الحنينُ إلى الوصاية.. أمريكا تتوقُ للهيمنة من جديد على اليمن!

السفير السادة: السيطرة الأمريكية كانت مبنيةً على الاختراق المباشر وغير المباشر للكثير من الوزراء في الدولة

أبو طالب: أمريكا هي من تنصّب الملوك والأمراء على عروشهم وهي من تنقلب عليهم

الرميمة: أمريكا بسطت نفوذَها على اليمن بعد انهيار الاتّحاد السوفيتي

 

أكاديميون ودبلوماسيون وسياسيون يؤكّـدون أن المشروعَ القرآني قضى على مشاريع الهيمنة لواشنطن

 

المسيرة – عباس القاعدي

لا يزالُ خطابُ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي ألقاه في الذكرى السنوية للشهيد المرجَعَ العامَّ لفضح المخطّطات الأمريكية في استهداف اليمن على كافة المستويات، ومنها الاستهدافُ العسكري والأمني والإعلامي وغيرها.

في ذلك الخطاب، أكّـد قائدُ الثورة أن الأمريكيين دخلوا إلى اليمن بأعداد كبيرة تحت عنوان تدريب الجيش، ثم بقواعد عسكرية، وصلت حتى إلى العاصمة صنعاء، وأرادوا التوسع في اليمن ليزيدوا من انتشار قواعدهم؛ ليضمنوا السيطرة العسكرية على اليمن بشكل كامل.

لقد لجأت أمريكا للسيطرة على اليمن بأشكال متعددة، منها شراء ولاءات ضباط الجيش، والعمل على تغيير عقيدة الجيش اليمني القتالية، وتدمير قدرات الدفاع الجوي والقوة البحرية وغيرها.

ولعل أخطر أشكال السيطرة الأمريكية على اليمن هي في الجانب السياسي، حَيثُ يؤكّـد قائد الثورة أن أمريكا استهدفت شعبنا بالسيطرة على القرار السياسي والعملية السياسية والتحكم بسياسات الدولة داخليا وخارجيا.. موضحًا أن الاستهداف السياسي طال حتى مؤسّسات الدولة وكانت وسائل الإعلام تغطي زيارات السفير الأمريكي للوزراء والمؤسّسات الحكومية.

وفي هذا الشأن، يقول السفير د. محمد السادة: إن السيطرة الأمريكية كانت مبنية بشكل رئيس على الاختراق القوي المباشر وغير المباشر للكثير من الوزراء في الحكومات المتعاقبة وللعديد من المسؤولين في الدولة، نتيجة حالة الفساد والمحسوبيات التي كانت قائمة في ظل النظام العائلي الذي كان مبنيا على شبكة مصالح تضم المقربين وأصحاب المحسوبيات في التعيين لكل مناصب الدولة بعيدًا عن معايير الكفاءة والجدارة والنزاهة ليُصبح الفساد ثقافة وهناك من يدافع عنه لدرجة أن رئيس الوزراء الأسبق باجمَّـال وصف الفساد بأنه ملح العمل الحكومي.

ويؤكّـد السفير السادة أن العديد من المسؤولين كانوا يتنافسون في التقرب من السفير الأمريكي ويتباهون بعلاقاتهم به، ولا يُمكن إنكار أن السفير الأمريكي كان يقوم بعملية التوسط والاقتراح والتزكية لبعض المقربين منه لشغل مناصب رسمية رفيعة في الدولة، وكان السفير الأمريكي يتجول طولاً وعرضاً في كُـلّ أنحاء اليمن ويلتقي بمن يشاء من مشايخ وقادة أحزاب ومسؤولين ليناقش معهم أوضاع اليمن، كما يؤكّـد أن الأمريكي استغل هذه المعطيات وضعف الولاء الوطني لتكريس وتمرير مصالحهم عبر ذلك النظام الخائن الفاسد المرتكز على أشخاص بعيدًا عن العمل المؤسّسي، حيث كانت عملية اتِّخاذ القرارات تتم بشكل ارتجالي وبمنظار ضيق لا يُغلب المصالح الوطنية لليمن، موضحًا أن عقود الاستثمارات في المجالات الاقتصادية كالنفط والغاز كانت تذهب للشركات الأمريكية من خلال العلاقات الشخصية للسفير الأمريكي، وكانت الكثير من المواقف للسياسة الخارجية اليمنية إزاء القضايا الإقليمية والدولية تتماهى وتستجيب للتعليمات والضغوط الأمريكية.

