المشروعُ الاستعماري “الولايات المتحدة الإبراهيمية” (3)
المسيرة – أنس القاضي
لا تكاد تخرجُ الأُمَّــةُ العربية والإسلامية من مشروع استعماري حتى تستفيق على مؤامرةٍ أُخرى.
ما يسمى بالولايات المتحدة الإبراهيمية، مشروع استعماري جديد يختلط فيه السياسي والاقتصادي مع الثقافي وغايته هي السيطرة الرأسمالية والصهيونية على المنطقة وثرواتها.
لأجل تحقيق هذا المشروع الاستعماري، يتم العمل على مستويات مختلفة. وفي مقدمتها إقامة مراكز ومؤسّسات وبرامج ما تسمى بالدبلوماسية الروحية.
من ضمن هذه المؤسّسات، جمعيتان يقودهما طوني بلير -رئيس الوزراء البريطاني الأسبق المعروف بولائه لـ”إسرائيل”-.
الجمعية الأولى تقع في إفريقيا والجمعية الأُخرى في الشرق الأوسط، وهاتان الجمعيتان تدربان الكوادر الشبابية للترويج لهذا المشروع. كما يُدرس ما يُسمى بالفكر الإبراهيمي في الجامعات الأمريكية، ومنها جامعتا فرجينيا وبنسلفانيا.
أسَّست الإدارة الأمريكية الديموقراطية إدارة خَاصَّة في وزارة الخارجية منذ العام 2013، تحت رعاية هيلاري كلينتون، وظلت هذه الإدارة فاعلة في ظل إدارة ترامب أَيْـضاً. تعمل هذه الإدارة الأمريكية تحت عنوان “الحوار الاستراتيجي مع المجتمع المدني”، وتضم هذه الإدارة مئة شخصية، منها 50 دبلوماسياً و50 من الرؤساء الروحيين المؤثرين، من المسلمين والمسيحيين واليهود.
تلقى الأنشطة المرتبطة بهذا المشروع الاستعماري تحت اسم الدبلوماسية الروحانية رعاية وتمويلاً، من قبل مؤسّسات الرأسمالية العالمية التي تمتص ثروات شعوب العالم مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
لأجل تجسيد هذا المشروع على الأرض، انطلقت أَيْـضاً مشاريع سياحيَّة تحت اسم “مسار إبراهيم” في الدول ذات الصلة. وما سمي بمسار إبراهيم، وهو عبارة عن مسارات تشكّل مسار واحد طويل، وهو مسار يزعم رواة التوراة أن نبي الله إبراهيم مشى فيه، وهذا المسار هو أُسطورة يرفضه المؤرخون وعلماء الآثار.
ينطلق المسارُ المزعوم من تركيا، وبعضهم يقول من العراق، ويمرّ في سوريا ولبنان وفلسطين، ليصل إلى مكة والمدينة المنورة.
نشاط التقريب ما بين الأديان والثقافات، هو الأَسَاسُ الثقافي لهذا المشروع الاستعماري، وهو نشاطٌ لا يقصد به التقريب بين المتعبدين لله باختلاف عقائدهم من غير العدوانيين، لكن هذا النشاط يهدف إلى دمج الإسلام في الصهيونية اليهودية والصهيونية الإنجيلية.
ومن هذه المراكز التي لا ترجوا وجهَ الله في نشاطها ما يلي:
مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات وهو منظمة دولية تأسست عام ٢٠١٢ من قبل المملكة العربية السعودية وجمهورية النمسا ومملكة إسبانيا إلى جانب الفاتيكان. ويقع مقرُّ المركز في مدينة فيننا، عاصمة النمسا.
في عام 2006 افتتح في جامعة هامبورغ مركز “الحوار بين الأديان” لبحث مواضيعَ دينية سياسية ولتأهيل الباحثين ومدرسي الدين من المسلمين واليهود والبوذيين.
عام 2013م، قامت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة للمنظمة الثقافية العالمية اليونسكو، مع الأمين العام لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي للحوار بين الأديان والثقافات، بالتوقيع على مذكرة تفاهم بتعزيز الحوار بين الشعوب المنتمية إلى مختلف الثقافات والأديان.
في دولة الإمارات هناك مركز يسمى مؤسّسة “طابة” والتي تهدفُ كما تدّعي إلى إعادة تأهيل الخطاب الإسلامي للاستيعاب الإنساني. يتزعم هذه المؤسّسةَ المدعو زينُ العابدين الجفري، وسبق للجفري زيارةُ القدس الشريف بتأشيرة مرور إسرائيلية وحوله حراسة صهيونية.
دويلةُ الإمارات تعمل على صُنع طريقة صوفية منحرفة تخدُمُ هذا المشروع، وصوفيةُ الإمارات المصطنعة مختلفةٌ عن التصوف الإسلامي المعروف الذي يُدرس في زوايا الجوامع منذ قرون.
مؤخّراً قامت الإماراتُ بإنتاج مسلسلين تلفزيونيين عن شخصية الصوفي الكبير الحلاج وكذلك الصوفي الكبير ابن عربي، وهذان المسلسلان تمت صياغتها ضمن هذا التوجّـه المنحرف عن القرآن الكريم، ومثلا إساءة بالغة لهذه الشخصيات.
حديثُنا حول هذا المشروع الاستعماري بأبعاده الاقتصادية والسياسية والثقافية هو من باب التنُّبه له وليس الإقرار بوجوده كأمر واقع. وهو كغيرِه من المشاريع الاستعمارية ليس قضاءً محتوماً، ويتطلَّبُ لمواجهته وحدة دول وفصائل المقاومة الإسلامية والوطنية وكل القوى الثورية والتقدمية المناهضة للرأسمالية والصهيونية العالمية.