المشروعُ الاستعماري.. “الولاياتُ المتحدة الإبراهيمية” (2)
المسيرة – أنس القاضي
لا تكاد تخرجُ الأُمَّــةُ العربية والإسلامية من مشروع استعماري حتى تستفيق على مؤامرةٍ أُخرى.
ما يسمى بالولايات المتحدة الإبراهيمية، مشروع استعماري جديد يختلط فيه السياسي والاقتصادي مع الثقافي وغايته هي السيطرة الرأسمالية والصهيونية على المنطقة وثرواتها.
بدأت فكرة الإبراهيمية في العام 1990 عندما قام “سيد نصير” المعتقل في الولايات المتحدة بتهمة اغتيالِ الحاخام “مائير كهانا” بطرح فكرة الإبراهيمية لتشكلَ قاعدة انطلاق لحل القضية الفلسطينية، وجّه نصيرُ عدةَ رسائلَ من داخل السجن الأمريكي إلى الحكومات الأمريكية المتعاقبة حتى جاءه الردُّ من قبل “ديك تشيني” نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بأن “رسالتك قد وصلت”.
في بداية التسعينيات تحدث جورج بوش الأب عن “نظام عالمي جديد قائم على فكرة السلام والدين”، كما قامت وزارة الدفاع الأمريكية بدعم برنامج دراسات الحرب والسلام والذي يعتبر أن الدين مدخل أَسَاسي لصياغة النظام العالمي الجديد.
كانت فكرة سيد نصير بأن الدولة الإبراهيمية هي إسرائيل وفلسطين اتّحاد فدرالي إبراهيمي له جيش وهُـوِيَّة موحدة، إلا أن أمريكا قامت بالتعديل على فكرة نصير للخروج بالمشروع الاستعماري بنسخته الكبيرة.
تقوم الفرضيةُ الاقتصادية لهذا المشروع على أَسَاس أن العالم يشهدُ تغيُّرات مناخية ستخلق مجاعات في بعض دول المنطقة مع تناقص الموارد، وبناء على هذه الفرضية فَإنَّ الحل هو في وجود تكنولوجيا ترشيد الاستخدام وهذه التكنولوجيا لدى الكيان الصهيوني وتركيا، وهاتان الدولتان وضعت لهما مهمة قيادة هذا الاتّحاد الإبراهيمي المفترض.
تركيا أردوغان مع هذا المشروع؛ لأَنَّها ترى فيه عودة للتوسع العثماني، وفي الفكر الصهيوني القدس عاصمة إسرائيل الكبرى، وخارطة ما تسمى الولايات المتحدة الإبراهيمية هي ذاتها خارطة ما تسمى بإسرائيل الكبرى الذي يتحدث عنها الصهاينة، الممتدة من النيل إلى الفرات.
هناك الكثير من التصريحات والخطوات التي تصُبُّ في هذا المشروع، وإن كانت لا تعلن صراحةً عن مشروع الولايات المتحدة الإبراهيمية، إلا أنها تتسقُ مع المشروع.
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس 13 /8/ 2020، أن اتّفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات سيتم تسميتُه “الاتّفاق الإبراهيمي”، كما تحدث ترامب حين رعى اتّفاق التطبيع بين إسرائيل والبحرين قائلاً:
“هناك تطلّع إلى المستقبل لدى اليهود والمسلمين والمسيحيين، ليعيشوا مع بعضهم البعض، وليحلموا ويصلّوا مع بعضهم البعض وجنباً إلى جنب بانسجام وتناغم وسلام”.
معهد أبحاث الأمن القومي في “إسرائيل”، قد نشر مقالاً يوم 3 سبتمبر 2020 تحت عنوان “الإسلام في خدمة السلام، التداعيات والأسس الدينية لاتّفاق أفرهام”، يقول فيه الكاتب الصهيوني:
“في الوقت الذي تتجه الأنظار في إسرائيل إلى المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية للاتّفاق، هناك اهتمام قليل بما يحمله من تحدّيات في المجال الديني”، وجاء أيضاً: “الإمارات تقومُ ببناء معبد مشترَكٍ للديانات الثلاث سيتم افتتاحُه في العام 2022 يُسمى “بيت عائلة إبراهيم”، وهو يشملُ كنيساً وكنيسة وجامعاً في قاعةٍ واحدة”.
“ميشيل فوكو ياما” في كتابه “نهاية التاريخ” تحدث عن سيادة النموذج الأمريكي الرأسمالي بصورة صارمة، وفي العام 2010 قام بمراجعات فكرية عن سيادة النموذج الأمريكي مع صهر الأديان في دين جديد.
جاريد كوشنير مبعوث ترامب إلى المنطقة صرح لمحطة “سكاي نيوز” الإماراتية يوم 28 فبراير 2019 بأنّ “صفقة القرن ستلغي الحدود السياسية بين شعوب الشرق الأوسط”، وفي ما بعد، قال: “إنَّ الرئيس ترامب يشجّعنا لتبنّي التوجّـه الجديد، ولتوحيد الناس حول القاسم المشترك”.
وفي سياق هذا المشروع، استضافت الإمارات لقاءَ قمة بين بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر، اللذين خرجا ببيان مشترك سمي بميثاق “الأُخوة الإنسانية”، دعا إلى التّسامح ومناهضة التطرّف والغلوّ.
منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين، “أونروا”، بادرت في العام 2017 إلى تغييرِ المناهج المدرسية من الصفّ الأول إلى الرابع، ومن ضمن هذه التغييرات استبدالُ تعريف القدس في المنهاج الدراسي من “عاصمة الدولة الفلسطينية” إلى “مدينة إبراهيمية مقدّسة للديانات الثلاث”.