ويشير د. محمد السادة إلى أن الحكومات السابقة كانت تستجيب للضغوط الأمريكية في عملية الإصلاحات الداخلية في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية وقضايا كالديمقراطية، حقوق الإنسان، المرأة… وغيرها بشكل لا يتناسب مع طبيعة المجتمع اليمني وخصوصياته الدينية والثقافية والاجتماعية، فيما كانت مِظلةُ التعاون الأمني والعسكري مع الجانب الأمريكي مبرّراً كافياً للانكشاف الأمني والعسكري لليمن وتمكينهم من تدمير القدرات العسكرية لا سِـيَّـما في مجال الدفاع الجوي بتواطؤ وخيانة من قبل كبار القادة العسكريين الذين لم يدخروا جهداً في التآمر الكامل مع الجانب الأمريكي.

لذا أكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك سلام الله عليه أن للولايات المتحدة مخطّطاً متكاملاً للسيطرة على اليمن وثرواته وتطويع النظام القائم آنذاك وإبقائه في دائرة تنفيذ ذلك المخطّط لا أكثر.

 

السيادة والقرار

من جانب آخر، يقول المدير التنفيذي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني، الأُستاذ عبد العزيز أبو طالب: إن أمريكا دولة مهيمنة ومستعمرة لا تقبل أن تقيم علاقاتها مع أية دولة في العالم على أَسَاس الندية أَو الاحترام أَو مراعاة مصالح الدولة نفسها، ولهذا استطاعت أن تسيطر على القرار السياسي في الوطن العربي والإسلامي، وأصبحت تنظر الولايات المتحدة إلى الدول العربية كدول مستعمرة مخترقة منتهكة السيادة لا تستطيع أن تتخذ قراراً دون الرجوع إلى الإدارة الأمريكية التي تعطي الضوء الأخضر أَو تعرض بطاقتها الحمراء، وقد بات معروفاً لدى الجميع أن الإدارات الأمريكية هي من تنصب الملوك والأمراء والزعماء العرب على عروشهم وهي من تنقلب عليهم أَو تساعد على عمليات الانقلاب ضدهم وليست المنطقة العربية هي الوحيدة بل حتى جيرانها في أمريكا اللاتينية.

وفيما يتعلق بالجانب السياسي اليمني سابقًا يوضح الأُستاذ عبد العزيز أبو طالب أن الأنظمة السابقة الخائنة في اليمن كانت كريمة في التعامل مع أمريكا ممثلة بالسفير الأمريكي، حَيثُ كانت تقدم لها أكثر مما تطلب وتلبي لها الرغبات قبل أن يفصح عنها، وقد باعت السيادةَ اليمنية والقرارَ السياسي للسفارة الأمريكية ومكاتب السي آي أيه ومكتب التحقيقات الفيدرالية.

ويؤكّـد أبو طالب أن السفير الأمريكي بصنعاء كان هو الحاكم الفعلي وهو من يوجه السياسة الخارجية والداخلية وباتت تدخلاته في الشأن اليمني أكثر من أن تحصى، سواء في الجوانب السياسية أَو الاقتصادية أَو الأمنية والعسكرية، موضحًا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت تعلم أن اليمن ليس دولة مؤسّسات ولا ينتهي إلى مرجعيات دستورية تمثل أَسَاساً لصنع القرار اليمني، بل إن القرار يتخذ فردياً من رأس النظام، وهذا ما سهل المهمة على السفير الأمريكي المكلف بالسيطرة على القرار والعملية السياسية.

