تدمير وسرقة الآثار اليمنية.. عدوان أمريكي نازي
المسيرة: محمد الكامل
خضعت المواقعُ الأثريةُ والتاريخية اليمنية للقصف والتدمير الممنهج من قبل العدوان الأمريكي السعوديّ على مدى السنوات الست الماضية وبأُسلُـوب حاقدٍ، سواء في العاصمة صنعاء أَو بقية المدن الأُخرى.
ولم يقتصر الأمرُ عند هذا الحد، بل سعت دولُ العدوان ومنذ أن وَطِئت أقدامُها المحافظاتِ المحتلّةَ إلى تغيير معالم التاريخ والجغرافيا، فادعت دويلة الإمارات تبعية أرخبيل جزر سقطرى لها وسرقت منها أشجار دم الأخوين التي لا توجد سوى بهذه الجزيرة اليمنية والمحمية ضمن قائمة التراث العالمي، كما سرقت الطيور والنباتات النادرة والأحجار والشواطئ والتربة من هذه الجزيرة.
وفي هجوم آخر على الآثار في اليمن، أقدم مرتزِقة العدوان خلال السنوات الماضية على تهريبِ القطع الأثرية عبر دول العدوان حتى وصلت القطع الأثرية إلى متاحف دول العدوان ومحلات ومراكز المزاد العلني في دول أُورُوبا وأمريكا، وهي معروفة على أنها يمنية والمناطق التي نُهبت منها والحقب الزمنية التي ترجع إليها.
آثار اليمن ليست وحدَها المسروقة، بل وصل النهبُ واللصوصيةُ إلى المخطوطات اليمنية النادرة والأصلية، وشهدت تهريباً ونهباً وبيعاً بالمزادات العالمية، فكثيرةٌ من المراكز المتخصصة بالتراث بدول أُورُوبا كبريطانيا وفرنسا وبلجيكا تحوي مخطوطاتٍ يمنيةً نادرةً تم تهريبُها عبر عصابات متخصصة وعبر أدوات العدوان السعو صهيو أمريكي.
إذا، لقد سلك العدوانُ في حربه على الآثار اليمنية والمواقع التاريخية مسارين، فالأول كان عن طريق الاستهداف والتدمير المباشر بالغارات العنيفة، والثاني عن طريق النهب المنظم والمفضوح كما هو حاصل في المحافظات الجنوبية المحتلّة، عن طريق مرتزِقة العدوان.
سُــرَّاقُ الآثار
توجيه الاتّهامات لدول العدوان بسرقة الآثار اليمنية لا يأتي من طرف صنعاء فحسب، وإنما وصل إلى وسائل الإعلام الدولية، فقد نشر موقع “فرانس. تي في. أنفو” الفرنسي في فبراير الماضي تحقيقاً صحفياً كشف فيه عن عملية نهب لتمثال يمني قديم تم تحديد مصدره الأصلي وهو معبد يمني، وتم عرض هذا التمثال في متحف فونتينبلو عام 2018 ثم بعد عام عرض في متحف طوكيو الوطني، كجزء من مقتنيات مجموعة الشيخ حمد آل ثاني، ابن عم أمير قطر.
ونقل التحقيق الفرنسي قول الباحث جيريمي شيتكاتي: إن سقوط الوعل البروزني في أيدي المجموعة المملوكة لحمد بن جاسم آل ثاني “كان إثر عملية نهب تعرض لها معبد يمني نتيجة الوضع الفوضوي الذي تشهده اليمن”.
ويؤكّـد مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية بالهيئة العامة للآثار، عبد الكريم البركاني، أن تمثال الوعل بحجمه الطبيعي للإله عثتر إله الشمس والقمر والمطر والخصوبة تمت عملية تهريبه من مرمية هجر العادي حريب بمأرب ويتبع مملكة قتبان500 قبل الميلاد، وهو الآن في يد أحد أمراء قطر المدعو حمد بن جاسم آل خليفة المليونير القطري، منوِّهًا بقوله: بدأنا تجميع الملف القانوني للمطالبة المشروعة لإعادة هذا التمثال عبر القنوات الدبلوماسية وَإذَا لم يرتقِ الأمرُ في إعادته إلى موطنه الأصلي اليمن سيتم استخدام الطرق القانونية في رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية لاستعادته بتوجيهات القيادة السياسية بصنعاء ومعنا الشعب اليمني كذلك.
