وعود بايدن تتساقط كأوراق الخريف.. واشنطن تعمّق العدوان والحصار على اليمن
- الدكتور فؤاد إبراهيم: حتى اللحظة ليست هناك بوادر مقنعة للجانب اليمني بأن أمريكا وحليفاتها الأُورُوبيات عازمةٌ على وقف شامل للعدوان
- رزق: السعوديّة وتحالفها على بلادنا صاروا رمزاً للفشل العسكري والإجرام والتوحش وقريباً سيخسرون آخر أوراقهم في شمال اليمن
- الرازحي: العدوان أُعلن من واشنطن والسعوديّة مُجَـرّد وسيط تنفيذي في العدوان الأمريكي على بلادنا
الحصار الاقتصادي المفروض على بلادنا منذ ستة أعوام تعاظم مع وصول بايدن إلى السلطة
المسيرة- عباس القاعدي
يُجمِعُ اليمنيون بأن العدوانَ على بلادنا هو أمريكيٌّ سعوديّ بامتيَاز، وأن واشنطن التي أُعلن العدوان منها لو أرادات إيقاف الحرب لتوقفت للتو.
لكن يظل التساؤل القائم: ما الذي دفع بالرئيس الأمريكي الجديد جون بايدن للإعلان بشكل متواصل عن رغبته بإيقاف الحرب على بلادنا، ولماذا لم تتوقف بالفعل، طالما هناك تحَرّك أمريكي على الأرض وتعيين مبعوث أمريكي جديد لليمن للقيام بهذه المهمة؟.
كل المعطيات تؤكّـد أن واشنطن تتعاطى مع مِلف العدوان على بلادنا بالأقوال فقط، في حين تظل الأفعال غير جادة نحو وقف العدوان ورفع الحصار على بلادنا.
ويؤكّـد عضو الهيئة الإدارية للرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، الدكتور فؤاد إبراهيم، أن ما ظهر من مواقفَ على الأرض لا تبشّر بتحوّل جوهري في السياسة الأمريكية فيما يتصّل بمِلفات المنطقة عُمُـومًا على الرغم من إطلاق إدارة بايدن حزمة وعود انتخابية في عدد من الملفات الداخلية والخارجية.
ويضيف الدكتور إبراهيم خلال فعالية نظمتها الرابطة قبل أَيَّـام بعنوان “اليمن يدحر العدوان الأمريكي السعوديّ” أنه وبسبب غياب آلية فاعلة لاختبار صدقية الدعاوى الأمريكية سواء على مستوى وقف بيع الأسلحة الهجومية للسعوديّة، أَو معالجة الأزمة الإنسانية، فَـإنَّ شهادة المتضررين من الشعب اليمني تشكل المعطى العملاني الوحيد.
وحول ما توفر من معلومات عن مقاربة إدارة بايدن للملف اليمني يؤكّـد الدكتور إبراهيم أن هذه الإدارة لا تزال تمسك بقرار الحرب والسلم، وأنها هي من يفاوض نيابة عن دول العدوان على اليمن بقيادة السعوديّة، حَيثُ تضمنت المعلومات أن الحصار الاقتصادي المفروض على اليمن منذ ستة أعوام تعاظم مع وصول بايدن، وكذلك القصف الجوي والعمليات العسكرية، موضحًا أن السعوديّة في مأزق، وتريد خروجًا لائقًا بها من الوحل اليمني، ولكنّها ليست الطرف الذي يقرّر نهاية الحرب كما لم تقرّر بدايتها.
ويوضح الدكتور فؤاد إبراهيم أن إدارة بايدن الجديدة تميل إلى الجمع بين نهج أوباما ونهج ترامب؛ مِن أجلِ استثمار الفرص الاقتصادية والاستراتيجية في منطقة الخليج، وإعادة تفعيل الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعوديّة التي أُعلن عنها أول مرة في الرابع من سبتمبر 2015 في زيارة الملك سلمان مع ابنه المهفوف ولي العهد حَـاليًّا (ولقاء القمة مع الرئيس الأسبق باراك أوباما)، هذه الشراكة التي قطف ثمارها الأولى الرئيس السابق ترامب في الرياض بتوقيع اتّفاقية الشراكة الاستراتيجية بقيمة 420 مليار دولار.
