجح أن تحالف العدوان حاول الجمع بين الأمرين: الهروب من الضغوط، ومحاولة خداع صنعاء.
من هنا يمكن إضافة الاتّفاق إلى نقاط قوة صنعاء؛ لأَنَّ أسباب التحالف السياسية والعسكرية كانت ناتجة عن ضعف وفشل، سواء فيما يخُصُّ الضغوط الدولية، أَو فيما يخُصُّ معركة الحديدة التي لو كان العدوّ قادراً على حسمها لم يكن لينخرط في الاتّفاق أبداً، والحقيقةُ أن لجوءَ تحالف العدوان إلى طاولة التفاوض، ولو شكليًّا، هو دائماً نقطةٌ في رصيد قوة صنعاء.
هذا أَيْـضاً ما أكّـدته المرحلةُ التي تلت التوقيعَ على الاتّفاق، والتي برهنت على إدراك تحالف العدوان استحالةَ حسم معركة الحديدة لصالحه، فبالرغم من خروقه المستمرة للاتّفاق وتحشيده المتواصل للمرتزِقة إلى الحديدة، ومحاولاته المتكرّرة لاستثارة المجتمع الدولي بخصوص السواحل اليمنية و”السفينة صافر”، كان يصطدمُ دائماً بحقيقة أن الانتصارَ الذي لم يتحقّق قبل الاتّفاق لن يتحقّقَ بعده، ولم يكن ذلك فقط؛ بسَببِ ثبوت عدم جدوى التحشيد والترسانة العسكرية، بل أَيْـضاً بسَببِ استمرار تعاظم قوة صنعاء التي خرجت من معركة الحديدة بتطورٍ كبير في التكتيكات والقدرات.
وبموازاة ذلك، تمكّنت صنعاء أَيْـضاً من إظهار حقيقة موقفِ تحالف العدوان من اتّفاق السويد من خلال المبادرات الأُحادية لتنفيذ الاتّفاق، وهو الأمر الذي حشر العدوّ في زاوية ضيِّقة تنكشفُ منها حقيقةُ كون الاتّفاق أصبح نقطةَ قوة في رصيد صنعاء، فالعدوّ يؤكّـد بتصرفاته على أن تنفيذ الاتّفاق يشكل سقوطاً لأطماعه في الحديدة، ومن الجهة الأُخرى سيفضي انقلابه الكامل على الاتّفاق إلى استئناف معركة بات يعلم استحالة حسمها لصالحه.
ولذا، لا يبدو أن خيار الإبقاء على الاتّفاق في حالة جمود جاء لتحقيق مصلحة كبرى للعدو، بقدر ما جاء نتيجة لـ “المأزق” الذي يعيشُه في ظل قلة حيلته عسكريًّا وانسداد أفق أطماعه سياسيًّا؛ لأَنَّ كُـلّ ما كان يأمل تحقيقه في الحديدة من وراء استخدام الاتّفاق كغطاء لم يعد قابلاً للتحقّق.
هذا ما يوضحه أَيْـضاً لجوءُ العدوّ لاحقاً إلى محاولة استثمار ملفات الاتّفاق؛ مِن أجلِ جبهات أُخرى، وهو الأمر الذي انكشف بوضوح مع إبرام صفقة تبادل الأسرى منتصف أُكتوبر الماضي، حَيثُ لجأ النظامُ السعودي إلى تحريك ملف الأسرى كمحاولةٍ لتخفيف الضغط على مرتزِقته في مأرب، وقد صرّح ناطقُ القوات المسلحة العميد يحيى سريع وقتَها بأن ذلك الضغط كان له تأثيرٌ كبيرٌ في دفع العدوّ نحو إتمام الصفقة.
ويمكن التنبُّؤُ باحتمالات مشابهة يلجأُ فيها العدوُّ السعودي إلى بعض مِلفات اتّفاق السويد؛ مِن أجلِ جبهات أُخرى، قد تتضمَّنُ جبهة الردع الصاروخي الجوي العابر للحدود، لكن بالمجمل حتى محاولات استثمار مِلفات الاتّفاق بهذه الطريقة تنتهي أَيْـضاً إلى تسجيلِ نقاط إضافية في رصيد قوة صنعاء التي دفعت العدوّ بداية نحو التوقيع على الاتّفاق، ثم أسقطت محاولاته لاستخدام الاتّفاق كغطاء لاستهداف الحديدة، ثم أجبرته على اللجوء إلى الاتّفاق؛ مِن أجلِ جبهات أُخرى.
في تقرير نشرته مجموعةُ الأزمات الدولية يدعو إلى تغيير استراتيجيات المجتمع الدولي تجاه ملف اليمن، وردت إشارةٌ مهمة إلى أن صنعاء باتت المستفيدَ الأكبرَ من أي اتّفاق يتم التوصُّلُ إليه مع تحالف العدوان أَو مع مرتزِقته.
ينطبقُ هذا على “اتّفاق السويد” بشكل واضح، وتقتضي قراءةُ مسار هذا الاتّفاق اليومَ بعد عامين من تنفيذه الإقرارَ بأن صنعاءَ تميزت في التعامل معه إلى حَــدِّ التمكُّن من تحويله من “خدعةٍ” لجأ إليها تحالُفُ العدوان إلى “مأزق” لم يعد يستطيع السيطرةَ عليه.