انتصاراتُ الجيش واللجان الشعبيّة في مأرب.. انزعاجٌ أمريكي مُــر!
أكاديميون وسياسيون وعسكريون يؤكّـدون أن صنعاء ترسُمُ فصلاً جديداً من فصول ملحمة الخيارات الاستراتيجية
المسيرة: عباس القاعدي
يرتفعُ منسوبُ التذمُّرِ والقلق في واشنطن مع التقدم الكبير الذي يحرزُه أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة في مأرب، حتى أن الخارجية الأمريكية لم تتمكّن من ضبط نفسها حتى طالبت بتوقف قوات صنعاء وعدم الاستمرار في معركة التحرّر بمأرب.
مؤشراتُ القلق الأمريكي كبيرة جداً، لا سِـيَّـما وأن المعارك تدور في أهم المحافظات اليمنية الغنية بالنفط والغاز والموجودة على بحيرة من النفط يُطلق عليها تسمية “المثلث الأسود”، والأمريكيون منذ بدء العدوان على بلادنا يريدون أن تكونَ صنعاءُ بلا أنياب، وأن لا تستفيدَ من أي مورد اقتصادي يعود بالنفع على المواطنين.
ويعزو الأُستاذ المساعد بجامعة عمران والمحلل السياسي، الدكتور إبراهيم محمد الأحمد، انزعاج واشنطن من انتصارات الجيش واللجان الشعبيّة في مأرب إلى أنها ستربك مخطّطات أمريكا ومشاريعها في المنطقة، حَيثُ ظلت لسنوات كثيرة ترسم وتخطط لإنشاء شرق أوسط جديد، لكنه سينتهي ويذهب أدراج الرياح تحت أقدام المجاهدين من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، بحسب الدكتور الأحمد.
ويؤكّـد الدكتور الأحمد أن الأمريكيين ليسوا منزعجين فحسب، وإنما يعضون على أناملهم من الغيظ حين يرون عملاءَهم منهزمين ولا يجدون لهم موطِئ قدم على الأراضي اليمنية؛ كي يمرِّروا مخطّطاتهم عبر أدواتهم من المرتزِقة.
منبعُ التطبيع مع الصهاينة
ويشارك الدكتور حبيب الرميمة الأفكارَ ذاتها للدكتور الأحمد، ويزيد عليها بأن أمريكا تنزعج من انتصارات الجيش واللجان الشعبيّة في مأرب لعدة اعتبارات، ومنها الاعتبارات العقائدية، موضحًا أن محافظة مأرب وفقاً لمشروع “الشرق الأوسط الكبير” ومن وجهة نظر الصهيونية العالمية كان يرادُ منها أن تكونَ منبعَ التطبيع مع إسرائيل، لافتاً إلى أن الأمريكيين عمدوا منذ عقود إلى توطين الإخوان في مأرب ليكون أدواتٍ لتنفيذ هذه المخطّطات.
وحول الاعتبارات الاقتصادية وتأثيراتها، يؤكّـد الدكتور الرميمة أن تحرير مأرب سيُفقِدُ الحلفَ الأمريكي وأدواتِه في المنطقة ورقةَ حصار الشعب اليمني بالمشتقات النفطية، والطاقة الكهربائية، وهذا سيعزز من قدرة حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء بزيادة المشاريع التنموية وجلب الاستثمارات نتيجة للاستقرار والأمن التي تشهده المحافظات اليمنية الحرة، وَهذا الأمر غير مقتصر على اليمن، بل إن أمريكا تحاول السيطرة على آبار النفط في شرق سوريا؛ كي لا يستفيد منها الشعب السوري. والعملية نفسها تتكرّر في اليمن، فالمرتزِقة والعدوان ليسوا سوى أداة للسيطرة الأمريكية على آبار النفط في مأرب.
