صنعاء تواصل فضح “الوساطة” المزيفة: إصرار أممي على بقاء أزمة السفينة “صافر”؟
– عبد السلام: اللامبالاة الأممية تجاه خزان “صافر” تجعل الأمم المتحدة غير جديرة بما هو أهم
– اللجنة الاقتصادية: الأمم المتحدة لم توافنا بموافقتها على اتّفاق الصيانة وفاجأتنا بتأجيل وصول الخبراء ونطالبها بتحديد ميزانية المهمة
اليمن يعكس اتّجاه “الضغوطات” بتأكيد جديد على مسؤولية العدوان ورعاته عن خطر الخزان العائم
المسيرة | ضرار الطيب
للمرة الثانية خلالَ هذا الشهر، تضعُ صنعاءُ الرأيَ العام المحلي والدولي أمام حقيقة تخلِّي الأممِ المتحدة عن مسؤولياتها والتزاماتها في اليمن، الأمر الذي يؤكّـد على فشلها في لعب دور “الوسيط”، وهو فشل لا يرجع إلى نقص إمْكَانيات أَو وجود صعوبات، بل إلى ما يبدو بوضوح أنه تواطؤ متعمد من قبل المنظمة الأممية لعرقلة الملفات التي يحاول تحالف العدوان ورعاته استخدامها كأوراق ضغط ضد صنعاء، حَيثُ تشترك الأمم المتحدة معهم في تكريس هذا الضغط لصالحهم.
هذه المرةُ كانت الإدانةُ الموجهة للأمم المتحدة من قبل صنعاء، تتعلقُ بمِلف خزان “صافر” العائم، حَيثُ أعلنت اللجنة الاقتصادية العليا في بيان، أمس الأول، أن الأممَ المتحدة لم ترسل حتى الآن النسخة الموقَّعة من جانبها لاتّفاق صيانة السفينة صافر والذي وقّع عليه الطرف الوطني في الحادي عشر من نوفمبر الفائت، وأشَارَ البيان إلى أن هذا السلوكَ الأممي “يثير التساؤلات حول الأهداف الخفية للصخب الإعلامي وحقيقة مزاعم الحرص على سلامة وأمن البحر الأحمر”، مؤكّـداً على أن تأخر موافقة الأمم المتحدة “سيتسبب بتأخير تنفيذ الاتّفاق حسب ما تم التخطيط له وخُصُوصاً بعد الإعلان المفاجئ للأمم المتحدة عن تأجيل وصول الخبراء حتى ١٥/ فبراير من العام المقبل”.
وطالبت اللجنة الاقتصادية الأمم المتحدة أن تُفصِحَ بعد التوقيع على الاتّفاق “عن الميزانية المرصودة لتنفيذ الصيانة العاجلة والتقييم الشامل لخزان صافر العائم”
البيانُ ترافق أَيْـضاً مع تصريح لرئيس الوفد الوطني وناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، جاء فيه أن “تعاطي الأمم المتحدة مع مهمة الصيانة الفنية لخزان صافر العائم بكثيرٍ من اللامبالاة يجعلها غيرَ جديرة بما هو أهم من ذلك”، مُشيراً إلى أن الأمم المتحدة تتحمَّــلُ كاملَ المسؤولية إزاءَ المخاطر الجدية لبقاء الخزان على حالته.
هذه “المكاشفةُ” من قبل صنعاء تستلزمُ التذكيرَ بجملةٍ من الحقائق المهمة في مِلف السفينة “صافر” وهي حقائقُ كانت صحيفةُ المسيرة قد تناولتها سابقًا في تحقيقات وتقارير صحفية* كشفت عبر الوثائق الرسمية والبيانات أن صنعاء لم تدخر جهداً في مخاطبة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بخصوص الوضع الحرج للسفينة منذ وقت مبكر، كما كشفت الوثائقُ أن تحالف العدوان كان هو مهندس أزمة “صافر” منذ بدايتها من خلال منع وصول “المازوت” المخصص للصيانة، بل واحتجاز السفينة التي كانت تحملُه بالقُرب من الخزان نفسه؛ إمعاناً في التعنت، إلى جانب ما كشفته مصادر في وزارة الخارجية للصحيفة في أغسطُس الماضي، حول تخلي الأمم المتحدة عن مهمةِ صيانة الخزان واستبدالها بمهمةٍ أُخرى مشبوهة وغير معلنة أوكلت بها شركة مجهولة.
يضافُ إلى هذه الحقائق، إعلانُ اللجنة الاقتصادية في نوفمبر الفائت (عند التوقيع على الاتّفاق الأخير)، عن “رفض فريق مكتب الأمم المتحدة الموافقة على توفير مولد النيتروجين كبديلٍ مناسبٍ لمنظومة الغاز ضمن المعدات التي سيتم إحضارُها والذي يضخ الغاز الخامل إلى الخزانات النفطية لمنع انفجارها”، الأمر الذي أكّـد أن الأممَ المتحدة ظلت متمسكةً بعرقلة ملف خزان صافر حتى عندما وقعت صنعاء اتّفاقاً رسميًّا يؤكّـد حرصَها العملي على حَـلّ الأزمة.
