روحيةُ الجهاد والاستشهاد.. في فكرِ الشهيد القائد (2-2)
عبد الرحمن محمد حميد الدين
استثناءُ الشهداء من أحداث يوم القيامة:
لا يزالُ الحديثُ عن الحياةِ الحقيقيةِ، والكاملةِ، والأبديةِ للشهداءِ الذين أَوفوا بعدَهم مع الله، فأوفى اللهُ بعهده معهم {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}.، حَيثُ يشير الشهيد القائد إلى وجود حالات تكون في وضعية استثناء من [أحداث يوم القيامة]. ومن خلال تأويله لقول الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} وهذه الآية الكريمة مما توقف عندها الكثير من علماء التفسير واللغة وتحيروا في تأويلها!! ومما قاله في ذلك (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ):
((ويبدو أن الشهداء يبقون أحياءً من أول لحظة يفارق فيها هذه الحياة، فيصبحون أحياء فعلاً، ففي آيات أُخرى عندما يقول الله عن أحداث القيامة: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} (الزمر: من الآية68) تبين أن هناك فئةً أَو شيئاً من مخلوقاته حية لا تتأثر بتلك الأشياء مع أن الشهيد يموت اسماً، اسماً هكذا أنت تراه لكن في الواقع يصبح حياً، فقط ألقى [بذلة] خلع البذلة التي عليه ذلك [البودي] الذي له هذا الهيكل وأصبح حياً {عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: من الآية169) لم يعد هناك موت بالنسبة لهم {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأولى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (الدخان:56) تأمل في كثير من الآيات التي تتحدث عن أحداث القيامة فيها حالة استثناء {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} (الزمر: من الآية68))). (دروس رمضان – الدرس الثامن).
الخسارةُ الحقيقيةُ هي في التهرُّبِ من الحياة الأبدية:
لذلك اعتبر القرآنُ الكريمُ أن مَن يتهربون من القتال في سبيل الله خوفاً من “الموت” فَـإنَّهم من سيموتون فعلاً، وتكونُ خسارتُهم في حرمانِ أنفسِهم من الحياة الأبدية، حَيثُ يقولُ اللهُ تعالى: {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أنفسكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران).. فمن خلال هذه الآية الكريمة نجدُ كيف كان خطابُ الله للقاعدين الذين يعتقدون أنهم [أذكياء] بقعودهم عن القتال في سبيل الله، وسألهم -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى- أن يدرؤوا عن أنفسهم الموتَ، وأخبرهم أن مَن يعتبرونهم أمواتاً -ممن قُتلوا في سبيل الله- هم في الحقيقة أحياء يُرزقون..، ومما قاله السيدُ في ذلك (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ):
((فالمسألة إذاً: الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى- قد منح الشهيد الحياة الأبدية منذ أن تفارق روحه جسده عندما قال -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى-: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169). إذَا فالخسارة الحقيقة هي: أن يكون الإنسان متهرباً من الحياة الأبدية، إذَا كنت تخاف من الموت، فَـإنَّ المفترض منك هو أن تكون ممن يحرص على أن يكون حياً فلا يدخل في غيبوبة مطلقة من بعد أن تفارق روحُه جسدَه، ستكونُ حياً)). (محاضرة محياي ومماتي لله).
ما هو البديل عن التحَرّك في مواجهة أمريكا وإسرائيل؟
ويتحدث السيد عن بعض [سنن التاريخ] التي تؤكّـد أن من يختار الاتّجاه الذي يرى فيه سلامته من خلال التهرب من بذل المال والنفس في مواجهة أعداء الله، فَـإنَّه من سيبذلها في مواجهة مسلمين آخرين، وتحت راية أعداء الإسلام أنفسهم، وهذا ما لمسناه اليوم في [العدوان الأمريكي السعودي] على اليمن، فمَن كنا نراهم بالأمس من [الإخوان المتأسلمين] من حزب الإصلاح الذين كانوا يتشدقون بالدين، ويتغنون بالقضية الفلسطينية، نراهم اليوم يقاتلون تحتَ راية أمريكا، وإسرائيل ضد إخوانهم من أبناء الشعب اليمني.
