هرولةٌ أمريكيةٌ نحو التصعيد في اليمن: “السلامُ” كخطة حربية!
قراراتُ ومواقفُ “واشنطن” الأخيرة تفضحُ نواياها العدوانية:
المسيرة | تقرير خاص
كشفت جُملةُ المواقف والتصريحات والخطوات الأمريكية المتعلقة بمِلَفِّ اليمن، منذُ مطلع هذا الشهر الجاري، عن نوايا أمريكيةٍ واضحةٍ للتصعيد وبأشكالٍ متعددة تتقاطع كُلُّها عند غايات رئيسية معروفة، أبرزُها العملُ على استعادة الوصاية على اليمن وتأمينُ المطامع الجيوسياسية على البر والبحر، وهو ما يعني استمرارَ العدوان والحصار، ومحاولة تعويض الفشل الميداني الذي تحقّق خلال السنوات الماضية بوسائَل مختلفة.
تعزيزُ قدرات المرتزِقة والتكفيريين
أبرز الخطوات الأمريكية التصعيدية التي سُجلت مع مطلع هذا الشهر، كان قرار وزارة الدفاع بـ”إعادة التعامل” مع القوات التابعة لحكومة المرتزِقة، والتوجّـه نحو “تطوير وبناء قدراتها”، وقد اختارت الولايات المتحدة ثلاثةَ تشكيلات عسكرية من هذه القوات هي “حرس الحدود وخفر السواحل والعمليات الخَاصَّة”، حَيثُ ستقوم بتدريب ضباط داخل أمريكا، على مهامٍّ محدّدة قال القرار إنها “تخدُمُ المصالح الوطنية الأمريكية” تحت شعار “مكافحة الإرهاب والتهريب وحماية حركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب”.
تزامن هذا القرار مع خطوات أُخرى كشفت أبعادَه وساعدت على فهمه بشكلٍ أفضلَ، ومن تلك الخطوات لقاء قائد قوات البحرية الأمريكية الوسطى، وقائد الأسطول الخامس، براد كوبر، مع المرتزِق الفار علي محسن الأحمر، المعروف بكونه أبرزَ الأدوات التي وظّفتها الولايات المتحدة خلالَ عقود في مخطّطات خطيرة وكبرى، أبرزهُا نشرُ وتدريب وتسليح جماعات “القاعدة”، حتى بات يُعرف دوليًّا بـ “الأب الروحي” لها في البلاد.
وقد تناول اللقاءُ نفسَ المواضيع التي تضمنها قرار “إعادة التعامل”، الأمر الذي مثّل دلالة، أكّـدها لاحقاً مسؤولون في صنعاء، على وجود خطة أمريكية للتصعيد ميدانيًّا، باستخدام الأذرع العسكرية والاستخباراتية في البلاد، وعلى رأسها جماعات “القاعدة وداعش” المرتبطة فعلياً بالتشكيلات العسكرية التي تحدث عنها القرارُ الأمريكي.
تم تأكيدُ هذا الأمر عمليًّا من خلال قيام الجماعات التكفيرية والمرتزِقة بإشعال بعض الجبهات في محافظة البيضاء، وهو ما أشَارَت إليه وسائل إعلام تابعة لحكومة المرتزِقة كـ”نتيجة” من نتائج القرار الأمريكي.
لكن ذلك ليس كُـلّ شيء، فالقرارُ يشيرُ بوضوح إلى تصعيدٍ أوسعَ يبدو أن الولايات المتحدة تقوم بالتهيئة له، محاولة الاستفادة من الوقت التي تظن أنها تكسبُه من خلال المناورة السياسية ورفع شعارات “السلام” وإنهاء الحرب، وهو تصعيدٌ تعيدُ ملامحُه إلى الأذهان مخطّطاتٍ سابقةً واسعةً كانت تفاصيلها قد كُشفت بالوثائق، حَيثُ كانت الولايات المتحدة، خلال العقود الماضية، قد اتخذت شعاراتِ “الدعم العسكري” و”تدريب القوات” و”مكافحة الإرهاب والتهريب وحماية الملاحة” كمبرّرات لتعزيز تواجدها المباشر على الأراضي والمياه اليمنية؛ مِن أجلِ تأمين مصالحها ومخطّطاتها المتعلقة باليمن وبالمنطقة.
هذه المخطّطات غير مستبعَدة في سياق الأحداث الحاصلة، فالولايات المتحدة قد أعادت بالفعل تنشيط الجماعات التكفيرية وكشفت عن حرص كبير على الحفاظ عليها من خلال الاستماتة في المطالبة بوقف تقدم الجيش واللجان في محافظة مأرب، وهي بالتوازي مع ذلك تعمل على تعزيز وجودها في مضيق باب المندب من خلال القاعدة الجديدة التي تم تشييدها مؤخّراً في “ميون” والتي أشَارَت “أسوشيتد برس” إلى أنها مرتبطة بالمصالح الأمريكية.
