القيادةُ الثورية الشابة واليمن

 

عبدالرحمن مراد

لقد كشف لنا العدوانُ وصمودُنا أنه من الغباء أن نتعلَّلَ بالقول “هذا واقعنا”، فليس الواقعُ تربةَ الأرض التي نتحَرّك عليها، وإنما هو صيرورةٌ دائمةٌ ومتحَرّكة، والواقع يمكننا تغييره بمجرد تغيير نفوسنا إلى الأفضل، وحين نتبنى واقعاً جديدًا لا بُـدَّ من تبني أفكارٍ جديدة تصنع واقعاً أفضل ليسهلَ اقتلاعُ الواقع الأول جزءاً فجزءاً وإبداله بجديد جزءاً فجزءاً، وهذا هو حالُ اليمن في ظل القيادة الشابة الجديدة والمتجددة للقائد العلم السيد عبد الملك ولحركة أنصار الله.

عظماءُ الرجال على مر حقب التاريخ يبذلون التضحيةَ لوجه التضحية لا لوجه الوصولية وشراء الهُتافات الجماهيرية، فالأنبياءُ عليهم السلام لاقوا أشدَّ أنواع العُقُوق على يد الجماهير المغرر بها، لكنهم كانوا يجهدون في خدمة الجماهير وإن كابدوا عقوقَها، فالجماهير في الغالب الأعم لا تدري من يقودُها إلى الهدى أَو من يوجِّهُها إلى الضلال وقد تدرك بعد وقت قصير أَو طويل من كان يستهدفُ نفعها ومن كان مبتغاه نفع نفسه من خلال استغلالها بالتغرير بها كما هو حاصل اليوم في عدن وبقية المحافظات الجنوبية.

إن حركةَ الجماهير حركات مباركة –كما يقال– لكن قد يقبِّحها في نظر الناس أَو يجمّلها سوءُ القيادة أَو حسنُها؛ لأَنَّ كُـلَّ قائدٍ يستغل ما في نفوس الجماهير من حرمان وكبت فيفجر طاقتها ويدمّـر بها كما يفعل المجلس الانتقالي في عدن اليوم، وهنا يمكننا أن نعقدَ مقارنة في جزئية بسيطة -وإن كنا لا نرى وجهاً للمقارنة بين صنعاء وعدن في كُـلّ التجليات– فقادة صنعاء ينتصرون بالجماهير لخدمةِ الجماهير والنفع العام، وقادة العملاء في المجلس الانتقالي بعدن يستغلون غضب الجماهير ويجعلونها طريقاً ينتعلونه للوصول إلى غاياتهم ثم يتركونه عند أول شعورٍ طاغٍ بالتمكين والسيطرة.

وعلينا أن ندركَ أن نضالَ الجماهير يجب ألا يضيعَ هدراً فما سقطت جماجمُهم إلا لتعلوَ راية الشعب وتنتصر الإرادَة الوطنية الحرة وعلى مثل ذلك تدل حركةُ الواقع وتجاذباته ودلت عليه خطاباتُ السيد عبد الملك قائد الثورة، ودلت عليه مفاوضاتُ مسقط الأخيرة التي تتمثل في موقف وفدنا الوطني المفاوض منها حين حاول المفاوض الأمريكي والمفاوض الأممي الانتقاص من القيمة والسيادة والحرية والكرامة.

لقد أثمر صبرُنا وصمودُنا عزة وكرامة ومكانة كبيرة في تصورات الشعوب الحرة في كُـلّ بقاع الأرض.

كما أن حاجزَ العزلة الذي فرضه العدوان وأدواته علينا على مدى سني العدوان بدأ ينكسر بلقاء رئيس الوفد الوطني ببعض سفراء الدول، وفي ذلك مؤشرٌ واضحٌ أن العالم بدأ يتعامل مع مفردات الواقع اليمني ومعطياته، وأن دول العدوان قد استنفذت كُـلّ ما لديها من وسائل التضليل والزيف الذي مارسته من خلال شراء الذمم والمواقف وقادة الرأي العالمي والمنظمات الإنسانية والحقوقية، وكل جرائم الحرب التي ارتكبها العدوان ستكون وبالاً عليه في قابل أيامه.

سوف تخرج اليمن بفضل الله وبفضل صمود شعبها من بين ركام العدوان أكثر قدرة وأكثر تمكّنا من مقاليد المستقبل ولن ينال السعوديّة والإمارات إلا الذل والخزي والعار.

لقد فشل الحشد العالمي والتحالف الدولي على اليمن فشلاً ذريعاً، إذ بعد ستة أعوام ونيف من الحصار والحرب والتدمير ومن الاشتغال المكثّـف على القتل والتجويع ينهض المارد اليماني من بين ركام الأحداث ورماد النيران ليعلن عن وجوده بقوة ما كان العدوّ يتوقعها وما كان يتخيل حدوثها، وأصبح اليوم يشكل الوجود ويعلن عن حضوره بقوة الألم أَو يفوقه، لكن بقيم ومبادئ الكبار الذين يصنعون الوجه المشرق للتاريخ ويتجاوزون عن صغائر الأمور.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com