تسريعُ “الاتّفاق الإنساني” قبل مناقشة “وقف إطلاق النار”: انغلاقُ أفق “الابتزاز” أمام العدوّ
المسيرة | خاص
في الوقت الذي تُوَاصِلُ فيه الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ محاولاتِها لخلقِ ضغوطٍ على صنعاءَ؛ مِن أجلِ وقفِ تقدُّمِ قواتِ الجيش واللجان الشعبيّة في محافظة مأرب، بدا أن صنعاء تمكّنت من تثبيت مطلب “الفصل بين الملف الإنساني والملفات السياسية والعسكرية” على طاولة المناقشات، وَإذ عقد الوفدُ الوطني، أمس الأول، لقاءً مع المبعوث الأممي وفريقه؛ لمناقشة “الاتّفاق الإنساني”، الأمر الذي يشير إلى انسداد طريق “الابتزاز” أمام العدوّ ورعاته، الذين أصرُّوا خلال الفترة الماضية على رَبْطِ الاحتياجات الإنسانية لليمنيين بمعركة مأربَ والضرباتِ الصاروخية والجوية.
وقال رئيسُ الوفد الوطني، ناطقُ أنصار الله، محمد عبد السلام: إن اللقاءَ مع المبعوث الأممي وفريقِه ناقَشَ “الاتّفاقَ الإنسانيَّ والعملَ على تسريعه؛ نظراً للوضع الإنساني الذي يعانيه الشعبُ اليمني جراء الحصار الظالم ومنع دخول المشتقات النفطية وإغلاق المطارات، وبما يُمَهِّدُ للدخول في نقاشات أوسع لوقف إطلاق نار دائم وتسوية سياسية شاملة”.
بدوره، أوضح المبعوث الأممي، مارتن غريفيث أن اللقاء “ناقش خطة الأمم المتحدة لتخفيف القيود عن حرية حركة الأفراد والسلع والتوصّل لوقف إطلاق النار على مستوى البلاد، والتزام الأطراف بإعادة إطلاق العملية السياسية”.
مناقشةُ المِلَفِّ الإنساني كـ”تمهيدٍ” للدخول في نقاشات حول “وقف إطلاق النار” يُمَثِّـــلُ تغييراً ملحوظاً في طريقة تعاطي المبعوث الأممي مع الوضع، فخلال الفترة الماضية كانت طريقة التعاطي الأممية تتمحور حول ربط الملف الإنساني بالملفات العسكرية والإنسانية؛ تماشياً مع الرغبة الأمريكية السعودية، وهو الأمر الذي كانت صنعاء تؤكّـد باستمرارٍ رفضَها القاطِعَ له، مؤكّـدة على أنه لا حديث عن أي سلام قبل رفع الحصار.
بالتالي، فَـإنَّ اللقاءَ الأخيرَ يكشف أن العدوّ والأمم المتحدة يدركان الآن انسداد أفق تلك “المقايضة” وضرورة الاقتراب من التعاطي مع مطالب صنعاء الثابتة والعادلة، وحتى إن كان منسوبُ الثقة بالأمم المتحدة منخفضاً حولَ جدية هذا التعاطي، فَـإنَّ تجاوز مرحلة الابتزاز والمقايضة بحد ذاته، يمثل تقدماً مهماً لصنعاء على طاولة المناقشات.
في الوقت ذاته، يبدو أن الولايات المتحدة ما زالت تحاول خلق ضغط “دولي” لاستخدامه ضد صنعاء، حيث يواصل المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، مارتن ليندركينغ، عقد لقاءات مع أطراف خارجية تحت يافطة “بحث وقف إطلاق النار ومعالجة الأزمة الإنسانية”، بالتزامن مع تصريحات رسمية مُستمرّة تطالب صنعاء “بالانخراط في السلام” و”التوقف عن سلوكها المزعزع” مع انخفاض بسيط في نسبة التركيز على جبهة مأرب بالذات، الأمر الذي يعني أن واشنطن تدرك هي أَيْـضاً فشل محاولة الابتزاز، لكن يبدو أنها غير مستعدة للتخلي عنها تماماً.
يأتي هذا بعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد عبرت عن انزعَـاجها من تمسك صنعاء بموقفها المتمثل بفصل الملف الإنساني عن الملفات العسكرية والسياسية، وبعد محاولات حثيثة لحشد موقف دولي للضغط على صنعاء لدفعها نحو التعاطي مع ذلك “الابتزاز”، كما كانت أنباء قد تحدثت عن محاولة للجوء إلى مجلس الأمن لـ”إلزام” صنعاء بذلك من خلال قرار دولي، وهو الأمر الذي أعلنت الأخيرة أنها لن تقبل به أَيْـضاً.
وكان عضو الوفد الوطني، عبد الملك العجري، قد أكّـد الأسبوع الماضي أن الولاياتِ المتحدةَ “لا يعنيها مِن وَقْفِ الحرب إلا وَقْفُ التقدم في مأرب”، وأن المبعوث الأمريكي يتحول “لشاهد زور لصالح العدوان” عندما يقول: إن “السفن منتظرة قبالة ميناء الحديدة”.
وَأَضَـافَ أن “أي مشروع سلام يتجاهلُ حصارَ ومعاناة شعبنا أولاً محكومٌ بالفشل”..
في المحصِّلَةِ، يبدو بوضوحٍ أن السعوديَّةَ والولاياتِ المتحدة تواجهان اليومَ فشلَ مسار “الابتزاز” التي بدأت رسميًّا مع إعلان “المبادرة” الخَاصَّة؛ بعرض “تخفيف القيود الإنسانية مقابل وقف التقدم في مأرب ووقف الضربات الصاروخية والجوية”، فيما تتقدم صنعاء نحو أفق مفتوح قد تتمكّن فيه من الوصول إلى معالجة للوضع الإنساني بدون تنازلات عسكرية وسياسية، وذلك نتيجة الثبات على الموقف المنطلق من مشروعية الاستحقاق الإنساني للشعب اليمني.