الصمَّـادُ والدولةُ اليمنية الحديثة
محمد صالح النعيمي*
كان لنا معه لقاء يوم 9 إبريل قبل استشهادِه بتسعة أَيَّـام، وتركز نقاشُنا معه في هذا اللقاء حول بناء الدولة الذي أطلق شعارها (يدٌ تحمي ويدٌ تبني) في خطابه الشهير بميدان السعبين بمناسبة العام الثالث للصمود ومواجهة العدوان على اليمن.
وحضر نقاشَنا الأخ العزيز ياسر الحوري -أمين سر المجلس السياسي الأعلى-، وطرحنا على الرئيس الشهيد ماذا تريد في بناء الدولة هل المطلوب تعديلات في بعض التشريعات أم تريد بناءَ دولة يمنية حديثة، فكان رده – رحمة الله عليه- (أريد بناءَ دولة يمنية حديثة مثالية تليق بالشعب اليمني العظيم وتضحياته).
وطرحنا عليه بعضَ التحديات التي ستقفُ أمام نجاح مشروع بناء الدولة التي يطمح إلى بنائها، وكان رده بأن هذا التوجّـه هو توجّـه قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي ولا قلق من هذه التحديات وسيواجهُها قائد الثورة بكل قوة وعزم.
وبعدَ أَيَّـام من استشهاده التقينا بالأخ رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، وأكّـد لنا أنه على نهجِ الرئيس الشهيد تحتَ قيادة قائد الثورة السيد عبدالملك، وعلينا مواصلة العمل فيما كلفنا به الشهيد في إعداد الرؤية الوطنية وطرحنا عليه مجموعة من التحديات وكان رده علينا (أنا آوي إلى ركن وثيق -قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي حفظه الله- الذي سيواجه كُـلّ التحديات، وعلينا جميعاً الانطلاق في مهمتنا ولا تتوقفوا أمام أي تفكير بالتحديات)، وعلى هذا الأَسَاس انطلقنا في ما كُلفنا به من قبل الرئيس الشهيد صالح الصمَّـاد، وقد واجهنا تحدياتٍ كثيرةً وكبيرةً، وكان الأخُ الرئيسُ يواجهها بحزم، وبرعاية قائد الثورة حفظ الله.
اليوم نقولُ للرئيس الشهيد: لقد أُقِرَّتِ الرؤيةُ الوطنية وآليتها التنفيذية، وإن هذه الرؤية قد تميَّزت عن بقية الرؤى في المنطقة.
نعم أيها الرئيس الشهيد، إنها رؤيةٌ تتميَّزُ بشمولية غاياتها وأهدافها الاستراتيجية وقد استنهضت مؤسّسات الدولة فكانت آلية المتابعة والتقييم عنصراً محركاً لكل المستويات المؤسّسية المركزية والمحلية ودشّـنت المشروعات في كُـلّ جهة وتنافست المؤسّسات على الإنجاز.
إنها رؤيةٌ تعتمدُ على منهج التخطيط الاستراتيجي والقومي.. رؤيةٌ لدولة حديثة بكل منهجها المؤسّسي وقيمها تعتمد على وسائل الإدارة الحديثة والعمل المؤسّسي والقيادة الكفؤة، رؤية تطمحُ للوصول إلى القيم المثالية في إدارة مؤسّسات الدولة وبناء التنمية المستدامة.
لقد بدأت عجلةُ العمل المؤسّسي تدورُ، وجرى في إطار ذلك العمل على تهيئة كُـلّ متطلبات دعم تنفيذ الرؤية من خلال أنشطة كثيرة منها:
– استكمالُ تشكيل منظومة الرؤية من المكتب التنفيذي والوحدتين الفنيتين بالرئاسة والقضاء والوحدات التنفيذية والتنسيقية الأُخرى.
– تنفيذُ برنامج نوعي لبناء قدرات القيادات العليا للدولة والحكومة وتعريفهم بالتخطيط القومي والرؤية الوطنية.
– إعداد دليل للقائد الإداري لتعزيز سلوك القيادة وفقاً لقيم عليا تتوافق مع توجّـهات الرؤية.
– إصدارُ منظومة الرؤية لأكثرَ من ثمانية تقارير متابعة وتقييم وترسيخ نظام متابعة متكامل يمثل منطلقاً أَسَاسياً لدعم مسار تنفيذ خطط الرؤية.
– تجهيز البُنية التحتية لمختبرات التطوير والتي سيتم إطلاقها- وستمثل رافداً مهماً لدعم الرؤية بالأفكار والمشروعات الابتكارية.
– إنجاز نظام معلومات للرؤية والبدء بتجريبه.
– بناء قدرات الوحدات التنفيذية.
– التوجُّـهُ نحو تحسين إدارة السياسات العامة من خلال إقرار نماذج موحدة للسياسات العامة وتدريب مختلف أجهزة الدولة والحكومة عليها.
– تطوير آلية قياس مؤشرات ومستهدفات الرؤية عبر إنشاء وحدة مؤشرات الرؤية بالجهاز المركزي للإحصاء.
