سبع عجاف أكلتهن سبعُ صمود ثابتات
أشجان الجرموزي
بعد الثانية عشرة من منتصف الليل، حدثت هزّات مفزعة، وانفجارات مُرعبة، وسماء تبدد سوادها وتوشحت بالحُمرة الملتهبة، وغيم عليها دخان قاتم، بات الأمر وكأنها قيامة صغرى تمهد ليوم الحساب، لكن سرعان ما اتضح الأمر، وظهرت الحقائق وتخضّبت أرض الإيمان بالدماء، لتعلن بدء تحالف أرواح شريرة ظاهرها السلام وباطنها الخراب والدمار، أتت لإبادة الكرامة؛ لنزع الحمية والشرف، سعت لأن تُخضِعَ عباداً لا يحتمون إلا بالله ولا يلجأون إلا إليه، ويتحصنون بثقافة القرآن.
أتى ذلك التحالف المزعوم بأمان كبيرة، وأحلام وردية فاقت خيال الاستعمار، لكن فجرُ الحقِّ بدّد أحلامَهم المنسية وأيقظَهم من غفلتهم، وظهر لهم أنهم لم يهجموا على قطيع خِرفان كأمثالهم، بل كانوا جحافلَ أسودٍ لا يهابون الموت ويتسابقون مع المنايا؛ لأَنَّ وطنَهم وكرامتهم وشرفهم وسيادتهم وعزّتهم وحضارتهم أغلى ما لديهم، فكانوا هم الأنصارَ والأبطال، وكانوا جنودَ الله الغالبين والمقاومين والمدافعين والمنتصرين، لم تضرهم المكائدُ والدسائس، ولم يثنهم شُحةُ العتاد والقدرات، ولم يمنعهم الخوف بأن يكونوا سادةَ الميدان وفرسانه.
لم يبالوا بحرارة الشمس أَو برد الشتاء، لم يعترهم اليأس، ولم يوهنهم الجوع والعطش، فقد أحبوا الله وتولوه وتوكلوا عليه؛ فكان اللهُ هو المؤيدَ والمعينَ والرامي والمسدد والناصر والنصير.
ومرت الأعوامُ، وتساقطت الرهاناتُ العميلةُ الواحدُ تلو الآخر، ولم تستطع أفخرُ الصناعات وأعتاها وأصلب الترسانات وأقواها أن تجابه رجالَ الله الميامين في أرض الحكمة والإيمان، حتى استطاع الشعُب الذي وُصِفَ بالفقير والنامي والضعيف، والذي لا حول له ولا قوة، والذي أرادوا إبادته عن بكرة أبيه أن ينافسَ أكبر الدول في التصنيع الحربي والعسكري، أن يصنع عزةَ ونصرَ هذا الوطن بأيدِي قوم مؤمنين، واستطاع بفضل الله أن يرفع راية وطنه عاليًا، فهو صاحب الحق، وصاحب الأرض، وما دونه غزاة تلتهم أرضُ الكرامة أجسادَهم..
هَـا هو اليوم الشعب اليمني أحيا ذكرى ستة أعوام من الصمود في وجه أعتى طواغيت الأرض، ودخل عام صموده السابع بقوة وعزيمة لا مثيل لها وإصرار لتطهير كُـلّ شبر من أرض اليمن الحبيب من رجس ودنس الغزاة والمحتلّين وأذنابهم وأذيالهم من المرتزِقة والعملاء، واستطاع اليمن بفضل الله وحكمة قيادته وسواعد أبطال جيشه ولجانه تحويلَ سير المعارك استراتيجياً في التصنيع الحربي والعسكري والدفاع الجوي وأن يكون الرد بالمثل، فمن اعتدى علينا سنعتدي عليه..
عامنا السابع كان استقباله بالسعير والوعيد وتحصينه بالرجوم والراصد وضياؤه بالشهاب والنكال، وأرهب العدوَّ بالصمَّاد، ووزان موازين الحرب بالصراط، وهكذا هم اليمانيون نحتوا النصرَ بأكفهم، وتشربوا العزة والسيادة بصمودهم، تلقفوا إفكَ ما يدِّعي به العدوان، صاروا خصوماً لا يستهان بهم، وأصبح العدوّ مترقباً مذعوراً يبادر بالبحثِ عن حَـلٍّ عَلَّــــه يُجدِي نَفعاً أَو أن تهدأ نيرانُ المسيَّرات والبالستيات الملتهبة على أرضه، فقد دارت رحى الحرب الضروس لتطحنَ مَن قاموا بإشعالها، وللشعب العظيم وقيادته تنحني وتخر جِباهُ المستكبرين بعد أن صاروا يعضون أصابعَ الندم على أن سمحوا لأنفسهم بغزوِ مقبرة الغزاة، الذي البأس مِن على سواعدهم أنشد الحريةَ وارتدى ثوبَ العزة والإباء.