تجلياتُ بطولة الذي وفَّــى
أم الحسن أبو طالب
وعادت الملاحمُ البطولية لتحكيَ من جديد قصةَ بطل من أبطالها البواسل، البطل الذي ما كنا لنصدِّقَ ما رُوِيَ لنا عنه لولا أن شاهدنا بأُم أعيننا تلك المشاهد التي جسدت العنفوان البطولي والاستبسال الذي لا نضير له للبطل الطومري أبي فاضل.
سمعنا وشاهدنا كَثيراً عن أبطال بوليوود ونجوم هوليوود الذين رغم تأكّـدنا بزيف المشاهد التي كانوا يؤدونها وأنها وحي من خيال المؤلف وحبكة المخرج وإتقان الممثل لأداء الدور إلا أننا رغم ذلك تأثرنا بها وتحمسنا لمشاهدتها وأثارنا الفضول لتتبع نهاياتها التي كانت تنتهي غالبًا بانتصار البطل وهزيمة أعدائه رغم كُـلّ الظروف.
وهنا في اليمن وفي محافظة الجوف تحديداً لا شيء من الخيال ولا مجال للحبكة السينمائية ولا للمشاهد التمثيلية والأحداث الدراماتيكية التي في الأفلام البوليودية، ففي مشهد واحد وبعدة صولات وجولات استطاع بطلٌ طومري واحد اختزال كُـلّ الحبكات والسيناريوهات، في موقف إنساني نادر الحدوث إلا في الأكاديمية الإيمانية للمسيرة القرآنية مسيرة البذل والعطاء والتضحيات التي جاء منها العباس بن علي بن أبي طالب وتخرج منها الكثيرون ممن ساروا على ذات الدرب ونهلوا من ذات المنهج.
شجاعة قل نضيرها واستبسال لا مثيل له في ساحات المعارك، فهناك، حَيثُ تربع الإيمان في قلب البطل الطومري وطغى الإحسان فيه على حب الذاتِ واستحوذت الشهادة على العرش فيه انطلق البطل الحيدري بعد أن استشعر مسؤوليته أمام الله وأمام زملائه المجاهدين المحاصرين الذين كان فيهم عدد من الجرحى فلم يكتفِ كما فعل الآخرون بالصبر والدعاء والانتظار حتى وصول المدد لفك الحصار، بل بادر وكان هو المدد وأصبح مع إيمانه وشجاعته وثقته بالله وآليته المتحصنة ببأس صاحبها وعظيم توكله على الله أصبح مدداً استطاع كسر الحصار وإنقاذ ما أمكنه من المجاهدين المحاصرين.
تلك الصولات الطومرية التي أصابت العدوّ بالذعر من هيبة انقضاض أبي فاضل واقتحامه للدائرة التي ظن العدوّ أنه قد أحكم سيطرته على جميع أقطارها وأن مصير من يقترب منها هو الهلاك، ليجد بعدها فارساً لا يُشَقُّ له غُبارٌ صال وجال في الميدان ليحقّق هدفه في إنقاذ المجاهدين وإيصال المدد لهم مرتين ويرتقي في الثالثة شهيداً متوجاً بالعزة والمجد والسؤدد.
لقد حقّق الأعداء غايتَهم وأنزلوا الفارس من على جواده ليثبت لهم مرة أُخرى أنه سيمضي ولن يبالي بنيرانهم حتى وإن كان خالي الوفاض لا يملك مترساً يقيه من رصاصاتهم وسيل مقذوفاتهم عليه وليت شعري ما كانت تلك اللحظات الأخيرة التي عاشها ذاك البطل وهو يمضي بعد نزوله من آليته التي أعطبتها رصاصات العدوّ حين كانت تتناوشه الرصاصات فتصيبه واحدة وتخطئه العشرات وأية عزيمة تلك التي حملته على ذلك الدرب ليمضي فيه وأية نهاية كان يراها حينها ليسعى لها مضرجاً بالدماء يعرج لها عرجاً..
لعَمْرِي إنها الشهادة وما أعده الله للمخلصين من النعيم أمثال أبي فاضل البطلُ الذي وفّى.
لم يفلح العدوّ في مخطّطاته بل إن ما جهله كان كَبيراً، فالعدوّ لم يعلم أنه حين ينطلق من تشبع من نهج المسيرة القرآنية ومعينها فلا عجبَ أن تحدث له المعجزات التي تجعل من الرصاصات وَلهيب الذخائر تتساقط أمام عظمة المجاهدين وبأسهم واستبسالهم كزخات وأن المؤمن الحق حين يمضي في سبيل الله لا يخشى المخاطر مهما بلغت من الشدة، فالموت بالنسبة له في ذلك الميدان هو غايةُ الغايات وأسمى الأمنيات، فالبطل الذي وفّى حين سقط على تراب أرضه مطهراً بدمائه إياها من دنس المحتلّين والمرتزِقة الخائنين وَمعبِّداً بدمائه وتضحياته طريقاً للنصر والفتح لم يكن قتلهم له إلا سبيلاً إلى تلك المكانة والمقام للرفيع الذي سعى دوماً للوصول إليه وتعميداً لدرب الجهاد قدماً قدماً، حيث أن بطلاً كأبي فاضل ما كان يليق بتلك البطولات التي حقّقها إلا أن تتوج بالشهادة لتظل قصته تحكي بطولة فارسٍ من فرسان المدرسة القرآنية التي حملت وما زالت أبطالاً من ذات رحمِ القداسة والطهارة.