ومع تكشّف البراغماتية الأمريكية، يؤكّـد إبراهيم أن وعود بايدن بدت كأوراق خريف تساقطت الواحدة تلو الأُخرى، وعاد إلى التمسّك بتقاليد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وتشمل الدفاع عن الأنظمة الشمولية، وعلى رأسها السعوديّة.
ولهذا ومع التحول الاستراتيجي الكوني ولحظة الإنذارات المبكرة التي أطلقتها تقاريرُ مجلس الاستخبارات القومي (National Intelligence Council)، لا سِـيَّـما تقريره الأخير حول الاتّجاهات العالمية2030 بعنوان العوالم البديلة الذي يؤكّـد ما ذكره في تقريري استشرافيين 2020 وَ2025 لناحية انتقال ثِقلِ العالم من الغرب إلى الشرق وصعود قوى جديدة مثل الصين وروسيا والهند وتركيا وإيران وغيرها، يقول الدكتور فؤاد إبراهيم: لا تنوي الولايات المتحدة التخلي عن الأنظمة الوظيفية التي رعتها لعقود، وتحمّلت نيابة عنها مهمات كبرى سواء إبان الحرب الباردة أَو بعدها، وعليه، فَـإنَّ واشنطن ليست في واردِ رفع الغطاء عن أيٍّ من مشيخات الخليج؛ كونها جُزءاً من رأسمال الولايات المتحدة الاستراتيجي في مواجهة الصين وروسيا وإيران، خُصُوصاً أن التنسيق بينهما قد عاد كما السابق، وسوف تشهد الشهور القادمة تطوّراتٍ لافتةً على مستوى العلاقات بين البلدين أمريكا والسعوديّة.
وعلى مستوى المبادَرة السعوديّة للتسوية في اليمن، يقول الدكتور إبراهيم: على الرغم من البُعدِ الاستعلائي فيها، وحالة الإنكار العميقة لدى صنّاع القرار في السعوديّة، كما يظهر من بنود المبادرة، فَـإنَّ السعوديّةَ ومُجَـرّد تقديمها “مبادرةَ” تسوية هي تذعنُ بطريقةٍ مباشرةٍ إلى حقيقة كونها فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية، وأن عليها الدخول في مسارٍ تفاوضي، منوِّهًا إلى أن هذه المبادرةَ ليست صناعةً سعوديّة، بل أمريكية ظهّرت سعوديّاً بصفتها المعنيةَ التنفيذية بالحرب والعدوان على اليمن، ولا كأنها هي من أعلنت الحرب من واشنطن، وشكّلت تحالفاً عربياً لها، وهذا دليل واضح على الهزيمة، حَيثُ أصبحت السعوديّة في مأزق حقيقي وتريد الخروجَ منه بأي شكل.
ويتطرق الدكتور إبراهيم إلى أن المفاوض اليمني له تقديرُهُ الخاصُّ بخُصُوصِ نية واشنطن والأطراف الدولية المعنية بالحرب، وأن الشروطَ التي تمليها على الجانب اليمني كفيلةٌ بالكشف عن جديّة الدعوة إلى وقف الحرب، مبينًا أنه حتى اللحظة ليست هناك بوادر مقنعة للجانب اليمني بأن الولايات المتحدة وحليفاتها الأُورُوبيات عازمة على وقف شامل للحرب يبدأ بوقف العمليات العسكرية ورفع الحصار، وأن الموفد الأمريكي لليمن لم يقدّم طرحاً جدياً، وكل ما هناك هي إملاءات بوقف استهداف المنشآت الحيوية في المملكة السعوديّة، والنفطية خَاصَّة مقابل رفع جزئي للحصار عن مطار صنعاء وهذا في حَــدِّ ذاته مؤشرٌ على رغبة شبه مفقودة لإنهاء الحرب في اليمن.
