مَأسَسَةُ الزكاة وحملاتُ مواجهتها
عبد الحميد الغرباني
في بعضِ دولِ العالم الإسلامي، مثل ماليزيا وإندونيسيا وغيرهما، يجري النقاش منذ سنوات حول مأسسة العمل الخيري وفي هذا السياق عُقدت مؤتمرات وورش عمل كثيرة وَبمشاركة العديد من خبراء الاقتصاد الإسلامي والمؤسّسات الخيرية الدولية في القطاعين العام والخاص والعين على توجيه الأعمال الخيرية كيما تخرج عن طابعها التقليدي لتكتسب بُعداً استثمارياً يُمكنها من الانتشار والتوسع لتقديم الخير لأكبر عدد من الفئات المحتاجة في العالم الإسلامي من خلال مأسسة العمل الخيري على أسس صحيحة، وَبالتالي تعزيز المساهمة الفعالة والشراكات الاستراتيجية للاستثمارات ذات العائدات الاجتماعية العالية، كما شهدت عدد من الدول الإسلامية منتديات مفتوحة جمعت القادة في القطاعين العام والخاص وأصحاب المساهمات الخيرية الاجتماعية والخبراء لتقديم رؤية واقعية لمواجهة التحديات العالمية والإقليمية الخَاصَّة بقطاعات العمل الخيري ومشاريعه في البلاد الإسلامية، في مثل هذه المراحل كان الإخوان المسلمين في بلدان عديدة ومنها بلادنا يشاركون وبشكل لا محدود -باعتبارهم جزءاً من الأنظمة القائمة بشكل أَو بآخر- في أكل أموال الزكاة وتضييع هذه الفريضة والركن المهم بل النظام الفريد الذي يجمع بين المقاصد الاجتماعية والوظائف التربوية والحقائق الاقتصادية، ناهيك عن محورية دورها في تنظيم شؤون الحياة وعلاقتها بالفرد والمجتمع والدولة والنظام السياسي والاقتصادي، كُـلّ هذه الميزات ضاعت بفعل ميكافلية تجمع الإخوان المسلمين في اليمن أَو حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي اختار له اسما يدل على النقيض تماماً وعلى امتداد تاريخه، اليوم وفي ظل استعادة هذه الفريضة وجودها في المجتمع اليمني بعد توجيهات ومتابعة حثيثة من قيادة الثورة التي افتعلت الوصاية وأدواتها من البلاد، يشن الإخوان عبر وسائل إعلامهم المختلفة حملات ممنهجة تستهدف الزكاة ومختلف الجهود التي تقود بها وتغطيتها لحاجات الفقراء والمساكين وَالغارمين، وهو استهداف لاشك أن ورائه دفع يهودي يركز على ضرب روافع الإسلام في الشأن الاقتصادي والتربوي.
ويريد تعطيل فريضة الزكاة كوسيلة مثلى للتمكين وحملات هذا العام تضع منع المكلفين بدفع الزكاة عن أعمال الخير والبر والإحسان غطاء وذريعة سمجة لاستهداف أداء فريضة الزكاة ومحاولات كبح كبار المكلفين من التجار ورجال المال والأعمال عن تسليم الزكاة للجهات المختصة والمسؤولة عن صرف الزكاة في مصارفها ووفق خطط تنقل الشرائح المشمولة في مصارف الزكاة من معوزين ومتلقين للزكاة إلى مستغنين لا بل وتطمح أن تحولهم إلى مُزكين في قادم المراحل، وذلك لن يتأتى دون مَأْسَسَة الزكاة وهو ما تحاربه قوى العدوان مجتمعة ومختلفة والمرتزِقة أَيْـضاً مُجتمعين ومُتفرقين كما هو حالهم سابقًا ولاحقا، إخوان اليمن نسخة أكثر تشوها من غيرهم في بلدان العالم الإسلامي، يحاربون الدين بكل جرأة ووقاحة وخسة منقطعة النظير وهم أَيْـضاً لا يستفيدون من تجاربهم في الماضي ولا يعتبرون منها مطلقاً.