وقد استدل الشهيد القائد في هذه القضية ببعض الحروب الاستعمارية التي كانت تدور رحاها بين الدول المستعمرة للبلدان العربية، وكان وقودها هم أبناء الأُمَّــة العربية والإسلامية، حَيثُ ساق لنا التاريخ بعض تلك الشواهد، ومنها: الحربان العالميتان الأولى والثانية، عندما كان البريطانيون يُجنّدون بعض أبناء الأُمَّــة الإسلامية للقتال في صفوفهم الأمامية في مواجهة أعدائهم من الألمان وغيرهم، فلو جاهد أُولئك الاحتلال البريطاني لما وصل بهم الحال أن يصبحوا حطبا لنار أوقدتها بريطانيا!! وما إلى ذلك من الشواهد التي لا يتسع المجال لذكرها، والتي يندى لها جبين الأُمَّــة الإسلامية. فمن يتهرب من الحق سيُساق إلى الباطل. ومما قاله السيد (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ):
((أنت إذَا لم تبذل نفسك ومالك في مواجهة هؤلاء الأعداء فهم من سيسخّرونك أنت لتبذل نفسك ومالك في سبيلهم، في سبيلهم فعلاً، وهم متجهين، يعني هذه عندهم سياسة ثابتة: أن يضربوا المسلم بالمسلم، عندهم هذه السياسة، أن يضربوا المسلم بالمسلم.
إذا لم تتحَرّك، في الأخير يجندوك تضرب مَن؟ تضرب آخرين مسلمين خدمة لأمريكا وإسرائيل. مثلما جندوا في السابق عشرات الآلاف من المسلمين؛ مِن أجلِ تحقيق مطامعهم، ومن أجل الدفاع عن مصالحهم، أَيَّـام الاستعمار الأول.
المسلمون يجاهدون تحت راية البريطانيين تحت راية الإيطاليين والفرنسيين، وقتال بين الدول هذه المستعمرة وقودها مَن؟ المسلمين، معظم وقودها كانوا هم المسلمين في بلدان أفريقيا، والبلدان المستعمَرة)). (محاضرة الشعار سلاح وموقف).
أحد شواهد التاريخ الإسلامي على خطورة التفريط:
ويستشهدُ السيدُ (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) ببعض الشواهد في التاريخ الإسلامي، وذلك عندما فرَّط أهل العراق في الجهاد، والقتال مع الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أَدَّى ذلك إلى استحكام قبضة أهل الشام على العراق – بقيادة معاوية بن أبي سفيان-، واستحكامه أَيْـضاً على كافة الرقعة الإسلامية في ذلك الحين، فأصبح المفرطون -من المحسوبين على أتباع الإمام علي (عليه السلام)- شركاء في كُـلّ ظلم، وفساد حصل من معاوية، ومن بني أمية لاحقاً، ومما قاله في ذلك (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ):
((الإمام علي فهّم أهل العراق بالطريقة هذه عندما كان يخوفهم بأنه قد تستحكم قبضة أهل الشام عليكم، كيف قال؟ (إني لأخشى أن يُدال هؤلاء القوم منكم لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم) أليس هذان عامِلَين مع بعض: تفرق هؤلاء عن حقهم، اجتماع أهل الباطل على الباطل، أَدَّى إلى نتيجة ما هي؟ سيطرة أهل الباطل على أهل الحق، ما هم هنا أصبحوا أنهم شركاء؛ لأَنَّهم هم سبب، هم سبب وعامل رئيسي في ماذا؟ في أن العدوّ يتمكّن)). (محاضرة الشعار سلاح وموقف).