العدوان ليس وليدَ الحظة
وفيما يخُصُّ تاريخَ العدوان والحروب على بلادنا، يؤكّـد الكاتب والمحلل السياسي حميد رزق، أن حروبَ النظام السعوديّ والوهَّـابية على اليمن ليست وليدةَ السنوات الست الماضية فقط، ولكنها قديمة منذ نشوء الوباء الوهَّـابي في نجد منذ أن تم زراعة الوهَّـابية في الجزيرة العربية، وكانت تجد نفسها على النقيض من اليمن واليمنيين، بل كانت ترى في اليمن هو التحدي الأَسَاسي لهذه الغثة المزروعة من قبل البريطانيين لأداء أدوار خطيرة تخدم الاستعمار.
ويضيف رزق قائلاً: منذ نشوء الوباء الوهَّـابي في القرن الثامن عشر وحتى اليوم والسعوديّة وتعبيراتها السياسية وآل سعود هم في صراع وعمل دؤوب لإضعاف اليمن والاستيلاء عليه، ولتحويل اليمن لمُجَـرّد ساحة وحديقة خلفية والحروب التي شنها آل سعود والوهَّـابيون على اليمن ليست حروباً عسكرية بحتة فقط، وكانت البندقية تستخدم عندما تعجز أساليبُ أُخرى كالتبشير التكفيري الوهَّـابي الذي استمر لعقود طويلة جِـدًّا، عندما كان يسقط أمامَ وعي اليمنيين، وعندما كان يفشل هذا الأُسلُـوب، كانت في بعض الأحيان تتحَرّك الآلات العسكرية مستندةً إلى أطماع ودعم قوى غربية واستعمارية لآل سعود والوهَّـابية في نجد والحجاز، إذن اليمنُ في تاريخه نقيضٌ للوهَّـابية ولآل سعود، واليمنُ أصيلٌ يُعَبِّرُ عن أُمَّـة وعن شعب.
وبعد هذه اللمحة الموجزة عن طبيعة النظرة السعوديّة إلى اليمن، يشير الأُستاذ رزق إلى الوضع القائم اليوم فيقول: إن الأعوام القليلة منذ العام 2002 حتى العام 2014 كانت حافلة بالمتغيرات الهائلة التي أعادت تفجير بركان الكرامة داخل الشعب اليمني، وأطيح بالوصاية السعوديّة في أيلول العام 2014 في ثورة عارمة قادها قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي حفظه الله، مؤكّـداً أن هذه الثورة أسقطت وصاية الأمريكيين وآل سعود على شعب الإيمان والحكمة، كما أفقدت الأعداء صوابهم، وأخرجت آل سعود عن القدرة على استيعاب ما يحدث في اليمن، وحاولوا تحريك الأدوات المحلية من أحزاب سياسية، ونظام سياسي عميل وتابع، والجماعات التكفيرية من قاعدة وداعش، ولكنهم فشلوا أَيْـضاً أمام هذه الثورة وقيادتها التي استطاعت أن تحرّر اليمن من أقصاه إلى أقصاه.
ويرى الأُستاذ رزق أن ثورة اليمن كانت مفاجئةً للسعوديّة وأمريكا كما كانت الثورة الإسلامية في إيران، حَيثُ كانت حساباتهم أن اليمن تحت القبضة الحديدية، ولم يكن لديهم أدنى مؤشرات على قدرة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي وقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي على استنهاض اليمنيين وقيادتهم والنجاح في هذه الثورة، مُشيراً إلى أنه في العام 2014 انتصرت الثورة، ووجدوا أنفسهم أمام واحدة من الحقائق المُــرَّة، ويمن مختلف تماماً، فما كان منهم إلا أن شنوا هذه الحرب الواسعة، ولكن اليمن صار مختلفاً برغم أن الإمْكَانات كانت ضعيفةً ولوضع كان ممزَّقاً في تلك المرحلة.