ويتطرق الدكتور الرميمة إلى الاعتبارات السياسية للانزعاج الأمريكي من انتصارات الجيش واللجان الشعبيّة في مأرب، موضحًا أنها تتضمن تحريرَ محافظة مأرب من المرتزِقة والعدوان الذي أزعج أمريكا، وكشف المخطّط الأمريكي وأدواته في المنطقة بدعم الجماعات الإجرامية من تنظيمي القاعدة وداعش، وهو ما شهدناه من إسناد جوي وأسلحة أمريكية وبريطانية عليها ختم وزارة الدفاع السعودية لدى تلك التنظيمات عند تحرير الجيش واللجان الشعبيّة لمنطقة قيفة ويكلا القريبتين من مارب قبل أشهر، فكيف هو الحال بالفضائح التي ستلحق بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والسعودية في ظل ما تمليه القرارات الدولية من التزام الدول بعدم دعمها لتلك التنظيمات في حال تحرير مارب؟
ويشير الدكتور الرميمة إلى أن التنظيمات الإرهابية المجرمة التي هربت من قيفة ويكلا لاذت إلى مأرب، وهي لا تُخفِي مقاتلتَها بجانب ما يسمى قوات الفارّ هادي المدعومة من السعودية وأمريكا وبريطانيا، وقد أعلنت في بيان مشاركتها الرسمية في مأرب ضد الجيش واللجان الشعبيّة، مؤكّـداً أن التوجُّـهَ الحالي للإدارة الأمريكية في المرحلة المقبلة هو إحياءُ داعش من جديد في سوريا والعراق ولبنان كما صرح بذلك السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، واليمن ليس استثناء من هذا المخطّط؛ لذلك فتحرير مأرب هو ضربة قاصمة لهذا المخطّط ويأتي كذلك بعد الضربة التي تلقاها في قيفة ويكلا.
لا عزاءَ لأمريكا
بدوره، يوضح أُستاذ العلاقات الدولية بجامعة صنعاء، مدير تحرير مجلة مقاربات سياسية، الدكتور سامي محمد السياغي، أن ما يزعج أمريكا في حقيقة الأمر هو أن ذلك التقدم وقرب عودة مأرب إلى حضن الوطن يعد بمثابة المؤشر الأقوى والأبرز على الحقيقة الاستراتيجية التي تصر أمريكا وحلفها العدواني على تجاهلها منذ سنوات، ألا وهي حقيقة مدى التحول الهائل في موازين القوى لصالح القوى المواجِهة للعدوان بقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي.
ويشير السياغي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” إلى أن تلك الحقيقة تعد بمثابة كلمة السر التي يمكن من خلالها التعامل مع المِلف اليمني بصورة مُجدية وقابلة للتنفيذ، ومن المنطقي أن يكونَ لذلك التعامل موجبات ومعطيات تتواءم إلى حَــدٍّ مقبول مع متطلبات توازن القوى الراهن.
ويضيف أُستاذ العلاقات الدولية بجامعة صنعاء بقوله: “لذلك من الطبيعي أن تنزعج أمريكا من تقدم أبطال الجيش واللجان الشعبيّة في مأرب؛ لأَنَّها تريد أن تتعاطى مع ملف إحلال السلام في اليمن من المنطلقات نفسها التي تبنتها مع حلفائها عند تدشين عدوانهم على اليمن بناء على قاعدة تبرير التدخل والعدوان وَفرض التبعية والاستسلام”، منوِّهًا إلى أن أمريكا لم تستوعب بعدُ أن أي دور لها في الملف اليمني لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال الوفاء باستحقاقات السلام الواقعية والمنصفة للأطراف كافة، وأن أنصار الله وقوى الشعب اليمني المقاوم بتضحياتهم وتطلعاتهم ومشروعهم القرآني لا يمكن أن يتم التعامل معهم كعمولة تيسير على طاولة إحلال السلام في اليمن، فأُولئك بثباتهم وعنفوان إيمانهم قد عززوا مواقع أقدامهم على خارطة اليمن فعلاً وفكراً، وها هم يدقون على أبواب آخر الملاذات في المحافظات الشمالية لقوى الارتزاق والعمالة ومشغليهم من دول العدوان.
وفي واقع الحال لا عزاء لأمريكا مع قرب عودة مأرب لحضن الوطن، وحبذا أن يكون انزعاجها محطة مناسبة لإعادة حساباتها بصورة شاملة إزاء اليمن وقيادته الثورية، والكلام للدكتور السياغي.