بوضع هذه الحقائق على الطاولة يبدو بوضوح، مجدّدًا، أن الأمم المتحدة تسعى لـ “الحفاظ” على بقاء أزمة خزان “صافر” قائمةً، وهو الأمر الذي يفتح البابَ أمام بحث دوافع وأهداف هذا السلوك، وفي هذا السياق تنحصرُ كُـلُّ التحليلات والاحتمالات والمؤشرات الواقعية في مسار واحد يظهر فيه تواطؤ واضح بين المنظمة الأممية وتحالف العدوان ورعاته في الغرب؛ كونهم الأطرافَ الوحيدةَ التي تتعامل بوضوح مع ملف “صافر” كورقة ضغط في صالحهم، وليس كخطر على البيئة البحرية، وهذا ما يظهر ليس في الوثائق الرسمية التي تكشف عرقلتهم لصيانة السفينة فحسب، بل أَيْـضاً في تصريحاتهم الرسمية التي توظّف وضع السفينة سياسيًّا ضد صنعاء، فتصريحاتُ تحالف العدوان تحاول بوضوح استخدام السفينة كمبرّر للحصول على المزيد من الدعم الدولي السياسي وحتى العسكري في الحرب، وتفصح التصريحاتُ الغربية (منها تصريح السفارة الأمريكية في أغسطُس) عن إصرار فج على إخفاء الحقيقة وتكريس الأكاذيب من خلال خلق ضجيج إعلامي يجعل من القضية ورقة ضغط ضد صنعاء.
صنعاء تعكسُ اتّجاهَ ضغوطات العدوّ بقوة أكبر:
تقرأ صنعاءُ هذا الموقفَ بوضوح من خلال الحقائق الثابتة لديها، وقد عبّرت عن ذلك بالإشارة المتكرّرة من قبل اللجنة الاقتصادية إلى التناقض بين السلوك الأممي و”الصخب” المثار إعلامياً حول “سلامة البيئة البحرية” من قبل الأمم المتحدة إلى جانب تحالف العدوان ورعاته.
وتضمن تصريحُ رئيس الوفد الوطني الأخير إشارةً إضافيةً إلى حقيقة الارتباط بين سلوك الأمم المتحدة تجاه ملف السفينة “صافر” وتواطؤها مع تحالف العدوان ورعاته في الغرب، إذ اعتبر عبدُ السلام “اللامبالاة الأممية” دليلاً على انعدام “جدارة” الأمم المتحدة في “ما هو أهم”، وهو ما يعني ملفات وقف العدوان والحل الشامل التي ما زالت صنعاء تؤكّـدُ على وجود مشاركة أممية واضحة في عرقلتها.
وخلال هذا الشهر فقط، فتحت صنعاء ملف التواطؤ الأممي مع العدوان مرتين، الأولى كانت بخصوص موضوع الحصار الذي صرّح عبد السلام أن بقاءَه يحكم بفشل أية “مقاربة” للحل، وأنه جريمةٌ تشاركُ الأمم المتحدة فيها، وهو أَيْـضاً ما أكّـده عضو الوفد الوطني عبد الملك العجري، والثانية بخصوص ملف السفينة صافر، الأمر الذي يترجم ما يبدو أنه توجُّـهٌ من قبل صنعاء نحو عكس أوراق الضغط التي ما زال تحالف العدوان يحاول استخدامها، لكن هذا التوجيه العكسي يحملُ في الحقيقة قوةً أكبر؛ لأَنَّه مدعومٌ بحقائقَ تمزّق “الغطاء الأممي” الذي يتحَرّك من تحته تحالف العدوان، خُصُوصاً في ظل مَيل الأخير إلى مضاعفة تحَرّكاته تحت الغطاء الأممي بعد أن واجه فشلا ذريعا في الوسائل الأُخرى.
وهذه الحالةُ تعكسُ في الحقيقة تصاعُدَ ثقل صنعاء في الميزان السياسي، بالتوازي مع تعاظم قوتها العسكرية، الأمر الذي من شأنه أن يقللَ خيارات العدوان أكثرَ، وُصُـولاً إلى تكريسٍ أكبرَ للمعادلة السياسية العسكرية التي تفرض صنعاءُ معطياتِها على الواقع، والتي تقضي بأن الطريقَ الوحيدَ للحل هو الانطلاقُ من قاعدة وقف العدوان ورفع الحصار، وأن كُـلَّ أوراق الضغط والمخارج الخلفية الأُخرى التي يعول عليها تحالف العدوان ورعاته والمتواطئين معه لم تعد تنفع؛ لأَنَّها باتت تنعكس سلباً على وضعهم ومواقفهم وحتى الدعايات التي يتمسكون بها لإطالة أمد العدوان والحصار.
* (راجع تحقيق “مستجدات أزمة صافر: الأمم المتحدة تستبدل مهمةَ التقييم والصيانة بأُخرى غير معلنة” وتحقيق: “تفاصيل أزمة السفينة صافر: ابتزاز دولي يواجه الحقائق بالضجيج”).