ويؤكّـد رزق أنه وبرغم من ضعف الإمْكَانيات اليمنية في مواجهة أمريكا والسعوديّة، خَاصَّة بعد تدمير الدفاعات الجوية إلا أن اليمن يتمتع بقيادة حكيمة وثورية ممثلة بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله-، والطليعة التي كانت تقود الثورة هي طليعة أنصار الله كانت أَيْـضاً نموذجاً مختلفاً ضرب مثالاً أُسطورياً في الثبات والتحدي، وكانوا طليعة الشعب اليمني الذي استنهض المجتمع وفجّر في داخله بُركان الكرامة والعزة والشوق إلى الاستقلال منذ عقود طويلة، فكان هذا الصمود وهذا الثبات الذي فضح الأعداء فضيحة إضافية، وهزمهم هزيمة إضافية.
ويشير رزق إلى أن اليمن اليوم دخل العام السابع من العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ، وأن آل سعود ومن معهم في وضع لا يُحسَدون عليه، وصاروا رمزاً للفشل العسكري والإجرام والتوحش، وفي القادم من الأيّام لا تزال هناك المزيد من المفاجآت، خَاصَّة أن محافظة مأرب تعتبر النطاق الجغرافي الأخير للعدوان الأمريكي السعوديّ وأدواته في المحافظات الشمالية في اليمن، وبخسارة هذا النطاق الجغرافي تكون السعوديّة قد خسرت الحرب عمليًّا بشكل كامل؛ لأَنَّه تاريخيًّا من حسم المعركة في شمال اليمن حسمها في اليمن كله، والمسألة مسألة وقت فقط، وتاريخيًّا كان اعتماد السعوديّة في اليمن على قوى شمالية وليس على قوى أُخرى، والقوى التقليدية في الشمال القبلية والعسكرية حتى الدينية كانت أدَاة السعوديّة دائماً للهيمنة على اليمن عُمُـومًا، وعندما تخسر السعوديّة آخر أوراقها في الشمال فهي تدرك أنها خسرت اليمن وإلى الأبد.
ويوضح رزق أن مأرب تعد عاصمة اليمن التاريخية والمحافظة الأكثر أهميّة في ما يخص وجود الثروات النفطية والثروات الغازية، وهي على تماس من السعوديّة، والقوى التقليدية ممثلة بالمرتزِقة الإخوان المسلمين عندما يسقطون في هذه المحافظة يكونون عبارة عن كارت غير ذي قيمة ولا وزن سياسي ولا تفاوضي، وهذا يشكل خسارةً إضافيةً للعدوان في ما يخص الاستحقاق السياسي وطاولة المفاوضات، فضلاً عن أن وضع العدوان في بقية مناطق اليمن خارج مأرب ليس بالقوة والمتانة التي وفّرها العملاء في هذه المحافظة، فالعدوّ يتمترس عمليًّا بقوة كبيرة جِـدًّا، ويخوض المعركة في هذه المنطقة على أنها معركة مصير، سواء السعوديّة أَو الأدوات في الداخل اليمني الذين يدركون ما يعني اندحارهم وسقوطهم من هذا الحيز، ومن هذه الجغرافية.
ويلفت رزق إلى أن المعركة ليست بالسهلة قائلاً: قطع الجيش واللجان شوطاً كَبيراً جِـدًّا، فاليوم نتحدث عن 14 مديرية تشكلها مأرب، 12 منها أصبحت محرّرة، وبقي مركَزُ المدينة والمناطق التي فيها النفط والغاز، والمعركة ليست عسكرية بحتة، بل يتداخل فيها البُعدُ الاجتماعي والبُعدُ القبلي، وهناك منشآت ونازحون ومدنيون، ما يجعل العمل على استعادة المحافظة يحتاج إلى حكمة وبصيرة وتقدم ثابت بما لا يعطي العدوّ فرصة الهيستريا والجنون ليصب جامَ حقده وغضبه على المدنيين والمنشآت الحيوية التي هي ملك الشعب اليمني في هذه المحافظة.
حضور فاعل
من جهته، يؤكّـد عضو الهيئة الإدارية للرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، الأُستاذ حمدي الرازحي، أن حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء استطاعت أن تحقّقَ حضورها الفاعل اجتماعياً من خلال تعزيز علاقة المجتمع اليمني بالقيادات السياسية وبشكل مغاير لما كان سائداً ومألوفاً في ظل الأنظمة السابقة التي حرصت وبشكل كبير جِـدًّا على زرع الفتن والحروب الداخلية في أوساط المناطق اليمنية، وكذلك تغذية الثارات القبلية التي كانت تنشأ بين قبائل اليمن لأتفه الأسباب، إذ كان الخائنان علي عبدالله صالح وكذلك علي محسن الأحمر هما من يتوليان تغذية هذه الصراعات حتى يتفرغا لنهب ثروات اليمن من جهة، وكي لا تستقر الأوضاع.
وعن وضع السعوديّة وتقديراتها، يوضح الرازحي أن السعوديّة كانت تراهن على رفع قميص عثمان تحت مسمى “الشرعية” وإعادتها، ولكنها أخطأت التقديرات، ولو أنفقت السعوديّةُ رُبعَ ما أنفقته على هذه الحرب والعدوان في إقامة بنية تحتية لليمنيين فَـإنَّهم لا يتنكرون للجميل ممن كان ومهما كان، ولكن السعوديّة هي من تنكرت لهذا الجميل، مُشيراً إلى أن رهان السعوديّة على الخائن هادي ومرتزِقته وحضوره الاجتماعي والسياسي يصبح رهاناً خاسراً في ظل تنامي الوعي، وكذلك توافد العديد من القبائل الجنوبية ودخولها تحت لواء وراية الحكومة في صنعاء، وكذلك الشخصيات القيادية سياسية كانت أَو ثقافية أَو اجتماعية وغيرها.
وفيما يتعلق بسيناريوهات المرحلة، يقول عضو الهيئة الإدارية للرابطة الأُستاذ الرازحي: هناك العديد من المتغيرات التي فرضتها طبيعة المعركة، وتحديداً التطورات الأخيرة التي حصلت في اليمن بشكل خاص والعالم بشكل عام والتي تفرض نفسها على الولايات المتحدة الأمريكية؛ باعتبَارها المعنيةَ في المقام الأول بالحرب على اليمن؛ باعتبَار أن الحرب أُعلنت من واشنطن، والسعوديّة مُجَـرّد وسيط تنفيذي في العدوان الأمريكي على اليمن.
كما أنه هناك العديد من المتغيرات التي فرضت نفسها على واقع الحال في السياسة العالمية، منها تصريحات رئيس المجلس التنفيذي لشركة أرامكو بأولوية الصين فيما يتعلق بأمن الطاقة ومحاولة لتوجيه صفعة كبيرة للولايات المتحدة، فضلاً عن أن مِلف اليمن معقد وشائك ومتداخل في أبعاده الأيديولوجية العقائدية؛ باعتبَار سعي تركيا والإخوان المسلمين والسعوديّة إلى الهيمنة على اليمن عقائديًّا، ومن الناحية السياسية اعتبار اليمن الحديقة الخلفية للسعوديّة، وصمام الأمان للهيمنة على الممرات المائية والاستراتيجية، ومن الناحية الاقتصادية؛ باعتبَار المخزون الكبير من النفط الذي تملكه اليمن.