قضية فلسطين وخطورة التفريط:
ومن شواهد تاريخنا المعاصر يشير السيد (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) إلى [القضية الفلسطينية]، وكيف كان للجيل السابق من الفلسطينيين دور رئيسي في سيطرة اليهود، وإقامة دولة مصطنعة؛ وذلك بسَببِ تفريط الجيل الأول، ومما قاله في ذلك:
((عندما يلاحظ واحد الآن الفلسطينيين ما هم في وضعية مؤلمه جداً؟. تقاعس الناس في مرحلة معينة جعل العدوّ يتمكّن أكثر، تصبح المقاومة والعمل صعيب ومتعب. طيب في الحالة هذه العناء الذي بيلحق الناس من بعد؛ بسَببِ تقصيرك، أنت شريك في هذا العناء، في خلق هذا العناء، في ماذا؟ في أن تصبح المسألة على هذا النحو…)) -إلى أن يقول (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) في هذا السياق-: ((هذه المعاناة التي حصلت للجيل الثاني؛ بسَببِ تقصير الأولين، تقصير الذين ما تحَرّكوا في البداية؛ لأَنَّه في البداية تكون الأعمال سهلة، في البداية سهلة، عندما قصروا أضافوا بتقصيرهم، خلقوا معاناة شديدة ضد هؤلاء، أتاحوا الفرصة للعدو أن تستحكم قبضته، استحكام قبضة العدوّ يعني أنك شريك مع العدوّ فيما يعمل من جرائم، ما هي قضية سهلة)). (محاضرة الشعار سلاح وموقف).
مصير من يقرّر القعود ويرى فيه السلامة:
أما مصير من يقعد ويرى في قعوده السلامة، فيتحدث السيد (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) عن الحسرة التي سيتعرض لها من يقعدون: حسرة في الدنيا؛ لأَنَّهم لن يَسلَموا، وحسرة في الآخرة لما سينالونه من عذاب شديد نتيجة قعودهم..
كما أشار (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) في كثير من دروسه، ومحاضراته إلى خطورة دور المثبطين والمرجفين في أوساط من يتحَرّكون، ويستشهد السيد (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) بدور المنافقين في عهد النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، عندما انطلق المسلمون لمواجهة دولة الروم، كيف حاول منافقو المدينة تثبيط المسلمين عن تلك المواجهة..، وغالبًا ما يأتي التثبيط تحت عناوين: النصح، والمودة، أَو التقليل من شأن التحَرّك، أَو التهويل من حجم الأعداء، وغير ذلك من الوسائل.
ويربط السيد (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) في هذه الفقرة بين [دولة الروم] في عهد النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وبين [أمريكا] في هذا الزمن من حَيثُ اعتبار كُـلّ منهما “دولة عظمى” من حَيثُ الإمْكَانيات الهائلة في: الأسلحة، والتكنولوجيا.
والملاحظ أن استغلال المثبطين لهذا الجانب في ترويج إرجافهم في ذلك الزمن، وفي هذا الزمن غالبًا ما يكون تحت عناوين واحدة!. ومما قاله في ذلك (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ):
((هناك الحسرة أن تدمّـر بيتك، وأن تقتل أسرتك، وأنت لا ترى أنك قد عملت بالعدوّ شيئاً، ستندم على أنك اتخذت قراراً كان قراراً خاطئاً بالنسبة لك، وكانت نتيجته عكسية عكس ما كنت قد رسمته لنفسك، إنهم لا يسلمون أبداً أُولئك الذين يقولون لأنفسهم: [أما نحن ما لنا حاجة]. ويقولون كما يقول المنافقون عندما يرون المؤمنين ينطلقون في مواقف – مهما كانت بسيطة – عندما يرون المؤمنين ينطلقـون في مواقف ضـد دولة كبرى {غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ} (الأنفال: من الآية49).
