التأييــد الإلهــي.. (1) قانونٌ من نمطٍ آخر يتعالى على المألوف
عبدالقوي السباعي
المتأمِّلُ لواقعِ الساحةِ السياسيَّةِ والعسكريةِ اليمنية قبل ثورة الـ21 من سبتمبر 2014م الخالدة، سيجدُ أنها كانت شبهَ ممزَّقةٍ تجرِفُها التبايُناتُ والمناكفات، وتُغرِقُها الخُصُوماتُ والعَدَواتُ البَينية، وينخَرُ فيها الفسادُ المستشري، وعصاباتُ المتنفذين، الذين كانوا عبر عقودٍ من الزمن مُجَـرَّدَ عملاءَ مأجورين تخصَّصوا للهدمِ المنظَّمِ والتدميرِ الممنهجِ لكُلِّ أركانِ ومقوماتِ الدولة اليمنية، ومنها القوةُ العسكرية الدفاعية والأمنية، التي سادَ خارطتها جيشٌ مفكَّكٌ تتقاذفُه الولاءاتُ الجِهَوية والشخصية، عملت على إفراغِه من مضامين عقيدتِه القتالية والعسكرية، وحرفت مسارَ مهامِّه وواجباتِه الدستوريةِ الدينيةِ والوطنيةِ، وانتهاءً بهيكلته على الطريقة الأمريكية، فكان واقعُهُ سلاحاً مُدمّـراً، وآلياتٍ خارجَ جُهُوزيتها، ومنظوماتٍ معطلةً، وطائراتٍ متساقطةً، وقوةً بشريةً رغمَ ضخامتها غير أنها عانت ليس قليلاً بالانكسار الروحي والهزيمة النفسية.
لذلك جاءت هذهِ الثورةُ المباركةُ كعمليةٍ جِراحيةٍ طارئةٍ أنقذت الجسدَ اليمني من الهلاك، وأنعشت فيه الروح بعدَ أن استأصلت في طريقها بعضَ تلك الغُدَدِ السرطانية التي أنهكت كاهلَه كشعبٍ ووطنٍ، الأمر الذي أثار سخطَ القوى الدولية والإقليمية التي نصَّبت نفسَها وصيةً على اليمن الأرض والإنسان، وبعد أن كانت السعوديةُ هي الحاكمةَ الفعليةَ لقراراته وسيادتِه، فجاء الإعلانُ عن عاصفةِ الحزم من واشنطن في مارس 2015م، وتشكيلِ تحالف العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، في محاولةٍ منها لتُعيدَ إلى الواجهة ما أسقطتهُ هذه الثورةُ الوليدةُ من أوراقٍ وأدواتٍ، بعد أن رسمت خططَ وأهدافَ برامجها الحربية العدائية على نحوٍ ينسجِمُ مع كافة النظريات والاستراتيجيات العسكرية العالمية، مقدرةً الوقتَ في آلياتها المزمنّة لتحقيق ذلك، أسبوعين فقط من بدء التنفيذ.
هُنا وبعدَ سَتِّ سنواتٍ من الحرب والحِصار واستخدامِ كُـلِّ ما توصلت إليه البشريةُ من الأسلحة والآلياتِ العسكرية المتطورة، وتطبيق كافة الخطط والأساليب والاستراتيجيات القتالية من قبل هذا التحالف، إلَّا أنها لم تقدِّمْ شيئاً يُذكَر على المستوى الميداني لواقع الخَصم المتمثل بالجيش اليمني واللجان الشعبيّة؛ لذلك قد يتساءل البعض: ما هو سِرُّ هذه القوة وهذا الصمود وهذا التفوق اليمني الذي لهُ مع إشراقة كُـلّ يومٍ جديدٍ ألف حكاية وحكاية؟!
في خِطابِ السيد القائد عبدالملك الحوثي في اليوم الوطني للصمود، تطرّق إلى جُملةٍ من العوامل الموضوعية التي ساهمت إلى حَــدٍّ كبيرٍ من صمود اليمنيين شعباً وجيشاً أمام هذا التحالف، في إطار ربطها بالمفاهيم الإيمانية القرآنية، التي أفرزت هذه التجربةَ الفريدة، لذلك فالمتأملُ شديدُ الوعي بهذه التجربة العسكرية الإيمانية الفريدة، سيدركُ حقيقةَ أن مقاومةَ وتفوق الجيش اليمني ولجانه الشعبيّة ومن ورائهم كُـلُّ أبناء الشعب اليمني العظيم، لا تشابِهُها أيةُ مقاومة سبقتها سواءً في حروب القرون الوسطى، أَو مع حروب الاستكشافات الأُورُوبية الاستعمارية، أَو حروب القرن العشرين، بما تخللها من الأسلحة المتطورة والتقنيات العسكرية… إلخ.
الباحثُ الذي غاصَ في الواقع العسكري الميداني اليمني خلال هذه الفترة سيرى أنهُ بات من الثابتِ أن العقيدةَ القتاليةَ في الفكر العسكري اليمني اليومَ، تتمحورُ حولَ ثابتٍ أَسَاسٍ هو (الإيمانُ الراسخُ بالتأييد الإلهي) إلى جانبِ تركيزِها على تظافُرِ العمل والجُهد، أَو ما يُسمّى بالشروط الموضوعية، أي فهم واستيعاب أبعادِ الواقع (الجيوسياسي) الذي دارت وتُدار المعركة في كَنَفِه، كشروطٍ عقائديةٍ، يزخرُ بها المخزونُ الإيماني المتجذِّرُ في الوجدان الجمعي للشعب، والذي تجعلُهُ المسيرةُ القرآنية العاملَ الأكثرَ حَسْماً في توجيهِ مسارِ المواجهة، إمَّا نحوَ تحقيق النصر أَو نحو الهزيمة.