السعوديّة حين تتعلَّقُ بقشة البعير
عبدالرحمن مراد
كان إعلانُ السعوديّة للمبادرةِ من السذاجةِ كالقشة التي تريدُ بها أن تقصمَ ظهرَ البعير -وحين أقولُ ظهرَ البعير فأنا أعي تماماً المفردات التي هي الأقربُ إلى البيئة الصحراوية النجدية- هذه القشةُ لن تقصمَ ظهرَ البعير؛ لأَنَّها خارجَ منطق الحرب والأشياء كلها، فمن المعيبِ على أهل اليمن أن ينساقوا إلى سرابٍ بقيعةٍ يحسبونه هم ماءً ولا نراه في اليمن إلا سراباً، فنحن في اليمن حين قرّرنا خوضَ المعركة كنا نعلمُ ماذا نريد؟ وما هي النتائجُ التي نريدُ الوصولَ اليها؟، ولذلك لا نرى الرماد إلا رماداً ولن ننساق إليه، بل قادرون على إشعال جمر الغضا بعزةِ المؤمنين وثبات المجاهدين، لم نرق دماً على تراب أرضنا إلا طمعاً في العزة والحرية والكرامة والاستقلال وما سوى ذلك فليس من أهدافنا ولن يكون.
لو تعي السعوديّةُ وهي تعلنُ بيانَها أن مفرداتِ الواقع قد تغيَّرت لما أقدمت على ذلك الإعلان الهزيل، ولما أنفقت على شركات العلاقات العامة الدولية المبالغَ الكبيرة في الترويج له، حتى تعيدَ ترميمَ ما تصدَّع في بنيان التصورات الجمعية بصيغة أقل ما يمكنُ أن يقال عنها هو الغباء القاتل الذي يتجاوز حقائق الواقع ليعيش وهما غير مبرّر ولم يعد الواقع يقبله.
العالمُ أصبح على يقينٍ مطلقٍ أن الحربَ التي تدور رحاها في اليمن ليست بين يمنيين بل بين السعوديّة وأهل اليمن، وإن كانت جنّدت بعضَ أهل اليمن لخوض المعركة إلا أن ذلك لا ينفي حقائقَ الواقع ولا يلغي جوهرَ الحقيقة.
نحن في اليمن ندركُ إدراكاً كاملاً أن السعوديّة تشن عدواناً علينا بالنيابة عن أمريكا وعن ربيبة أمريكا إسرائيل وما يفصح عنه الواقع اليوم في الجزر اليمنية، وفي مضيق باب المندب، وفي الموانئ والمنافذ البحرية ليس بخافٍ على كُـلّ ذي لب سواء من أهل اليمن أَو من غيرهم، إذ لا مصلحةَ للسعوديّة في هذا العدوان ولا للإمارات أَو من لفَّ لفَّهم، كُـلُّ المصالح المرسلة والمصالح المحقّقة من نتائج العدوان هي لأمريكا في صراعِها مع الصين، وهي لإسرائيل في صراعها مع العرب، ولذلك كان التطبيعُ ثمرةً من ثمار حركة الاضطرابات في اليمن وفي المنطقة العربية على وجه العموم.
اليوم تعلنُ السعوديّة هزيمتَها الأخلاقية، وعدمَ قدرتها على قيادة العالم الإسلامي وهي تنساقُ كالبقرة الحلوب لتبلُغَ من العرب ومن المسلمين الغاياتِ التي تعذرت على اليهود وعلى أمريكا في الزمن القديم، ونحن نعلمُ كم أنفقت أمريكا حتى تصلَ لتلك الغايات، وها هي تصلُ اليومَ دون أن تنفقَ سنتاً واحداً، بل تتباهى بأنها استطاعت أن تجعلَ أعداءَها يقتلُ بعضُهم بعضاً ويديرون حربَها بالوكالة عنها.. أليس ذلك هو الغباء المطلق حين تصبح مطيةً يصل من خلالها عدوك إلى غاياته وتحسب حينها أنك تحسن صنعاً؟!.
لقد خُضنا معركتَنا المصيريةَ ونحن نعي أهدافَنا تماماً وهي لا تقلُّ عن الحرية والسيادة والاستقلال، ولذلك فالتضحيات لن تكونَ هباءً منثوراً، بل حرية واستقالٌ وسيادة على كامل الأراضي اليمنية، وعلى السعوديّة أن تعي حجمَ التحول في هذا المسار، فلم يعد الأمر قابلاً للنقاش، كما أن المقايضة بالمِلف الإنساني في مقابل الملف العسكري هو في حَــدِّ ذاته إعلانٌ بالهزيمة وإن جاءت مغلفةً تحت لافتات السلام، فالسلامُ قيمةٌ في ذاته، والانتصارُ لا يكونُ بالصغائر بل بالقدرات التي تفرضه ونحن أصبحنا نملِكُ تلك القدرات وقادرون على فرضِه بما يحقّقُ استقرارَنا وأمنَنا واستقلالَنا وسيادتَنا على كامل أراضينا.