ويقول مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية بالهيئة العامة للآثار، عبدالكريم البركاني: إن قوى العدوان الأمريكي السعوديّ قد جنّدت ضعفاءَ النفوس من المرتزِقة لنهب وسرقة الآثار اليمنية، ويسرد البركاني ما حدث من قصف لمتحف ذمار الإقليمي، حَيثُ كان بداخله 12400 قطعة أثرية وَكانت معروضة في صالات العرض للجمهور، لكن تلك القطع تناثرت بعد الاستهداف في أرجاء المكان وصارت عُرضةً للنهب والسرقة.
ويوضح البركاني لصحيفة “المسيرة” أن هذا فعلٌ إجراميٌّ ارتكبته قوى العدوان؛ مِن أجلِ سرقة القطع الأثرية وضياعها، حَيثُ عمدت العصابات التي تعمل مع دول العدوان على نهب المواقع الأثرية واستخراج قطع أثرية بطريقة غير قانونية وتهريبها إلى دول العدوان، مستغلين ضعف أداء حكومة المرتزِقة في الحفاظ على تراث البلد، بل وسهلت لهم استملاك قطع أثرية صاروا يروّجون لها في الكثير من دور المزادات العلنية في بعض دول العدوان أَو دول أُخرى لها مصالح معها على مرأى ومسمع الكل ولا يخفى هذا الأمر على الجميع.
ويؤكّـد البركاني أن الهيئة العامة للآثار رصدت الكثير من تلك المزادات وحصلت على صور تلك القطع، وأنهم سيعملون وبالتنسيق مع إنتربول صنعاء على الإبلاغ عن تلك المفقودات ليتم ضبطها وإعادتها إلى موطنها الأصلي اليمن، مستغرباً من التنسيق بين حكومة المرتزِقة والنظام الإماراتي والسعوديّ على سرقة الآثار اليمنية والإتجار بها على طبق من ذهب في ظل صمت مطبق من قبل المرتزِقة..
وتشتهر الإماراتُ العربية المتحدة أحد أبرز دول العدوان على بلادنا بسرقة الآثار اليمنية، ولا سيما في المحافظات اليمنية المحتلّة كجزيرة سقطرى ومحافظة حضرموت.
وَيقول وزير السياحة، أحمد العليي: إن دولَ العدوان تفتقرُ إلى تاريخ وحضارة تصلُ حَــدَّ ما تزخر به اليمن تاريخاً وآثاراً، وبالتالي وجدت من العدوان وتواجدها في أكثر من مكان من وطننا الغالي فرصةً ثمينة وتاريخية ربما لن تتكرّر لنهب آثارنا تحت صمت من يدّعون “الشرعية”، إذ أثبتت الأحداث وست سنوات من العدوان والاحتلال قيام المملكة العربية السعوديّة والإمارات بسرقة الكثير من الآثار سواء من مأرب أَو شبوة وتعز وجزيرة سقطرى وحضرموت… إلخ، على مرأى ومسمع ممن يسمون أنفسهم بـ “الشرعية” الذين لا يستطيعون لهم الاعتراض؛ كونهم مُجَـرّد مرتزِقة وعملاء ارتهنوا للخارج وفرَّطوا بوطنهم وبترابه المقدس، وتحولوا إلى أحذية لدويلات العدوان الأمريكي السعوديّ، وفقدوا أي قرار لهم، فكيف لهم أن يعترضوا على من يسرق الآثار من فوق الأرض وقد باعوا الأرضَ وما عليها وما في باطنها من ثروات؟!، وبالتالي فَـإنَّ حكومة فنادق الرياض لا تملك من أمرها وقرارها شيئاً سوى التسليم وبيع أرضها وعرضها للمحتلّين والغزاة والكلام لوزير السياحة بصنعاء أحمد العليي.
