بين مجزرة تنومة ومجازر العدوان روابطُ وثيقة
د. تقية فضائل
مجزرةُ تنومة التي حدثت قبل 100 عام، قتل فيها سفاحو آل سعود آلافَ الحجيج اليمنيين المتوجّـهين إلى بيت الله الحرام، كانت هذه المجزرة تمثل إبادةً جماعيةً مروَّعةً بما تعنيه الكلمة؛ لأَنَّهم لم يتركوا طفلاً أَو امرأة أَو رجلاً أَو شيخاً إلا قتلوه بكل وحشية، وكان الحجيج متوجّـهين لأداء الصلاة ولم ينجُ إلَّا بضعة مئات ممن تظاهر بالموت.
وبعد أن انتشر خبر المجزرة لجأ السفاح عبد العزيز آل سعود إلى الأكاذيب وَتنكَّر للجريمة وحمّل مسؤوليتها لقطاع الطرق من مختلف القبائل ولم يعاقب عليها أحداً، وأدخلوها من بعد ذلك دهاليز السياسة ليطويها النسيان مِئة عام!!
والسفاحون الجدد من آل سعود اليوم يتلذذون بقتل اليمنيين على كُـلّ شبر في أرض اليمن بدمٍ بارد وبغطاء دولي يشرعن إجرامهم في قتل الآلاف من أهل اليمن أطفالاً ونساءً ورجالاً، وإن كانت تنومة الأمس دُبِّرت بليل فمجازرُ اليوم تتم على مرأى ومسمع العالم بأسره، وإن كان شهداءُ تنومة ظلوا مجندلين في العراء حتى أكلتهم الطيورُ الجارحةُ ولم يتم دفنهم، فضحايا القصف والقتل المتعمد غالبًا لم يبقَ من أجسادهم إلَّا الشيءُ اليسير؛ لأَنَّ الضربةَ تتلوها ضربةٌ أَو أكثر حتى يضمن المجرمون عدمَ بقاء أيٍّ كان على قيد الحياة وحتى ﻻ يبقى شيءٌ من رفاتهم!!
سفاحو اليوم لم يتركوا حجراً أَو شجراً أَو أياً من مقومات الحياة إلا دمّـروه، وهم يحتلون جزءاً من الأرضي اليمنية، وينهبون خيراتها، بينما يواجه اليمنيون أسوأَ مجاعة عرفها العالم في العصر الحديث، ولا عجب فأسلافهم لم يكتفوا بقتل الحجيج غدراً وهم يصلون بل نهبوا كُـلَّ ما كانوا يملكونه وهو ليس بالشيء اليسير ولم يعيدوا شيئاً منه حتى بعد أن طووا مِلَفَّ القضية.
وكما كانت مجزرةُ تنومة ذات هدف سياسي، وهو خدمة المحتلّ البريطاني في جنوب الوطن؛ وذلك كي يضطر الإمام يحيى لسحب قواته التي كانت تستعدُّ لمواجهة المحتلّ البريطاني في الجنوب إلى الحد الشمالي؛ ليخلوَ الجو لبريطانيا فتسرح وتمرح دون منغصات، أما مجازرُ العدوان اليوم فهدفُها واضحٌ وضوحَ الشمس وهو خدمةُ مصالح أمريكا وَإسرائيل في المنطقة، ﻻ سيما أن مقاليد الأمور في اليمن أصبحت بيد من يرفُضُ الانقيادَ لآل سعود وإملاءاتهم، وهذا يهدّدُ مصالحَ أسيادِهم أمريكا وَإسرائيل في المنطقة.
وكانت مجزرة تنومة رسالةَ ترويع وتخويف لليمنيين إن لم يخنعوا ويخضعوا لحكم آل سعود وإملاءاتهم المستمدة من أسيادهم البريطانيين آنذاك فسوف يواجهون الموتَ والدمار، أما اليوم فمجازرُهم محاولةٌ لاسترجاع سيطرتهم على اليمن لتنفيذ مشاريع أسيادهم من صهاينة وأمريكان في المنطقة.
مجزرةُ تنومة كان يحرِّكُ مرتكبيها هدفٌ ديني رسّخته عقيدةُ محمد بن عبد الوهَّـاب وهو أن كُـلَّ مَن عداهم كافر ويستحق القتل والنهب، ومجازر العدوان تحَرّك مقاتليها نفسُ العقيدة الوهَّـابية التكفيرية التي استباحت دماء المسلمين في كُـلّ مكان في العالم؛ بذريعة تكفيرهم، كما أنها كَثيراً ما اتخذت الشعارات الدينية مثل الدفاع عن مكة من الرافضة والمجوس.
في جميع المجازر قديمِها وحديثِها السفاحُ واحدٌ وهو يستخدمُ الوحشية المفرطة في القتل والتدمير، ولم يرع حقَّ الجوار أَو الأُخوة أَو الدين، والدم المسفوك هو الدم اليمني على الأرض اليمنية، والهدفُ الحقيقي هو خدمة دول الاستكبار العالمي وأهدافها وتركيع اليمنيين، مع وجود فارق جوهري وهو أن مجزرة تنومة طوتها السياسةُ المخادعة دون حساب وعقاب للسفاح المجرم وضاعت حقوق الضحايا وممتلكاتهم وكأن شيئاً لم يكن، بينما مجازر اليوم تجد من يرد للمجرمين الصاع صاعين ويؤدبهم على تطاولهم ووقاحتهم، بل ويجعلهم محطَّ سخرية العالم هم وَجيشهم الكرتوني وقائدهم الطائش المجرم وخططهم المكشوفة وَإعلامهم المهزوز الذي يمتهنُ الكذبَ لتغطية فضائحهم، وَقد كشفت الأيدي الخفية المحركة للعملاء من دول الاستكبار المتدثرين بلباسِ السلام والإنسانية ويهين صناعاتهم الحربية التي أُحرقت أمامَ العالم وفقدت سمعتها.
خلاصة القول إن المجرمين بحق اليمن وأهلها وجميع المسلمين لن ينجوا من العقاب، وأن مجزرة تنومة لم تُنْسَ ولن يتركَ السفاحون دون أن ينالوا جزاءَهم مهما صبرنا وقدّمنا من تضحيات، وَما دمنا اتخذنا خيارَ مواجهة الظالمين وردعهم والدفاع عن أنفسنا وبلادنا وثرواتنا، ونحن متوكلون على الله واثقون بنصره، سائرون تحت راية عَلَم الهدى -سلام الله عليه- وصدق الحق اليقين في قوله (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) وقوله: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ).