الكعبة المشرفة واعتداءاتُ يزيد الماضي والحاضر

 

محمد موسى المعافى

بعد أن تمكّن عبدُ الله بن الزبير بن العوَّام من السيطرة على بلاد الحجاز، ورفض بيعةَ يزيد بن معاوية، جهّز الأخيرَ جيشًا من أهل الشام بقيادة مسلم بن عقبة وقصد بلاد الحجاز لمحاربة عبد الله بن الزبير، فدخل جيشُ الشّام سنة 63 هـ، إلى المدينة المنوّرة وفعلوا فيها ما لا يخطر على ذهن مسلم، فاستباح مسلم بن عقبة المدينةَ لجيشه ثلاثة أَيَّـام، فقتلوا وذبحوا ونكّلوا بكثير من الأصحاب وأبناء الأصحاب والتابعين، وَاغتصبوا النساء وهتكوا الأعراض، وسرقوا الأموال وَالأرزاق، وسمّيت هذه الحادثة بوقعة الحرّة.

ثمّ بعد ذلك وفي سنة 64 للهجرة، توجّـه جيش الشام إلى مكّة المكرمة التي كانت مقرّ الخلافة لــ عبد الله بن الزبير، قبل أن يصلوا إليها مات قائد الجيش، فخلفه الحصين بن النمير، فحاصر مكّة المكرمة بأهلها لمدّة طويلة، حتى تمكّن من السيطرة على بعض الجبال حول مكّة، ثمّ ضرب المسجد الحرام (الكعبة) الذي كان يتحصن فيه عبد الله بن الزبير وأهل مكّة، بالمِنْجَنيق ورماها بالنّيران، ممّا أَدَّى إلى احتراقها وزوال أعمدتها الخشبية، وميلان جدرانها، وبعد أن فشل جيش يزيد بن معاوية في السيطرة على مكّة المكرمة، عاد هذا الجيش للشام عندما علم بموت يزيد بن معاوية.

فعمد ” عبد الله بن الزبير ” سنة 65 هجري، إلى هدم ما تبقى من الكعبة حتى سوّاها بالأرض، لإعادة بنائها من جديد، وهنا يُروى أنّه بناها بمساحة أكبرَ ممّا كانت عليه زمن الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله)، بناءً على قول عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله)، التي نقلت أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قال: إنّ قريشًا وبسبب قلّة المال بَنَت الكعبة بمساحةٍ أقلَّ من المساحة التي بناها عليها نبي الله إبراهيم (عليه السلام)، وأنّه (صلّى الله عليه وآله) قال: لولا حداثةُ قريش بالإسلام لهدمت الكعبة وأعدتُّ بناءَها من جديد، ولجعلت فيها بابين لكي يدخل النّاس من باب ويخرجوا من الباب الآخر.

والمرّة الثانية التي هدّمت فيها الكعبة المشرفة حصل سنة 74 للهجرة، على يد “الحجاج بن يوسف الثقفي” بأمرٍ من الخلفية الأموي “عبد الملك بن مروان”.

فبعد موت “يزيد بن معاوية بن أبي سفيان” انتقلت الخلافة إلى ابنه “معاوية بن يزيد” ولكن لم يَدُم حُكْمُه طويلاً فتم قتلُه غيلةً، ممّا ساعد على انتقال حكم بلاد الشام إلى “مروان بن الحكم” ومن بعده لابنه “عبد الملك بن مروان” الذي هدّم جيشه “الكعبة المشرفة” مرّة ثانية.

فعندما تولى “عبد الملك بن مروان” الحكم في بلاد الشام، جهّز جيشًا وأَمَّرَ عليه “الحجاج بن يوسف الثقفي”، ثمّ سيّره نحو بلاد الحجاز، وَبالتحديد إلى مكّة المكرّمة لمحاربة “عبد الله بن الزبير”.

فاتّجه هذا الجيش إلى مكّة المكرمة في فترة الحج، وحاصر أهلها أشدّ الحصار دام لأكثر من ستّة أشهر، ثمّ نصب المنجنيق على الجبال المحيطة بمكّة المكرمة، ورمى الكعبة وما حولها بالصخور الضخمة، حتى احترقت الكعبة وهُدِّم جزء منها جرّاء قصفها بالمنجنيق.

وبعد أن تمكّن جيشُ “الحجّاج بن يوسف” من خصمه، قَتل “عبد الله بن الزبير” وكل من بقي معه، وارتكب أشنع المجازر والجرائم في أهل مكّة.

واليوم يقدم يزيدُ العصر “محمد بن سلمان” على ما أقدم عليه أسلافه، وينتهج نهج اجداده ولكن بأُسلُـوبٍ آخر وطرق أُخرى.

فها هو يزيد العصر وعلى مدى عامين متواصلين يعطل فريضة الحج ويغلق بيت الله الحرام ويحول دون خروج المؤمنين رجالا وعلى كُـلّ ضامر من كُـلّ فج عميق لإحياء فريضة أعظم العبادات التي تعبر عن وحدة المسلمين وبراءتهم من المشركين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com