ويتعمّد الاحتلالُ الإماراتي في سقطرى على نهب معظم الآثار التاريخية في “حديبو” ومناطقَ أثرية أُخرى، ومن بينها القِباب التاريخية لمساجد يعود تاريخُها إلى قبل 750 سنة، وتحوي مخطوطاتٍ نادرةً متعلقةً ببداية الدعوة الإسلامية، وآثار أُخرى.
تدميرٌ ممنهج
وإلى جانب ما تتعرَّضُ له الآثارُ اليمنيةُ من سرقة من قبل أمراء قطريين، فَـإنَّ العدوانَ الأمريكي السعوديَّ قد استهدف بشكل متعمد الكثيرَ من المواقع التاريخية والأثرية في بلادنا خلال السنوات الست الماضية.
وتعرضت مدينة صنعاء القديمة للقصف مرتين، وتأثرت معالمُها القديمة وَمساجدها وحمّاماتها ومبانيها المشيدة بالطوب الطيني، ونوافذها المميزة بشكلها المحدب وأُطُرُها المصنوعة من الجبس، نتيجة هذا القصف، كما تعرضت المدينة القديمة في محافظة صعدة لنفس هذا التدمير، إلى جانب السد القديم في محافظة مأرب، والمدينة التاريخية براقش، والأضرحة القديمة الموجودة في محافظة حضرموت، وغيرها من المواقع الأثرية في مختلف المحافظات اليمنية وهي كلها خسائر دائمة ولا يمكن تعويضها.
ويتحدَّثَ بحسرة عن هذا التدمير وزير السياحَة أحمد العليي، مؤكّـداً أن اليمنَ تحوي على آثار لا نظيرَ لها في العالم، نتيجة لحضارة قامت عليها الأزمنة القديمة والمتعاقبة وتكاد دويلات العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن أبعد ما تكون عن امتلاك مثل تلك الحضارة ومخزونها من الآثار التي تحكي عن تاريخ حافل بالعلوم والصناعة والرقي والإنجاز وكل ذلك جعلهم يصبُّون جَامَ غضبِهم على اليمن من خلال استهدافهم لمجمل المواقع الأثرية التي تتحدث عن الموروث الحضاري الإنساني العظيم لليمن وذلك بالقصف المباشر والمركز.
ويؤكّـد العليي لصحيفة “المسيرة” أنه وضمن أجندة وأهداف دويلات العدوان هو التدمير والقضاء على كافة المصادر الوطنية التي تسهم في الدفع بالعجلة الاقتصادية وتدعم الاقتصاد الوطني اليمني لعدم تحقيقِ أماني وتطلعات شعبنا اليمني الكريم في التنمية والبناء.
ويشير الوزير العليي إلى أن قطاعَ السياحة تعطّل تماماً جراء العدوان على اليمن واستهداف مواقعه الحضارية وتحديداً السياحة الوافدة التي كانت تدر على البلاد ملايينَ الدولارات وتسبب مداخيل مالية وفرص عمل لآلاف الأسر التي كانت تعملُ في مجمل الأنشطة السياحية قبل العدوان، مع تعطيل وتوقف آلاف الإنشاءات السياحية التي كانت تقدمُ خدماتِ الإيواء أَو الطعام وتعطيل كافة العاملين فيها، وهم أَيْـضاً بالآلاف ويعولون أسرهم.
حضاراتٌ مختلفةٌ لآلاف السنين
وتأتي قيمةُ اليمن التاريخية؛ كونها أرضاً ازدهرت عليها حضارات مختلفة امتدت لأكثر من أربعة آلاف عام، وبها شواهدُ وآثارُ على الحقب المختلفة التي مرت على أرضه منها السدود والقصور والمعابد والأسوار والتماثيل والمساجد والقلاع والحصون وغيرها.