ويعتقد السياغي أنه من المنطقي لإدارة بايدن وهي تبحث عن إمْكَانية منحها موطئ قدم في ملف السلام في اليمن أن تدرك تماماً أن معركة تحرير مأرب ليست محاولة لتحسين موقف صنعاء التفاوضي، بل إنها المعركة الأم في مسار طويل من التخطيط الاستراتيجي عالي المستوى الذي رسمته قيادة الثورة منذ بداية العدوان، وفصلٌ جديدٌ من فصول ملحمة الخيارات الاستراتيجية التي تضمنت العمل المقاوم من خلال إسقاط الذريعة وتحري حسن الإعداد، وفق مفهوم الاستطاعة وحدود الحاجة والصبر الاستراتيجي واتّقاء الشطط وتفعيل مبدأ التناسُب في رد الفعل دون تجاوز المبادئ الدينية والأخلاقية والإنسانية، لافتاً إلى أن من مصلحة أمريكا الاهتمامَ بالبحث في معطيات وموجبات التعامل مع توازُنِ القوى على الساحة اليمنية والإقليمية في الوقت الراهن، عوضاً عن إضاعة وقتها في الحديث عن معركة تحرير مأرب؛ باعتبَارها شأناً خالصاً لأصحاب الشأن في صنعاء.
النفطُ رأسُ الاستراتيجية الأمريكية
إن الانزعاجَ والتداعي الأمريكي الكبير تجاه التحولات التي تحصل في معركة مأرب تحديداً ليس له تفسيرٌ سوى أنه يؤكّـد أهميّةَ هذه المعركة الاستراتيجية، ومفصليةَ أبعادها ونتائجها التي ستغير قواعدَ الحرب والعدوان على اليمن بالكامل.
ويؤكّـد الباحثُ العسكري زين العابدين عثمان أن مأرب ليست منطقةً جغرافيةً عاديةً، بل هي من المحافظات اليمنية التي تمثل عمقاً حيوياً غنياً بالنفط والغاز الطبيعي، وهي من أهم المحافظات اليمنية الغنية بالنفط التي تربُضُ على بُحَيرة من النفط (منطقة المثلث الأسود بالمحافظات الجوف، مأرب وشبوة).
ويقول عثمان في تصريح لصحيفة “المسيرة”: إن النفط يقف على رأسِ استراتيجية الهيمنة الأمريكية، ويمثل أهم أولوية تسعى أمريكا لتحقيقها والسيطرة عليها في كُـلّ دولة، فهناك مثلاً في وطننا العربي سوريا والعراق وليبيا ودول الخليج تخضع كُـلّ ثرواتها النفطية تحت تصرف أمريكا وفي تصرف أطماعها وأجنداتها الاقتصادية.
ويوضح الباحثُ العسكري زين العابدين عثمان أن اليمنَ بما يمتلكه من رصيدٍ حيوي ومناطقَ حيويةٍ كمحافظة مأرب هو في طليعة هذه الأطماع، والمعركة المفصلية التي تجري في مأرب حَـاليًّا لا يُستغرب أن تشكل مصدرَ ازعاج وسخط للأمريكي؛ لأَنَّها تمس أطماعه وتهدم مشاريعه في شفط ثروات اليمن وكذلك مصدر قلق ورعب؛ لأَنَّ الذي يريد تحريرها هم الجيش واللجان الشعبيّة الذي ترى أمريكا بأنهم قوةٌ صاعدة ومصدر يشكل خطراً استراتيجياً وعسكريًّا يزعزع مشاريعها ويهدّد أطماعها في اليمن، مُضيفاً أن تحرير مأرب يمثل ضربةً قاصمةً لمنظومة أطماع أمريكا في نهب ثروات اليمن النفطية ورفع يدها إلى الأبد من على أهم وأغنى محافظات اليمن، كذلك هي تمثل في الاتّجاه الآخر نقطةَ تحوُّلٍ كبيرة في دفع اليمن لاستثمار ثرواته وزيادة مستوى نهوضِه عسكريًّا واقتصاديًّا.