مدرسة الجهاد.. ثقافة الاستشهاد

 

عصماء الأشول

عندما تختلط المفاهيم مع بعضها البعض يختلط الحق بالباطل، والصدق بالكذب، والنفاق بالإيمان، والإخلاص بالخيانة، والرياء بالولاء، تنقلب الموازين، وتتبدل الأحوال، وتتغير المواقف، وتُخلق الأعذار، فتصبح في محطّ عاصفة هوجاء لا تعرف أين اتّجاهها، هكذا ما حصل مع الإمام الحسين العالم الزكي، التقي، الزاهد، الشجاع، المخلص، الوفي، الذي اكتملت فيه صفات مكارم الأخلاق.

بدأ مسيرتهُ العلمية والجهادية التي رباه عليها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فنشر العلوم والمعارف، حتى بلغ العلم ذروته، فحيكت المؤامرات ضده، ولم يرَ حلًّا إلا مقارعة ومجابهة أعداء الله، خرج لمنازلتهم ولم يخشَ في الله لومة لائم، فكان همه إعلاء كلمة الله ونصرة المستضعفين عندما تمادى أمراء السوء فقال عليه السلام: ((ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمَّـة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)).

خرج من المدينة إلى الكوفة عندما أرسلوا إليه كتبهم بالمبايعة له وما إن وصل إلى منطقة تُسمى كربلاء، نُصبت له المصائد، ونقضوا العهود والمواثيق والبيعة طمعاً في الدنيا ولم يكتفوا بنقض العهد والبيعة بل قاموا بحصاره ومنعوا عنه الماء، وتعاونوا على قتله وأرادوا منه مناصرة الأمير وإن كان فاسداً، كيف يكون الموقف عندما ترى الذل والإهانة؟!

“ألا إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة” فكان رد الإمام الحسين الرد المشرف والمجاهد “فهيهات منا الذلة”.

حاصروه، وحرموه شربة الماء، ولم يرضوا أن يعطوا الماء حتى للنساء فذهب العباس؛ ليوصل الماء لهن فقُطعت يداه، ولم يسقوا حتى الرضيع فقال لهم الإمام الحسين: ((أسقوا هذا الرضيع فقد جف الحليب من صدر أمه))، فسقوا الطفل سهامهم من الوريد إلى الوريد، لم يرعوا حرمة لا لطفل ولا لمرأة.

عندما أردوا قتله أعطى لهم خطبة؛ ليردهم إلى رشدهم لا خوفاً من الموت فهو يعلم أنه يُقتل ظلماً؛ مِن أجلِ الله وفي سبيله كيف يخاف من القتل وهو من باع من الله؟!

وهو القائل: “رضا برضاك لا معبود سواك تركت الخلق طراً في هواك وأيتمت العيال لكي أراك فلو قطعتني في الحب إرباً لما مال الفؤاد إلى سواك”.

قتلوه ظلماً وغدراً لم يستطيعوا مجابهته فصبوا عليه أسهم الغدر والخيانة، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بقطع رأسه الطاهر؛ ليحظوا بجائرة من أميرهم يزيد بن معاوية بن هند آكِلة الأكباد، فنعم من باع ونعم المشتري.

ظنوا أنهم قتلوه وقطعوا رأسه، لكنهم لم يعلموا أنه أسس ثقافة الجهاد والاستشهاد على مر العصور، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ولا مساومة في دين الله، وأن نهاية الظالمين حتمية ومؤكّـدة مهما تعالى وتعاظم، وأن العظمة لله سبحانه تعالى.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com