الأهداف السياسية لكربلاء

 

أمة الملك قوارة

“إنما خرجتُ لطلبِ الإصلاح في أُمَّـة جدي”.. لافتة خروج الحسين، وذلك عندما ينتشر الفساد، وتضيع معه الحقوق، ويبسط الظالم على ما ليس له، ويجوع الناس، ويعيث الوالي في ولايته فساداً وبطرا، ويبقى غالبية الناس في وضعية المحايدة، بين صرخات ضمائرهم وسكوتهم، خوفاً من تجرؤ اليد التي قد تبطش بهم، فما الذي كان يجب على ابن بنت رسول الله في واقع مثل هذا؟!

يرسل يزيد للحسين ليبايعه، وهنا يرفض الحسين مبايعته؛ لأَنَّ الأُمَّــة تعيش في مستنقع من الظلم والفساد؛ بسَببِ ولاية معاوية فكيف إذَا تولى ابنه يزيد المعروف بطيشه أمر خلافة المسلمين؟ بعد ذلك يصل خبر رفض المبايعة إلى يزيد، ليتخذ بعدها الجهوزية التامة للرد على أي فعل يصدره الحسين، لكن عندما كانت الأُمَّــة مسؤولية كُـلّ فرد فيها، خرج سبط رسول الله وهو يعلم من يواجه، وما الذي قد يدفعه من ثمن في سبيل ذلك، وإنما حرقةٌ على الحضيض التي وصلت إليه الأُمَّــة، حَيثُ كان السكوت عاراً عليه، وذلاً لمن وصفوا أنفسهم بالمؤمنين، وفي ظل تلك الظروف التي عاشتها الأُمَّــة في خلافة معاوية إلى انتقال الولاية لابنه، انقسم الناس إلى طائفتين، طائفة قد أُشبعت بطونهم بفتات وبقايا الوالي وارتضوا المكوث بجواره فساندوا فعله وجملوا رأيَهُ فامتدت أيديهم لتطول ما ليس لهم برضاه، وطائفة ارتضوا بالذل والكمد والقهر وسكتوا، خوفاً من البطش والنكال واستسلموا، وهنا يخرج الحسين بثورته ضد الطغيان، ليمثل الطائفة الثالثة التي قد تجذب إليه من سكتوا كمداً وربما قد يصحوا بثورته عامة الناس، خرج للإصلاح وليوجه رسالة بأن الأُمَّــة لا يمكن أن يحكمها المفسدون.

كان يزيد يعرف الأهداف والمبرّرات التي خرج بها الحسين، وهذا ما قد يؤجج عليه عامة المسلمين وقد يُخلع جراء ذلك من خلافته، لذلك أعد الخطة المحكمة لكربلاء، ليستبيح بها دماء الحسين وأهله وينكل بهم ويمثل بأجسادهم، ولقد انتقم من الحسين وثورته لكن ما الرسالة الأُخرى من لوحة استباحة الدماء والقتل بأشرف خلق الله دون الانتقام؟ إنها رسالة العبرة بابن بنت رسول الله لكل من ما زال في ذهنه ذرة اعتراض على خلافة يزيد، وحتى لا تقوم بعد تلك الثورة قائمة ضد أي فعل أَو طغيان يصدر من الوالي، وليفعل بعدها ما يشاء وما يحلو له وبالطريقة التي يحبذها دون الرضوخ لأية قواعد أَو قوانين أَو أية مراعاة لحقوق المسلمين، وهذه هي الرسالة التي يقدمها الطغاة والمفسدين للأحرار بما يستبيحونه من حرماتهم، لكي يمثلوا العبرة للناس فلا نطق ببنت شفة بعدها، وإنما كانت نتائج أفكارهم المشوهة التي يحاولون بها إسكات أصوات الحرية، فينفذ أذناب يزيد جريمة كربلاء بشكل يوحي للناس بأنه بعيد عن الأحداث ليصل إليه الرأس وينكت فيه لقد أجبرنا على ذلك، ليخرج بعدها معزياً للمسلمين ومتجرداً من الخطيئة، وإنما كان شعره، ورد زينب عليه كافٍ بفضحه أمام الجميع، لكنه وصّل رسالته إلى عامة الناس، والتساؤل يقدح من موقفه وغروره، والآن من يجرؤ بعد؟!

وحدث أن الحسين يوجه أعظم رسالة على مر التاريخ والتي تخطت فكر يزيد الوضيع وغروره وكيده لتصل إلى أعماق جذور الحرية في كُـلّ نفس مؤمنة أبية، وليرسم بدمائه على جدار التاريخ أعظم لوحة لثمن الحرية في صورةٍ قلَّ مثيلها من التضحية والشجاعة، فأشعل بثورته التي ظن يزيد أنه أخمدها براكين من الثورات والانتفاضات التي ستظل مشتعلة ضد الباطل إلى أن تقوم الساعة، وحفر بصمة الحق والإباء في عمق نفوس المؤمنين، ليتحول مشهد كربلاء برمته من انتصار لحظي ليزيد إلى سلسلة انتصارات لامتناهية لثورة الحسين، تخطت بذلك حدود الزمان والمكان ومُستمرّة ما دامت المعارك مُستمرّة بين الحق والباطل إلى أن تنتهي الحياة، وذلك هو سبب إخفاء مشهد كربلاء ومحاولة طمسه من قِبل من لم يرق لهم موقف الحسين وحبذوا حكم عامة المسلمين كالأنعام من حكام المسلمين في عصرنا، ومن يزعمون أنهم ولاتهم، لكن هل سيدركون أن الجار على دين جاره وماهي سوى فترة حتى يظهر من على أكتافنا الوعي العام العربي، كما خرج من مران ونتشر في أركان اليمن، ليتخطى ذلك إلى العالم بأكمله، والآن لنبدأ بالجارة فكروا ما ستؤول إليه الأمور بعد فترة زمنية من الوعي الذي سيصل إلى أوصال مملكتكم؟! وإما عن تلك الفترة الفاصلة فسنحدّدها نحن؟.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com