ألم يقل المنافقون في ذلك العصر أَيَّـام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما انطلق المسلمون لمواجهة دولة الروم، ودولة الروم كما تواجه أمريكا الآن: {غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ} مساكين مغفلين يذبحون أنفسهم، كيف باستطاعتهم أن يؤثروا على دولة عظمى؟! لا، إن المغرورين هم أُولئك، هم الذين غرّوا أنفسهم.
وجاء القرآن الكريم ليؤكّـد أَيْـضاً أن من يتخذون قرارات كهذه – ليقعدوا – إنهم لن يسلموا وهم من ستنالهم العقوبة بأضعاف أضعاف من الآلام والنقص أكثر مما يعاني منه المجاهدون)). (محاضرة وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن).
مصيرُ بني إسرائيل عندما مالوا إلى ما ظنوه السلامة:
وكَثيراً ما يستشهد القرآن الكريم ببني إسرائيل حتى تستلهم هذه الأُمَّــة الدروس والعبر مما حكى الله عنهم، ومنها قعودهم عن التحَرّك مع نبيهم موسى (عليه السلام)، فما ظنوّه سلامة في قعودهم كان خسراناً، وأصبحوا فاسقين بقعودهم كما وصفهم الله في الآية الكريمة، ومما قاله السيد (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) في ذلك:
((كذلك حصل لبني إسرائيل عندما قال لهم موسى صلوات الله عليه {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرض الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:21) جبنوا، خافوا، مالوا إلى ما ظنوّه سلامة، ماذا حصل لهم فيما بعد؟ بعد أن رفضوا الأمر من نبيهم وبعد أن رفضوا الوعد بأنهم إذَا دخلوا سينتصرون فعلاً، آثروا من منطلق هذا التفكير الخاطئ أن لا يدخلوا؛ لأَنَّ هناك السلامة. إذَا ابتعدنا سنسلم، ماذا قال الله فيهم؟ {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أربعينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرض فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة:26) أربعين سنة يتيهون في الأرض لا مساكن، ولا يهتدون لشيء)). (محاضرة وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن).
من الأشياء الدقيقة المتعلقة بقضية الجهاد في سبيل الله:
ويشير السيد حسين بدر الدين الحوثي إلى بعض الأشياء الدقيقة جِـدًّا في مجال هدى الله، وتوجيهاته، والتي تتجلى من خلالها عظمة الله، وعظمة الإسلام، والذي يؤكّـد دائماً وأبداً أن كُـلّ توجيه قرآني يشكل [منهجية]، ويعتبر [نعمة عظيمة] لا تستقيم الحياة إلا به.
فمثلاً ما يتعلق بالجهاد والقتال في سبيل الله: يؤكّـد القرآن الكريم أن هذا الجانب هو خير لنا، ومن رحمة الله أنه جعل الكثير من الآيات، والدلائل، والشواهد لتكون مؤيدة، وشاهدة على صدق ما أنزل الله، ومن ذلك قول الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أنفسهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُـلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: 53)، فتأتي الشواهد، والأحداث، والمتغيرات، والنفسيات لتؤكّـد – بشكل مستمر ومتجدد – أن كُـلّ ما في القرآن الكريم هو [مشروع حياة متكامل]، كذلك [الجهاد والقتال في سبيل الله] هو مما أكّـد عليه القرآن بشكل كبير في أكثر من آية بأنه {خَيْرٌ} ومن ذلك:
قول الله تعالى:{انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (التوبة:41).
وقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) (الصف).
وقول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (البقرة: من الآية216). وغيرها الكثير من الآيات الكريمة.
