حالُ الأطفال مع بداية العام الدراسي

 

رويدا البعداني

ما إن يدق ناقوسُ المدرسة، معلنًا عن بدءِ عامٍ دراسي جديد، نرى غالبية الأطفال يصابون بنوبات من القلق والتوتر، ينتابهم خوفٌ شديدٌ لا يكاد يتزحزح، تغزوهم كوابيسُ مفزعةٌ تتشكل في عقولهم الصغيرة مخلفةً بذلك مشاكل لدى الطفل كإعاقة نموه النفسي، وشلل في مسايرة حياته الاجتماعية، بما في ذلك رفضُه للعالم الخارجي وانجراره نحو مرافئ العزلة والتوحد.

ولأننا كبار لم نعد نفقهُ عن مناخ الصغر وكينونته، نرى أن هذه التصورات وهمية خيالية لا صحة لها، بينما لو أمعنا الرؤية ودققنا أكثرَ لوجدنا أنها مشكلةٌ حقيقيةٌ يعاني منها غالبية الأطفال، خَاصَّة ذوي الصفوف الابتدائية الذين ما زالوا يجهلون ماهيةَ العالم الخارجي وضوضائه.

تبدأ مراسم القلق بالحشد مذ سماعه نبأ العودة إلى المدرسة، وكأن يسمع عن استفاقة شبح مرعب غط في سباته لشهور وحان الوقت لأن يصحو.

من هنا كان لا بُـدَّ منا أن نبحث عن الأسباب؛ مِن أجلِ أن نلقى لتلك الاضطرابات والانفعالات إجَابَةً واضحةً، من خلال التدقيق والبحث الجاد عن عوامل نشوب هذه المخاطر وتفاقم تلك المعتقدات التي بدورها تزعزع من أمان الطفل وهوادته، وتسلبه حقه في الرؤية والتطلع إلى آفاق الكون والإبحار في سعته الواسعة بشغف ودهشة.

إن من يتعمق في دراسة هذه الظواهر المصاحبة للأطفال يجد أن مناخَ الأسرة يعتبر من أكبر العوامل المؤثرة في حياة الطفل وكيف ستؤثر سلبًا أم إيجابًا على شخصيته في مراحل حياته القادمة، إذ يعتقد بعض العلماء المختصين بالتربية أن سبب خوف الطفل من المدرسة، ليست في المدرسة ذاتها وإنما في علاقته غير الجيدة مع أسرته وما يعانيه داخل منزله، وقد أظهرت نتائجُ البحوث أن للمناخ الأسري المبني على الخلافات المستمرة ونبذهم للأبناء وافتقاره للتفاهم والمحبة دوراً رئيسياً في تشتت الطفل وشعوره بالإحباط وعدم ثقته بنفسه، أَيْـضاً إغداق الطفل الكثير من الاهتمام والحماية والحب يولد في داخله العجزَ والاعتمادية، وأعني بذلك على وجه الخصوص الأم التي تشعر طفلَها وكأن في الخارج ذئابٌ متوحشة فتزيده خوفًا من البيئة الخارجية وعدم الرغبة في الاختلاط بالغير دون علمها بالنتيجة، وهذا بدوره يزيد ضعف الشخصية عند الطفل والاعتماد على والديه بكل شيء، بينما هو يظل متسمر في مكانه أمام ما يحدث في هذه العوالم لا يسعه إلا التنفيذ والتحديق والمزيد من الخوف.

مثل هذه الظواهر ينبغي أن تُحل بطرق مدروسة مجربة هدفها وضع حَــدٍّ نهائي لهذه المخاوف واجتيازها بأسرع وقت ممكن؛ كي لا تتجذر أكثر وتنمو في أوساط مجتمعاتنا، خَاصَّة المجتمعات الريفية التي لم تحظَ بالتعليم الكافي، والتي لا زالت تجهل مدى خطورة هذه الظواهر لاحقًا وإليكم بعض الإرشادات والتي سأتوجّـه بها إلى الآباء والأُمهات وكل أرباب الأسر:

١- تفهم هذه الظاهرة لدى الطفل بالشكل الصحيح والمبادرة بالبحث عن علاجها والحد منها.

٢- عدم مقارنة طفلك بطفل آخر خَاصَّةً بمستواه الدراسي إن كان متدنياً وصديقه تفوق عليه، فهذا يسلب الطفل كرامته ويغرس في داخله عدمَ الثقة بالنفس وأنه لا يفيد لشيء، لذا فالأجدر بك أن تسأل نفسَك عن سبب تدني مستوى طفلك وسترى أنك أول الأسباب في ذلك.

٣- عدم تشجيع الطفل بالقدر الكافي ولومه الدائم إن حصل وفشل في تحصيله العلمي، فهذه المرحلة تحتاج لتصفيق وتشجيع لا عبارات الفشل واللوم المستمر من أنت حتى تمنع غيرك بالفشل؟

٤- تهديد الطفل بمعلمه حتى وإن عاد لمنزله، أَيْـضاً تخويفه من الأشياء التي تفزعه وبهذا تكون الأم أَو الأب قد قضيا على حق طفلهما في التعليم، سالبين من نفسه حق السلطة في التربية.

٥- عدم إغداق الطفل بالحماية الزائدة، حتى لا يشعر بالعجز، أَيْـضاً توفير الجو المناسب للطفل حتى تنمو نفسيته بطريقة سليمة.

٦- الرعاية الصحية للطفل وعدم القسوة وتحميله ما لا طاقة له به خَاصَّة الأسر الفقيرة التي تعاني من ضنك المعيشة فكان الطفل هو الضحية.

7- من المهم أن يدرك الوالدان أن النجاحَ أمر نسبي، وعليهم أن يكتشفوا ملامحَ الإبداع والاهتمام عند أبنائهم، فيقوموا باستثمار قدراتهم وتطويرها – تحفيزاً وتشجيعاً ورفداً بما يجعلهم مميزين-.

8- كما أن للأوضاع السياسية والاحتراب الذي وجدنا أنفسنا في معتركه، قد ألقى بظلاله على المنظومة التعليمية والتربوية، فانعكس ذلك على الأطفال بصورة قلق واضطراب وتوجس، ولولا خشية التطويل لذكرناه بالتفصيل.

ويبقى التعليمُ هو الدربَ الزاخرَ بالنور، جسرَ عبور مفروشاً بالتحضر والتقدم، فمن أراد النور والبصيرة فليكن دربه نحو العلم والتَّعلم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com