وإذا كان الأمر كذلك، فَـإنَّ السعيَ لمسح اليمن عبر قصفها لن يؤدي لمحو ماضيها المجيد، أَو يمنح السعوديّة ما لم تمتلكه أبداً عبر عدوانها على اليمن الذي دخل عامه السابع.
وفي هذا الشأن، يقول مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية بالهيئة العامة للآثار، عبد الكريم البركاني: إن العدوان الأمريكي السعوديّ قد استهدف البنية الثقافية للجمهورية اليمنية والمتمثلة بالتراث الثقافي اليمني الثابت والمنقول والمدن الأثرية والتاريخية والمراكز الثقافية، وهذه الأمور تعد مخالفةً للمواثيق والمعاهدات الدولية التي تنهى عن استهداف مواقع التراث سواء في السلم أَو الحرب.
ويشير البركاني لصحيفة “المسيرة” إلى أن قوى العدوان تعلم أن اليمنَ أصل الحضارة العربية وأصل العروبة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، وبالتالي يريدون أن يمحوَ الهُــوِيَّة التاريخية والحضارية لليمن وهم يدركون أن اليمنَ وممالكَه القديمة حكمت شبهَ الجزيرة العربية، ولكنهم بلا هُــوِيَّة ولا تاريخ، ومن لا تاريخ له لا أصل له ومن ليس له ماضٍ لا حاضر له، وليس بغريبٍ أنهم مصرون على استهداف المعالم التاريخية والأثرية؛ لأَنَّها تمثل تراثاً إنسانياً ليس لليمنين فقط بل للإنسانية والأمة جمعاء، كما أنها الهُــوِيَّة لكل مواطن يمني.
ويبيّن البركاني أن العدوان الأمريكي السعوديّ يركّز حربَه على مقدرات الوطن الثقافية والسياحية؛ لأَنَّ الآثارَ والسياحة مقترنان ببعضهما، وهما عماد الاقتصاد الوطني التي تخطط له الدولة في المستقبل، وكلاهما رافدٌ قوميٌّ للاقتصاد الوطني، وبالتالي عملوا على هذا الأمر لإضعاف اليمن اقتصاديًّا وثقافيًّا وسياحيًّا، كما دمّـروا الكثيرَ من المعالم الأثرية والتي كانت اليمن قد انتهت من تهيئتها سياحياً وأنفقت عليها مبالغ طائلة لإعادة ترميمها وتهيئتها سياحيا وأصبحت مزاراتٍ لكل اليمنيين والأجانب الوافدين لليمن سياحياً، استهدفوا المدن التاريخية والمدرجة ضمن قائمة التراث العالمي، متحدين المواثيق والمعاهدات والبرتوكولات الدولية التي تجرم استهداف مواقع التراث.
وبعد تفحص هذا القدر غير المنطقي لاستهداف المواقع الأثرية من قصف طيران تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ أَو نهبها وتهريبها عبر مافيا وعصابات تتبعهم، قد يتساءل المرءُ عن حجم الدمار وعددِ المواقع اليمنية الأثرية التي تدمّـرت جراء هذه الحرب، وما إذَا كان الدافع الحقيقي للحرب على اليمن، تماماً مثل الحقد الدفين السعوديّ ضد حضارة عظيمة هو حالة من الحسد العميق لعظمة موقع اليمن في التاريخ الإنساني.
وَيوضح مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية بالهيئة العامة للآثار، عبدالكريم البركاني، أن الهيئةَ العامة للآثار شكّلت غرفةَ عمليات للرصد والمتابعة لأية أنواع من الاستهداف للمعالم الأثرية التاريخية، وإلى اليوم ما تزال القائمة في تحديث مستمرٍّ.
ويشير البركاني إلى أنه تم استهدافُ ما يقارب 65 معلماً أثرياً وتاريخيًّا من قبل طيران العدوان وما يقارب 28 معلماً دينياً من قبل الجماعات الإرهابية وتنظيم داعش التي تشكلت بفعل الحرب التي تشنه دول العدوان على اليمن.