العالمُ الإسلامي يتنادى لمأسسة أفعال الخير وحزب الإفساد في اليمن يحارب مأسسة الزكاة بدعوى ترك الناس يفعلون الخير ويتصدقون.
إن فعلَ الخير وتجسيدَه واقعاً يبدأ مع أداء فرائض الله والتزام نهجه الحنيف الكفيل بتحقيق العيش الكريم لأبناء المعمورة قاطبة، ومن لم يسارع لأداء فريضة الزكاة ودفعها للقائمين عليها، هو بل شك أثقل وأبطأ خطوة إلى فعل الخير والصدقة.
إن مأسسة الزكاة والتزام ذلك من مختلف الشرائح المكلفة بالزكاة وكل من وجب عليه زكاة في ماله قل أَو كثر هو السبيل الوحيد إلى تغطية الوظائف والمقاصد والحقائق التربوية والاجتماعية والاقتصادية للزكاة وإن محاولة النيل من الثقة بين الجهات المكلفة بتسليم الزكاة وبين الجهات التي تعمل على جمعها وصرفها وتوظيفها ضمن أنشطة مختلفة منها التمكين هو حربٌ على فريضة الزكاة وليس على جهة ما أَو تيار ما كما قد يتصوره ذلك المنخرطون في حملات تشويه الهيئة العامة للزكاة أَو أُولئك الذين يقفون خلفها.
إن وصولَ فريضة الزكاة إلى أكبر قدر من الفائدة يكمن عبر مأسستها مع مَـا هو حاصل من تطبيق لأعلى درجات النزاهة والشفافية في إدارتها وَفي مراقبة ذلك والحرص الكبير على عدم أي اعوجاج أَو مُجَـرّد بداية انحراف، وإن روح العطاء الحقيقي يتجلى مع تسليم فرض الزكاة أولاً ثم أنشطة العمل الخيري الخَاصَّة أَو العامة وليس مع سرقة الزكاة والتهرب من دفعها.
لسنا في غابة والبلد لم تعد في ظل إدارة القطيع التي حكمتها وتحت الوصاية لعقود خلت، حتى يتذرع أي كان بأنه يسلم الزكاة مباشرة للفقراء والمحتاجين، نحن في مرحلة تحول سقيناها بنهر من دم متدفق حتى اللحظة وهذا التحول يسير في كُـلّ الاتّجاهات ومحكوم بالصالح العام ومحاولة القفز عليه هو انخراط في صف الباطل والنفاق والارتزاق، في خندق العدوان والحصار وليس في خندق العمل الخيري ولا ما له صلة به مطلقاً..
أدعو رجالَ المال والأعمال والتجار إلى متابعة الأنشطة المتعلقة بتنمية وتطوير العمل الخيري في دول مثل ماليزيا وإندونيسيا -العمل الخيري وليس الزكاة فذلك أمر تجاوزوه ونظموه مبكراً-؛ بغية الدفع نحو تطوير آليات الاستفادة من أموال الزكاة والإسهام الفاعل في الوصول بها إلى توسيع مروحة مشاريع التنمية المستدامة ومكافحة الفقر والجوع وذلك يبدأ مع حث بعضهم البعض في تسليم الزكاة كاملة للجهات المختصة ودون تلكؤ أَو هروب تحت أية دعاوى وذرائع.
وكما نبهنا مسبقًا إلى أن مأسسة الزكاة لا يعني إقفال أبواب العمل الخيري، ذلك أن فضل الله واسع عليهم، وعليهم حمل رسالة العمل الخيري وبما يتجاوز الأُسلُـوب التقليدي وامتهان الناس على أبواب مؤسّساتهم ومنازلهم وفي الكثير من الشوارع والطرقات وتقديم نماذج إنسانية متقدمة للفعل الخيري تعبر بجلاء أن هدفها النهوض بحياة الإنسان من خلال القيام بذلك عبر مؤسّسات تحترف توسيع دور أموال العمل الخيري في تنمية المجتمع وليس عبر تحويل الفقراء والمعوزين والضعفاء إلى مجاميع تسول، فهذا بحدِّ ذاته جريمة وليس عملَ خير ذلك أنه يمتهن الكرامة الإنسانية..