وما خص السيناريوهات المحتملة، يشير الأُستاذ الرازحي إلى إن أبرز السيناريوهات التي نتوقع حصولها هو تنازل السياسة الأمريكية (وهذا ما يحصل حَـاليًّا) عن الغطرسة واللغة الاستعلائية ولاستكباريه في التعاطي مع الملف اليمني وقد تتخلى أمريكا عن السعوديّة وتقدمها ككبش فداء مع التحفظ على بعض الأشياء التي تحفظ لأمريكا بعد الامتيَازات الاقتصادية التي تتعلق بحجم الطاقة.
أما ما خَصَّ الوجودَ الصهيوني وحرصَه على التغُلغُل في القرن الإفريقي والمناطق الإفريقية للهيمنة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، يؤكّـد الرازحي أنه يصابُ بهزيمة منكرة وساحقة.
العدوان أمريكي
من جانب آخر، يتحدث الأُستاذ طالب الحسني وعن السيناريوهات المحتملة للعدوان على اليمن، مبينًا أن السعوديّةَ لن تخرُجَ من اليمن باتّفاق سياسي؛ لأَنَّها لا تريد توقيع اتّفاق سياسي تكون طرفا فيه، وبالتالي تتحمل تبعات الهزيمة وتبعات الحرب وتداعياتها، وتتحمل أَيْـضاً اللعنة التاريخية بالنسبة إلى الهزيمة، مع أن الجمهور العربي والدولي والإقليمي يدرك تماماً أن الحرب والعدوان على اليمن أمريكية سعوديّة.
وبخصوص مقاربة الإدارة الأمريكية والسعوديّة للعدوان على اليمن، يقول الحسني: إن أمريكا حَـاليًّا بإدارة بايدن ولديها مقارباتٌ مختلفة كليًّا عن المقاربات السابقة، والحقيقة أن هذه المقاربات لم تبدأ بالتغير الآن؛ لأَنَّها كانت لها علاقة بإدارة أوباما، ولهذا فأمريكا في العام 2015 اعتقدت كالسعوديّة أن العدوان على اليمن ستكون سريعةً، وهذا كان واضحًا بشكل كبير؛ ولذلك سمحت إدارة أوباما سابقًا أن يكون إعلان هذه الحرب والعدوان على اليمن من واشنطن، وهذا واحد من المؤشرات التي تقول إن أمريكا الرئيس الفعلي في هذه الحرب وهي من أعدت العدة وأعلنت الحرب والعدوان على اليمن، ولو كانت إدارة أوباما تعلم أن النتائج ستكون بهذه الصورة لما سمحت بإعلان هذه الحرب والعدوان من واشنطن، لكن هذه الصورة تغيرت بعد أشهر من العدوان، ولهذا رأت إدارة اوباما أنه لا بد من مقاربة مختلفة وضعتها في ما سُمِّيَ مبادرة جون كيري، لكن الوقت لم يكن متاحًا، وكانت الحرب في تلك الفترة شديدة.
ويشير الرازحي إلى أن السعوديّة كانت ولا تزال تضع الآمالَ على معطيات ميدانية، وعلى تحقيق مكاسبَ من خلال الوقت، ومن خلال الرهان على ضعف اليمن العسكري؛ بسَببِ الحصار والضربات العسكرية والكثير من المعطيات، ولم تتوقع القدرةَ العسكريةَ اليمنيةَ من الصناعات والتطور، وبهذا انتهت آمال السعوديّة وَفشلت الخارطة فشلًا ذريعًا؛ ولهذا كان هناك استدارة مبكرة من عهد أوباما، وهو ما وضعه في مبادرة كيري التي تنطلق من إلغاء الاتّفاق الدولي القرار 2216 الذي جاء بعد الحرب والعدوان بفترة وجيزة.
