الإمام علي وسلامةُ الدين
أشواق مهدي دومان
قد ننتهي بمقولات لنا فتصبح أيقوناتٍ حين تذكرها الألسن يعرف قائلها دون شروح، وَأمّا الفوز فليس حديثَ خُسران، بل هو فرز وَمَيْز الخبيث من الطيب، وَبعدها يفِزّ الطيب الحر بعد استنتاجات آمن بها العقل المنفعل المتفاعل بعد أن تمّ النّفير الذي يحصل في العالم العصبي، فخلايا المخ العصبية ترسل إشارات استفزازية تستنفر العقل وَالفؤاد فيحاكمان.. يناظران وَيصلان إلى قناعة وَيقين وَطمأنينة حَــد استفزاز الحقّ لعليٍّ بن أبي طالب ما يجعل النبي (صلّى اللّه عليه وَآله) يخبر عنه قائلاً: “عليٌّ مع الحقّ وَالحقّ مع عليّ”.
علي الذي استفزه الحقّ منذ صغره حين آمن بنبوّة وَرسالة محمّد دون تردّد.. حين اطمأن لإنسان تربى بين وَعلى يديه صادقاً لم يكذب قطّ.. أميناً لم يخُن ذات يوم؛ فرافقه مواقفاً وَأخلاقاً وَقيماً وَعلماً وَمبادئ وَسلوكاً حتّى يخبر عنه الرّسول الأعظم قائلاً: “عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيَّ بعدي”.
عليٌّ الذي انفعل للّه وَإليه فسكت لحظة غضبه حين بصق على وجهه الكريم ابن ودّ العامري في غزوة (الخندق)، العامري الذي ابتأس وَيئس من أن ينجو من بين نيوب الليث عليّ؛ فلجأ لحقن دمه المهدور من (حيدرة) بذلك التّصرف فعصم دمه حتّى سكت عن عليّ الغضب وَتراجع عن قتل هذا العلج المهزوم..
ترفّع عليّ عن غضبه لنفسه، فلما هدأ ضرب العامريَّ بذي الفقار، فأرداه صريعاً كافراً، ليس غضبا لنفسه بل غضبا وَغيرة على دين اللّه!!
عليّ الذي استفزه الحقّ فجاهد لأجله حتّى عرف الباطل أنّه زاهق مزهوق في حضرة أشجع ضارب إلّا لو غُدِر وَفي مكان معين وَزمان معين، وَهناك فقد اختار قاتله المسجد مكاناً لتصفيته وَاختار قلب الصلاة موقفاً لغدره، حَيثُ وَعليّ مع ربّه يصلي مطمئنا تاركاً حطام الدّنيا التي طلّقها، وَهائماً بفوزه العظيم حين شقّ سيف ابن ملجم رأسه الشّريف، فسال دمه الشّريف أيقونة للعزّة وَالكبرياء لرجل “أحبّ اللّه وَرسوله فأحبّه اللّه وَرسوله”، وَشهدت له السّماوات العُلا على لسان جبريلها بأنّه: “لا فتى إلّا عليّ، وَلا سيف إلّا ذو الفقار”.
وَكان الرسول الأعظم قد أخبر باب مدينة علمه (عليًّا) بأنه ستقتله الفئة الباغية، فلم يرجف وَلم يفجع لكنّه سأل الرسول يريد الاطمئنان على سلامة دينه فقال للرّسول (صلّى اللّه عليه وَآله): “أفي سلامة من ديني”؟.
عليٌّ من لم يستحضر إلّا الفوز بالحقّ وَالبذل مِن أجلِه، وَقد ولد في الكعبة وَبدأ رحلة حياته منها وَانتهى إليها حين كانت آخر محطة ذكرها لسانه الشّريف بعد أن شعر بأنّ استفزاز المنافقين المرتدين الفجرة الكفرة قد انتهى اليوم؛ فحطّ رحال سفره مطمئناً واثقاً ففرّت روحه إلى اللّه شوقاً وَرضاً وَراحة وَسعادة عبّر عنها، بل وَأصبحت أيقونة لمن فاز بمنحة الشّهادة في سبيل اللّه.
نعم، سيّدَنا علي بن أبي طالب، وَأنت أميرُ البيان قد فُزتَ.. فزتَ وَربِّ الكعبة.
كعبة اللّه المقدسة، التي لا أقدس منها غير كعبة روحك يا قسيم الجنة وَالنار، يا فاتح باب خيبر، يا كرار المعارك، يا هارون محمد، فزت وَربِّ الكعبة، وَاتخذنا من فوزك مدرسة تعلّمنا فيها كيف نفوز فانتصر رجالك في يمن الإيمان حين نحو منحاك وَتوجّـهوا توجّـهك، فازوا بعقيدتك القتالية فضربوا عامريَّ اليوم.. ضربوه في ساحات الرجولة أسوداً حيدرية، وَضربوه في مكامن حقده نفطه وَشركاته وَطائراته وَمطاراته.. ضربوه حتّى أثخنوّه.. شرّدوا به.. نكّلوا به، وَذلك لأَنَّهم ما تركوا وصية رسول اللّه بل والوك، وَعلى دربك انتصروا وَفازوا وَربِّ الكعبة.