عن “رياح السلام” و “الرياح الباردة”
عبدالرحمن مراد
بالعودة بالذاكرة إلى بداية الألفية الجديدة نتذكر جميعاً الاشتغال المحموم على فكرة الشرق الأوسط الجديد الذي كانت تديره وزيرة الخارجية الأمريكية يومذاك، والتي أصبحت مستشاراً للأمن القومي الأمريكي فيما بعد كونداليزا رايس، ذلك الاشتغال لم يكن عبثا ولا كان ترفاً، بل كان استراتيجية تشتغل عليها دوائر صنع القرار الأمريكي يومذاك، وصلت فكرة الشرق الجديد إلى حالة الفشل وانسداد الأفق بعد نتائج حرب تموز في لبنان عام 2006م.
بعد فشل فكرة الشرق الجديد خرجت من مراكز البحوث الأمريكية فكرة الإسلام المعتدل، وتم استبدال فكرة الشرق الجديد بفكرة الخلافة، وتم اختيار تركيا بحكم عوامل تاريخية وحضارية وثقافية كي تقود المشروع الجديد تساندها قطر، وقد تم لها ذلك، بعد القيام بعدد من التغييرات في بنية النظام التركي حتى يتسق وظروف المرحلة والمشروع المزمع تنفيذه في الجغرافيا العربية، ولم تكن الانقلابات والاضطرابات التي حدثت في تركيا إلا سيناريوهات تم رسمها والتخطيط لها بعناية؛ بهَدفِ حركة الإقصاء التي نالت الكثير من الأسماء ذات التأثير في النظام التركي أَو المتوقع إعاقتها لفكرة المشروع، وكانت منتقاة بجهد استخباري واضح بعد عمليات الانقلابات المزعومة في تركيا، هذا فضلاً عن التغيير في بنية النظام من البرلماني إلى النظام الرئاسي، والترويج للمواقف الكبيرة من القضايا الكبيرة للرئيس التركي، وهي مواقف كانت مرسومة سلفا بهَدفِ توسيع دائرة التأثير في نفوس المسلمين حتى تكون فكرة الخلافة وعودتها ذات معنى في الوجدان العام ومقبولة من المزاج المسلم.
لم يكن المسار السياسي وحدَه من يخطو الخطوات باتّجاه أهداف مشروع الشرق الجديد القائم على أسس إعادة تقسيم الخارطة على أسس طائفية وثقافية وعرقية حتى يشرعن للصهيونية في الخارطة العربية، بل يتظافر المسار السياسي مع المسارات الأُخرى، ولعل المسار الثقافي هو الأبرز يليه المسار الاقتصادي الذي شهد تحولاً وأصبح نموذجاً يروج له تيار الإخوان.
اشتغل الأتراك على البعد الثقافي اشتغالا كَبيراً ومكثّـفاً، ووصل حجم التأثير إلى مراتب عالمية فاقت التوقع، وتركز خطابهم الثقافي على فكرة الصناعة في التفكيك للمنظومات الاجتماعية كمسلسل “مهند ونور” أَو المنظومات السياسية كمسلسل “مراد علمدار” الذي كان يرسم موجات الربيع العربي في الوجدان العربي العام، وُصُـولاً إلى فكرة الخلافة التي بدأت الدوائر التركية بمساندة الاستخبارات العالمية في الاشتغال عليها بدءاً من مسلسل “أرطغرل” وجميع تفرعاته التي تناقش فكرة الخلافة وتاريخها ومواقفها، وُصُـولاً إلى المسلسلات التي تناقش البعد الطائفي –وبعضها اليوم يعرض في بعض القنوات كالسعيدة وغيرها- هذا المهاد الذي يعمل على تفكيك التصورات التي صاحبت العقل العربي إبان حركة النهضة مطلع القرن العشرين وإحلال بدائل عنها عن طريق الدراما لم يكن عفو الخاطر، بل جاء وفق خطط واستراتيجيات مدروسة بعناية، وهو يفضي إلى تجزئة الأُمَّــة وتمزيقها وإحداث حالة الشلل التام في مختلف البناءات، وُصُـولاً إلى التمكين الكبير لدولة إسرائيل الكبرى التي يجدها اليهود في كتبهم كوعد يعملون على تحقيقه بشتى الطرق والوسائل.
في السياق نفسه شهدنا في عامنا هذا طفرة في الدراما اليمنية لم تكن مسبوقة ولا متوقعة، وهي طفرة ذات أهداف، تلك الأهداف تضمنتها مشاريع واستراتيجيات تحت مسميات عدة أحدها يسمى “رياح السلام” وآخر يسمى “الرياح الباردة” وغيرها، ويأتي الاشتغال على الدراما الموجهة مِـنْ حَيثُ قدرتها على إيصال الرسائل وحجم التأثير الكبير لها في الوجدان العام.
ولعل أكبر إنتاج درامي لهذا العام هو مسلسل “عيال قحطان” وهو مسلسل من عنوانه يدل على بعث فكرة العرقية، وهي فكرة تشتغل قناة سهيل الإخوانية عليها بشكل مكثّـف في خطتها البرامجية لشهر رمضان، في السياق نفسه هناك اشتغال على تضاد الجغرافيات والثقافات في المسلسلات التي تعرض في القنوات المحايدة أَو التي تدعي الحياد، أَو القنوات المحسوبة على الأطراف السياسية التي تناصر العدوان على اليمن، وتقف في صف التدمير وتمكين المستعمر من اليمن.
المعركة بيننا وبين العدوّ الأمريكي والصهيوني تتجه صوب البعد الثقافي والاجتماعي وهي تستهدف البناء الثقافي والهُــوِيَّات لتحقيق أهدافها وعلينا الاستعداد لهذه المعركة فقد يصل العدوّ من خلالها إلى ما عجز عنه بالعمليات العسكرية.