معركة حزب الله وجميع اللبنانيين تقتضي المواجهة المباشرة مع أمريكا

 

المسيرة / متابعات

بعد اتّفاق الطائف بين اللبنانيين والذي تم إقراره بقانون في 22 أُكتوبر 1989م، لم يشهد لبنان مواجهة مباشرة بين حزب الله وواشنطن، بالرغم من الغطاء الأمريكي للاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، ومعرفة المقاومة بأن سلاح الاحتلال كان ولا يزال سلاحاً أمريكياً، ورغم الموقف السياسي والعقائدي الرافض للسياسات الأمريكية الاستعمارية في المنطقة والعالم.

والمتأمل الخطاباتِ الأخيرةَ للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، التي رفع فيها سقفَ المواجهة مع واشنطن سيدركُ أن حزبَ الله في لبنان قد انتقل من مواجهة الكيان الصهيوني المحتلّ إلى المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما كان الحزب يتعايش سلبياً معها بفعل تعقيدات الصيغة اللبنانية وتركيزه على مواجهة الاحتلال والإرهاب، في حين يتواجه معها في ساحات الإقليم بفعل رعايتها للاحتلال الصهيوني والجماعات التكفيرية واحتلالها للعراق وأجزاء من سوريا.

فقد ظلت أولوية المقاومة لتحرير الجنوب اللبناني المحتلّ، تطغى عند الحزب على أي صراعٍ آخر، لذلك تقبّل الحزب على مضض حالةَ التعايش السلبي مع واشنطن ومصالحها وأدواتها اللبنانية لمصلحة التحرير وطرد المحتلّ الصهيوني.

إذ لم يركّز الحزب سابقًا على التدخل الأمريكي في شؤون الدولة اللبنانية والمؤسّسات والمرجعيات وكبار الموظفين، ولم يتدخل في الترسيمة والتعيينات والسياسات التي فرضتها واشنطن على الدولة، والتي كانت ولا تزال تتيح لها التحكم في السياسات المالية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، بل وحتى بالعقوبات التي تفرضها على اللبنانيين ومنها العقوبات عليه وعلى مؤسّساته ونوابه، وظل الحزب محافظاً على حالة التوازن التي يفرضها الواقع اللبناني بين أولويات المقاومة كحركة تحرّر وطني وإقليمي، ومقتضيات التركيبة اللبنانية وضرورات الدولة ومؤسّساتها ومرجعياتها.

لكن ومن الملاحظ أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، قد رفع في الآونة الأخيرة سقف المواجهة مع واشنطن حين اعتبر أن سفارة الولايات المتحدة في عوكر شمالي شرقي بيروت هي “وكر التآمر” على الشعب اللبناني، ما يعني أن الحزب خرج من تحفظاته السابقة في مقاربة ملف الوصاية الأمريكية على الدولة ومؤسّساتها، وانتقل إلى مرحلة جديدة عنوانها تسليط الضوء على الدور الأمريكي في الأزمة الخانقة التي يعيشها اللبنانيون، ومواجهته عبر سلسلة إجراءات، منها على سبيل المثال قرار جلب النفط من إيران، وهو قرار كبير واستراتيجي يهدف إلى كسر القدرة الأمريكية على التحكم في حياة اللبنانيين والاستثمار في أزماتهم لتصفية حسابات أمريكا وحسابات حلفائها الإقليميين مع محور المقاومة.

ويبدو أن الحزب في توصيفه للأزمة الحالية، ينظر إلى حالة الفساد والهدر وسوء الإدارة الذي شاب عمل المؤسّسات وأفضى إلى الواقع الحالي على أنها قد جرت كلها برعاية أمريكية عبر أدوات وأرجوزات لبنانية، والمعركة لمواجهة الفساد والحد منه لا تكون عبر معاقبة الشعب اللبناني واحتجاز أمواله ومنع تدفق الاستثمارات والتحكم في التحويلات وفتح الاعتمادات لاستيراد المواد الأَسَاسية كالنفط والدواء وغيره.

في المحصلة فَـإنَّ السيد نصر الله يسعى إلى التأكيد على أن عنوان المعركة مع الأمريكيين في لبنان اليوم وغداً هي كسر الحصار الجائر، وإفشال هذه الموجة من الحرب المفتوحة على مختلف الأطياف اللبنانية والمقاومة كجزء منها، عبر إيجاد بدائل تخفف من وطأة الأزمة على الشعب، ولا سيما في مجالي النفط والدواء، والأهم أنها تجفف منابع الفساد وتضرب النموذج الاحتكاري الذي يتحكم في اللبنانيين عبر شركات النفط والوكالات الحصرية، وتفتح المجال للمنافسة وبالتالي ضرب المنظومة التي تتيح لواشنطن ممارسة سياسات الضغط على لبنان والتحكم في مصيره.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com