مضاعفةُ الدعم العسكري للسعوديّة والتهرُّبُ من “السلام” الفعلي
من الخطوات الإضافية التي كشفت عن توجّـه أمريكي واضح للتصعيد، اللقاءات التي جرت في الولايات المتحدة بين نائب وزير الدفاع السعوديّ خالد بن سلمان، والمسؤولين الأمريكيين العسكريين الذين أكّـدوا على “دعم وتعزيز القدرات الدفاعية السعوديّة” بشكل خاص، وَ”القدرات الدفاعية السعوديّة” هي مصطلح تستخدمُه إدارة بايدن للحديث عن تزويد السعوديّة بمختلف أنواع الأسلحة، والقيام بالعمليات العسكرية العدوانية ضد الشعب اليمني؛ لأَنَّ بايدن كان قد زعم أنه أوقف الدعم “الهجومي” للمملكة، وأبقى على الدعم “الدفاعي” وهو يسعى لتكريس هذه الرواية، على الرغم من أن الكونغرس نفسه قد أوضح أكثر من مرة أن الفرق بين الأمرين لا زال غير واضحٍ، وأن البيت الأبيض لا زال يرفض التوضيح بخصوص هذا القرار.
بالتالي، فَـإنَّ الولايات المتحدة متجهة بوضوح نحو تصعيد العدوان والحصار على اليمن، وهذه الخطوة تنسجم مع قرار “تعزيز القدرات” سالف الذكر، في التأكيد على أن الموقف الأمريكي بخصوص اليمن يبتعد أكثرَ فأكثرَ عن “السلام”.
هذا ما أكّـدته أَيْـضاً تصريحاتٌ للخارجية الأمريكية، خلال الأيّام الماضية، تكرّرت فيها عبارات “الإدانة” لعمليات الجيش واللجان الشعبيّة وخُصُوصاً في مأرب، كما تكرّرت محاولة تحميل صنعاء مسؤولية “رفض السلام”، مع التأكيد على “استمرار العمل مع الشركاء الدوليين للضغط على الحوثيين” حسب تعبير نيد برايس، المتحدث باسم الوزارة، لقناة الجزيرة.
هذا الموقف يعني أن الولايات المتحدة متمسكة بخيار “ابتزاز” صنعاء، وأن الحراك الدبلوماسي الذي شهدته الأشهر الماضية والذي تمحور كله حول محاولة إقناع صنعاء بمقايضة الملف الإنساني بمكاسبَ عسكرية وسياسية تنطوي على “الاستسلام” لم يكن “بداية” تغيير في الموقف الأمريكي باتّجاه وقف الحرب، بل كان بمثابة “عُقدة” مقصودة وضعتها واشنطن على الطاولة لهدفَين: إما إقناعُ صنعاء بقبول الصفقة وضمانُ انتصار سريع وغير مكلَّف، أَو إضاعةُ الوقت في النقاش، وخلقُ انطباع لدى الرأي العام بأن الولايات المتحدة “تبذُلُ جهوداً للسلام” مع استثمار ذلك الوقت في التجهيز لتصعيدٍ جديدٍ و”تقييد” خيارات صنعاء العسكرية.
بالتالي فَـإنَّ “السلام” في قاموس إدارة بايدن، يعني خطةً قتاليةً مختلفًة، لا أكثر، وهذا هو التقييمُ المعلَنُ من قبل صنعاء لسلوك البيت الأبيض.
ويبدو من سياق التصريحات الأمريكية الأخيرة أن الولايات المتحدة متمسكة بشدة بهذه الخطة؛ لأَنَّها ترى أنها “واعدة” وأن فيها إمْكَانية لخداع صنعاء أَو لكسب فترة أُخرى من الوقت، الأمر الذي يعني أنها قد تحاول استخدام أوراق أُخرى (ستدور كلها حول فكرة ابتزاز صنعاء أَو تسييس المِلَفِّ الإنساني أَو الدخول في تفاصيل للهرب من الشروط الرئيسية)؛ لجعل المناورة مُستمرّة لأطول فترة ممكنة.
استمرارُ إدارة الفوضى بالمناطق المحتلّة
على صعيدٍ آخر، لكن أَيْـضاً في إطار الخطوات الأمريكية التي تكشفُ استمرارَ الخداع، وبالتالي استمرار العدوان والحصار، كان للولايات المتحدة خلال الأيّام الماضية موقفٌ مساندٌ للنظام السعوديّ فيما يتعلق بما يسمى “اتّفاق الرياض” الذي تحاول السعوديّة من خلاله إدارةَ الصراع بين المرتزِقة، حَيثُ أكّـدت واشنطن دعمَها لتوجّـه الرياض نحو الضغط على مليشيا ما يسمى “المجلس الانتقالي” التابع للإمارات؛ مِن أجلِ إخضاعِها للرغبة السعوديّة.
وهدّدت القائمُ بأعمال السفيرة الأمريكية في اليمن، كاثي ويسلي، المليشيا قبل أَيَّـام بـ”رد دولي” إذَا لم تتوقف عن التصعيد في المحافظات الجنوبية.
هذا الموقفُ يؤكّـدُ استمرارَ الدعم الأمريكي لمواصَلةِ استخدام “اتّفاق الرياض” كمِظلةٍ لإدارة مخطّط توزيع النفوذ في المحافظات المحتلّة، وهو مخطّطٌ مرتبطٌ بشكل واضح بمصالحِ رُعاةِ العدوان وعلى رأسهم الولايات المتحدة في تلك المحافظات وسواحلها وجزرها.
كما يؤكّـد هذا الموقفُ على مواصلةِ خُدعةِ تقديم السعوديّة كـ”وسيط سلام” في اليمن، من خلال هذا “الاتّفاق”، وهو ما ينسجمُ مع مسار التهرب من متطلبات السلام الفعلي مع صنعاء، ومحاولات صُنع دعايات؛ للتغطية على نوايا وخطط التصعيد العدواني.