– إطلاق موقع للرؤية بمستوًى مشرِّفٍ يضاهي أفضلَ المواقع المماثلة في الدول العربية.
– إنجازُ مجموعة من أوراق السياسات وأوراق دعم القرار لدعم مسار تنفيذ الرؤية جرى إصدار أوامر رئاسية لتنفيذها لتحقيق بيئة داعمة لانطلاق الرؤية.
وكل هذا ما كان ليُكتَبُ له النجاحُ لولا دعمُ ورعاية فخامة المشير مهدي المشَّاط رئيس المجلس السياسي الأعلى أولاً بأول.
وما زال سيدي الرئيس الشهيد لدينا الكثير لننجزه في إطار الروية الوطنية التي التحم فيها الثوري والسياسي وقادة المؤسّسات والموظفين والمواطنين.
إن الفارقَ كبيرٌ بين ما كان وما تحقّق ومع ذلك كان يحدونا الأملُ بإنجازات أكبر لولا عائق الحصار وأثر العدوان الكبير على الاقتصاد الوطني ومؤسّسات الدولة ومع ذلك قطعنا الكثير بتحدٍّ وإصرار وواثقين من أننا وبعون الله سننجز أكثر خلال المرحلة القادمة تحت شعاركم العظيم “يدٌ تحمي ويدٌ تبني”.
نعم أيها الرئيس الشهيد، لقد كان شعارك يمثلُ تحدياً للعدوان ويعكس أصالةَ وشجاعة وثبات القيادة التي تقود صمود وثبات الشعب اليمني في مواجهة جرم وإجرام العدوان والحصار الشامل، إنه عدوان عالمي من حَيثُ عدد الدول المشاركة والداعمة والمساندة والمؤيدة والصامتة.
ويبرز مدلولٌ آخر لعمق شعار (يدٌ تحمي ويدٌ تبني) وهو التحدي وكيف نخلُقُ فُرَصَ انتصارٍ لتَحَــدٍّ آخر- والمتمثل في تحدِّي بناء دولة الثورة التي تمثل نهج الصمود والثبات والتحدي اليماني للهيمنة الأمريكية الصهيونية السعوديّة ومن شمله تحالفهم، التي قامت مِن أجلِه ثورة 21 سبتمبر لرفض هذه الهيمنة والتبعية وانتصرت في المواجهة وتميزت في الصمود العسكري وفي المعادلة العسكرية الميدانية وحقّقت من خلال التصنيع العسكري الاكتفاء الذاتي لكل متطلبات المعركة.
بل نجحت في سياق التصنيع للطيران المسيّر والصواريخ الباليستية وغيرها.. وتفوَّقت في المنافسة – مما جعل الطيران المسيّر والصواريخ اليمنية تتعدى قدراتِ الدفاعات الجوية، والتي هي أحدثُ ما أنتجه العقل البشري من الدفاعات العسكرية.
أيها الرئيس الشهيد- لقد تم اعتمادُ خُطتين لعام 2020م وعام 2021م – وتم تحليل الوضع الراهن لكل مؤسّسات الدولة – وتم إنجاز أهم وثيقة بالنسبة للرؤية الوطنية وبناء الدولة وهو دليل التخطيط الاستراتيجي القومي الشامل.
وها نحنُ وخلال الأيّام القادمة سندشّـن إحدى آليات هذا الدليل- وهو (التخطيط التشاركي) وسننطلق بعد ذلك لاستكمال مسار الخطة الخمسية للدولة، خطة علمية مبنية على منهجية حديثة وتحليل وضع راهن والتي سيتم الانتهاء منها خلال الفترة القادمة من العام 2021م.
أيها الرئيس الشهيد.. لقد مرت علينا تجارِبُ ومتاعبُ- وكلما أظلمت أمامنا الآفاق نتيجةَ مواجهة التحديات التي تعيق مسار بناء الدولة فإذا بنا نشعر بتدخل روحك الطاهرة لإزالة هذه الظلمة وتدخلات الرئيس مهدي المشاط وفاءً لنهجك وعهدك وحماية قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، فإذا بذلك الظلام يتحول إلى إشعاع نور يضيء لنا المستقبل الواعد لبناء الدولة وفاءً لدماء الشهداء الأبرار وتضحيات الشعب اليمني العظيم وجهاد المجاهدين وإخلاص المخلصين وصدق الصادقين.
وانطلاقاً من هذه التضحيات ومواجهة التحديات نقول لك أيها الرئيس الشهيد: إننا ماضون في بناء الدولة التي أطلقت مشروعها وحدّدت لنا معالمها ذات يوم.. الدولة اليمنية التي تكون نموذجاً للعدل والعدالة والمواطنة المتساوية وسيادة القانون والتطور بكل أبعاد ومفردات تفاصيله، دولة تليقُ بالشعب اليمني وتضحياته، دولة تكونُ نموذجاً رائداً في المنطقة.
* عضو المجلس السياسي الأعلى، مسئول ملف الرؤية الوطنية