ويشير أبو طالب إلى أن هناك عدة عوامل ساعدت أمريكا واعتمدت عليها في السيطرة على القرار السياسي اليمني أهمها: انعدام المؤسّسات أَو وجودها شكليًّا، الأنظمة الديكتاتورية المتمسكة بالسلطة، غياب المعارضة الحقيقية والوطنية، غياب الوطنية وتغليب المصلحة الوطنية مع ولاء مطلق للأجنبي الأمريكي، انعدام الهُــوِيَّة الإيمانية والوطنية في المنظومة العقائدية للأنظمة السابقة، فساد أركان النظام الذي يسعى لجمع الثروات ولو على حساب المصالح العليا للبلد بما فيها السيادة والاستقلال وصنع القرار، مبينًا أن تلك العوامل ساعدت الأمريكي للسيطرة على القرار اليمني وأصبح السفير الأمريكي ينظر إليه كمندوبٍ سامٍ أَو حاكم فعلي أَو كما سماه البعض “شيخ مشايخ اليمن”، في إشارة إلى مدى تحكمه بالقرار اليمني.

وبحسب أبو طالب، فَـإنَّ الوثائق قد كشفت كَثيراً من الشواهد التي تكلم عنها السيد القائد يحفظه الله عن سيطرة الأمريكي على القرار وهي بحاجة إلى جمع وتحليل تستوعبها الدراسات والتقارير التي تكشف حقيقة الأنظمة السابقة وتبعيتها للأمريكي، وما هذا العدوان اليوم على اليمن إلا محاولة لإعادة اليمن إلى حضن الوصاية والتبعية وعقوبة له على مساعي التحرّر من تلك القيود الاستعمارية.

 

المشروع القرآني حرية واستقلال

من جهته، يقول المحلل السياسي الدكتور حبيب الرميمة: إن السيطرة الأمريكية تاريخيًّا كانت تأتي؛ باعتبَار أن أمريكا وريثة الامبراطورية البريطانية والتي أفل نجمها بعد الحرب العالمية الثانية؛ نتيجة الدمار الذي حَـلّ بأُورُوبا ومنها بريطانيا؛ بسَببِ الحربين الأولى والثانية، فما إن خمدت الحرب العالمية الثانية إلا واندلع صراع سيطرة وهيمنة من نوع آخر بما يسمى الحرب الباردة بين الاتّحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية.

ولأن بريطانيا هي من غرست آل سعود في المنطقة باعترافها بالمجرم عبد العزيز آل سعود حاكماً على نجد والقطيف وتوابعها وفقاً لاتّفاقية دارين ١٩١٥م مقابل إعلان بن سعود الولاء المطلق لبريطانيا، وبعد ذلك اعترافها بعبد العزيز آل سعود ملكاً على نجد والحجاز وفقاً لاتّفاقية جدة ١٩٢٧م، كُـلّ ذلك جعل من سيطرة آل سعود ونفوذهم في اليمن بعد ١٩٦٢م، بطريقة مباشرة وغير مباشرة ممهداً للسيطرة الأمريكية بما كان يُعرف بشمال اليمن.

وبعد حرب ٩٤م، يؤكّـد المحلل السياسي الدكتور حبيب الرميمة أن أمريكا بسطت نفوذها على اليمن بشكل عام، وسيطرت على القرار والعملية السياسية، واستغلت الخونة صالح والإخوان في تنفيذ نفوذها بعد انهيار الاتّحاد السوفيتي، ثم ازدادت سيطرتها واستمرت أكثر حتى بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠١١ بما يسمى الحرب على الإرهاب، حتى ألغت ثورة 21 سبتمبر النفوذ والوصاية.

ويوضح الرميمة أن الفضائح والانتهاكات التي كشفت مؤخّراً منها تدمير الصواريخ، والاتصالات الهاتفية بين أمريكا وخونة اليمن دليل واضح على السيطرة الأمريكية على القرار السياسي، ومن هنا ندرك أهميّة المشروع القرآني والصرخة التي أطلقها السيد حسين بدر الدين الحوثي سلام الله عليه كمشروع حرية واستقلال، وكيف تم إخراج أمريكا وأدواتها التقليديين وغير التقليديين (القاعدة وداعش) وفضحهم وإحباط مخطّطاتهم؛ للنيل من هذا الشعب.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com