وحول ما يضعُه اليوم بايدن، يؤكّـد الرازحي أن بايدن يضع هذه المقاربة نفسها التي تقوم على الواقعية التي تعني أن الحرب على اليمن فشلت، وأن الخيار العسكري فشل، وأن التقديرات الأمريكية والسعوديّة التي كانت مقتنعة بوجود قوات برية قوية لصالح المرتزِقة وحاضنة شعبيّة قوية لصالح الخائن هادي، وحاضنة سياسية قوية يمكن أن تتحَرّك في الوسط الذي فيه القوى الوطنية، وبالتالي تخلط الأوراق، وهم انتظروا لفترة طويلة لأن تكون هذه الأوراق حقيقيةً؛ ولكن وجدوا أنها ليست حقيقية.
وبحسب الرازحي، فَـإنَّ إدارة بايدن اليوم تحاول الانطلاق من النقطة التي تقلل من الخسائر، فالرغبات والأطماع الأمريكية والسعوديّة في إعادة اليمن إلى الموقع الأمريكي والوصاية السعوديّة انعكست الآن وأصبح اليمن قوياً وأصبحت دول العدوان تنتابُها مخاوف من اليمن، مؤكّـداً أن هذا ما بدأنا نشاهده منذ العام 2019، عندما تم استهداف بقيق كضربة موجعة للسعوديّة، وهذا التوقف والشلل الكبير في النفط السعوديّ.
كما يؤكّـد الكاتب والمحلل السياسي الرازحي أن اليمن دخل في مرحلة ليس كسر الهجوم وصدّه فقط، وإنما الإضرار بالطرف الآخر، وبالتالي فَـإنَّ ما لدى الإدارة الأمريكية والسعوديّة اليوم هو خوف من هذا التحول اليمني الاستراتيجي القائم على التحرّر من الهيمنة على الجيش، بالإضافة إلى الصناعات العسكرية الجديدة؛ لأنه كانت هناك وصاية كبيرة على الجيش، موضحًا أن من ضمن المخاوف الأمريكية السعوديّة أين سيذهب اليمن بعد الانتصار؟، وماذا سيؤثر على حلفائنا في الدول الخليجية، خَاصَّة أن اليمن كان تاريخيًّا صانعَ سياسات وليس مستقبلَ سياسات كما هي الحال منذ العام 1962، ويمن ما قبل العام 1962 هو مختلف تماماً سياسيًّا وفكريًّا وعقائديًّا، حتى الشعور بالتأثير كان موجوداً، والتأثير على الجزيرة العربية كان موجوداً، والقوة كانت موجودة والتباين كان موجوداً.
ولفت إلى أن الواضحَ لدى الإدارة الأمريكية اليوم أنه يجب التقليل من الخسائر، واستخدام الورقة الاقتصادية والحصار، وهي ورقة أمريكية وليست سعوديّة، فأمريكا هي الخبيرةُ الأبرزُ في موضوع العقوبات، وما يوضع حَـاليًّا من ورقة أَو مقترح سعوديّ ينطلق من هذه الرؤية الأمريكية، أي أنه يجب استخدام الورقة الاقتصادية؛ لأَنَّه ليس لديكم لا ورقة سياسية ولا ورقة عسكرية يمكن التفاوض بها، مُشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية اليوم تنظر إلى السعوديّة كدولةٍ فقدت قدراتِها الاستراتيجية المتعلقة بالاحتواء، احتواء الدول العربية عن طريق المال والأحزاب السياسية، وهذا كان حاصلًا في اليمن بدرجة كبيرة، أَو باستخدام النفوذ الديني والفكري عن طريق الوهَّـابية التي كانت تنشرها وتوسعها..
وفي الأخير فَـإنَّ السيناريو المتوقعَ اليوم هو أن تصلَ السعوديّة وأمريكا إلى فشلٍ كبيرٍ في انتزاع صفقة سياسية مع اليمن، فاليمنُ خَاصَّةً أنصار الله لديه القدرةُ الكافيةُ على منع بيع صفقات؛ لأَنَّ المنطلقَ ليس الوصول إلى السلطة، بل التغييرُ في اليمن وتحريرُه من الوصاية.