وهذا ما أيدته الشواهد، والأحداث أن الجهاد في سبيل هو خير لنا، ولحياتنا، ولنفسياتنا، ولاستقامة أمر ديننا ودنيانا، ويضع السيد الشهيد بين يدي الأُمَّــة ما يؤكّـد هذه المسألة ويشير لبعض الدقائق العجيبة والمرتبطة بهدى الله، والمتعلقة بجانب [الجهاد في سبيل الله] من خلال واقع الناس، ومن خلال نفسياتهم التي فطرها الله لتكون منسجمة مع توجيهاته وبما لا تستقيم حياتهم إلا بها. ومما قاله (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ):
((من نعمة الله على الناس ألا يكونوا في حالة فراغ يحول بينهم وبين المعرفة، يكونوا منشغلين بقضايا هامشية، الناس يقدم لهم قضية كبيرة قضية كبيرة في عنوانها: القتال في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله، العمل لإعلاء كلمة الله، هذه قضية مهمة جِـدًّا في مجال المعرفة، في مجال معرفة الله بالذات، هامة جِـدًّا، في مجال المعرفة في كثير من الأشياء التي يجب أن يعملها الناس فتبنى الحياة بكلها، لا يعيش في حالة فراغ. إذَا عاش الإنسان في حالة فراغ يكون في الأخير يكون بالشكل هذا: أسئلة هامشية اهتمام بقضايا لا تمثل شيئاً. إذَا حمل الناس اهتماماً كَبيراً، وقضية كبيرة، استغرقت ذهنياتهم، استغرقت اهتمامهم، فترفعوا عن الأشياء التي لا تفيد في نفس الوقت، الأشياء الهامشية في الأسئلة، أَو في الاهتمامات.
عندما يكون الناس عندهم اهتمام فيما يتعلق بالعمل في سبيل الله ستجد أثر هذه عليهم، هم فيما يتعلق بقضاياهم الخَاصَّة، فإذا حصل نزاع فيما بينهم يكونون قريبين إلى أن يحلوا مشكلتهم بسرعة. فإذا الناس في حالة فراغ، ليس عندهم أي اهتمام، سيجلسون يتشاجرون بعضهم عشر سنين وهم متشاجرون، طالع ونازل، أَو كُـلّ، يوم أَو كُـلّ أسبوع إلى المحكمة سنين، ومستعد يشاجر عمره، قضية قد تكون في الأخير لا تساوي ما يضيعه من وقت، الذي يشاجر عليه، لماذا؟ لأنه فارغ. فعندما يكون الناس فارغين يحدث في الواقع أنه يحصل فيما بينهم كثير من الخلاف والشقاق، فإذا بدت مشكلة، جلست مشكلة سنين، وتترك آثارها السيئة في وسطهم، تمزق صفهم، تفسد ذات بينهم. إذَا هناك اهتمام بقضية كبيرة تبعد الناس عن الأشياء هذه التي تفسد ذات البين، وفي نفس الوقت إذَا ما طرأت مشكلة يكونون قريبين لحلها؛ لأَنَّهم مشغولون لا يريد أن تشغلهم القضية هذه، يقنع منك بيمين فقط، أَو من أول جلسة، من أول جلسة أنت قدمت ما عندك، وهو قدم ما عنده، وحكم بينكم الحاكم، ومع السلامة، وتسيرون سواء في القضية الهامة التي هي مسؤولية عليكم جميعاً.
في نفس الوقت، في حالة الفراغ، تكون حالة يترسخ فيها الجهل في الناس، مواهبهم تُسخر كلها للأشياء الهامشية..)).
إلى أن يقول (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ): ((إن هذه من الأشياء الدقيقة جِـدًّا في مجال هدى الله، تبدو قضية تملأ ذهنيتك، أنت بحاجة إلى هذا، والأمة بحاجة إلى هذا، وتصبح أنفسهم كبيرة، أصحاب اهتمامات كبيرة، وتصبح طاقاتهم كلها فاعلة، ولها أثرها، ميدان كبير يُشغلونها فيه، ووراءها إيجابيات كبيرة جِـدًّا، وراءها خير لهم في الدنيا وفي الآخرة، كما سيأتي بعد في موضوع الجهاد. {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (التوبة: من الآية41))). (دروس رمضان – الدرس التاسع).