المساهماتُ المالية تحكُمُ وتوجِّـهُ منظمةَ الأمم المتحدة

 

د. إبراهيم عبد القدوس مفضل

في نظام الأمم المتحدة تعطَى الدولةُ أفضليةً في الترشيحات وفي القرارات بحسب مساهماتها المالية، فطبقاً للمادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة:

يتألف مجلس الأمن من خمسة عشر عضواً منهم خمسة أعضاء دائمين فيه، وتنتخب الجمعية العامة عشرة أعضاء آخرين من الأمم المتحدة ليكونوا أعضاء غير دائمين في المجلس، ويراعى في ذلك بوجه خاص وقبل كُـلّ شيء مساهمة أعضاء الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدولي وفي مقاصد الهيئة الأُخرى.

وتشترط المادة (27) من ذلك الميثاق إصدار القرارات بموافقة الأعضاء الدائمين، بمعنى أن عدم موافقة أيٍّ من الأعضاء الدائمين يبطلُ القرار.

إن المادتين (23) وَ(27) من ميثاق الأمم المتحدة تكفيان لنسف استقلاليتها، وتأكيد أنها منظمة لا علاقة لها بالأمن والسلم والعدالة، فهي تعطي تلك الدول الخمس الحرية في ممارسة كُـلّ الجرائم وغزو البلدان وحتى استخدام الأسلحة النووية، دون أي اعتبار لذلك الميثاق، فمن غير الممكن إصدار قرار ضدها؛ لأَنَّ بيدها سلاح نقضه، وهذا ما حدث ويحدث على أرض الواقع منذ إنشاء هذه المنظمة وحتى اليوم، فالممارسات الإجرامية لتلك الدول، واستخدامها لحق النقض خُصُوصاً أمريكا وروسيا كثيرة جِـدًّا، وقد نالت بلداننا العربية والإسلامية النصيب الأوفر من القهر جراء ذلك الفيتو.

في الجانب المالي نصت المادة (23) أن يؤخذَ في الاعتبار وقبل كُـلّ شيء مساهمة الأعضاء في حفظ السلم والأمن ومقاصد الهيئة الأُخرى، والمقصود بالمساهمات هي بالطبع المساهمات المالية؛ لأَنَّ المال هو الذي يحرك كُـلّ شيء، أما عبارة السلم والأمن فهي عبارة فَضفاضة؛ لأَنَّ المعنى الحقيقي لها السلم والأمن الذي يكون لخدمة مصالح الأغنياء والأقوياء أصحاب المساهمات المالية قبل كُـلّ شيء.

الأمثلة على ذلك كثيرة جِـدًّا وبشكل مخزٍ ومؤلمٍ في نفس الوقت، ولعل ما يجري في اليمن أكبر مثال، ويمكننا استعراض بعضاً من ذلك:

– تعرضت اليمن لغزو السعوديّة والإمارات وبدعم أمريكي غربي وتحالف معها عدة دول، فبدلاً من إصدار الأمم المتحدة قراراً بإدانة ذلك الغزو وشن الحرب على المعتدين كما حدث عند غزو العراق للكويت، أصدرت هذه المنظمة عبر مجلسها الإجرامي قراراً بتأييد ذلك الغزو، والسبب أن مساهمة السعوديّة والإمارات ومعهما أمريكا هي كُـلّ شيء وقبل كُـلّ شيء.

– شكلت الأمم المتحدة لجنة لتقصي الحقائق في اليمن، وبدلاً عن قيامها ببيان الحقائق، نجدها كُـلّ فترة وأُخرى تصدر بيانات مليئة بالأباطيل وآخرها البيان الصادر قبل أَيَّـام، لماذا؟؛ لأَنَّ المساهمات المالية يجب أن تؤخذ في الاعتبار قبل كُـلّ شيء.

– عيّن الأمينُ العام للأمم المتحدة حتى الآن أربعةَ ممثلين له، وهذا الممثِّلُ يجبُ أن يقدِّمَ تقريراً لمجلس الأمن كُـلّ 3 أشهر عن الوضع في اليمن، فنجده في كُـلّ تقرير يلف ويدور حول مواضيع تافهة والآثار والمعاناة الإنسانية، ويركز على وصف العدوان بأنه حرب أهلية دون أن يشير من قريب أَو بعيد للسعوديّة والإمارات وحلفائهما، لا نقول لجرائمهم بل لا يتم الإشارة إلى أن هناك حرباً في اليمن تقودها السعوديّة وأمريكا، فكل ممثل من هؤلاء يكتب تقريره وهو يفكر قبل كُـلّ شيء في مساهمات دول العدوان، ولن يجرؤ على البوح بكلمة تغضبهم.

– ارتكبت السعوديّة جرائم في حق أطفال اليمن، فتم إدراجها في القائمة السوداء لمدة يومين، لكن بعد تهديد السعوديّة بقطع مساهماتها المالية، تم إزالتها من القائمة، فالعبرة قبل كُـلّ شيء بالمساهمات.

– مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بدلاً عن إدانة السعوديّة والإمارات على جرائمهما بحق اليمنيين، قام بتعيين السعوديّة في هيئته الإدارية؛ لأَنَّ مساهماتِ السعوديّة المالية أهمُّ من حقوق الإنسان ومن كُـلّ شيء وقبل كُـلّ شيء.

– تقوم الأمم المتحدة وعبر منظماتها الأُخرى مثل برنامج الغذاء، اليونيسيف، منظمة اللاجئين، وغيرها بتقديم مساعدات لليمنيين بتمويل دولي يأتي الجزء الأكبر من دول العدوان، فهل تلك الدول حريصة على حياة اليمنيين؟ كلا وألف كلا، إن تلك المساعدات لها عدة أغراض عدوانية فهي تستخدم لرشوة الأمم المتحدة لدعمها في عدوانها وإسكات ممثليها ومجلس أمنها، وتستخدم للحصول على معلومات استخبارية عبر ممثلي المنظمات المقيمين في اليمن، كما يذهب الجزء الأكبر من التمويل مكافآت ومصاريف إدارية بذخية ومصدر من مصادر الثراء لموظفي منظمة الأمم المتحدة، والكارثة الكبرى المرافقة لهذه المساهمات أنها تقدم أغذية فاسدة غالبًا، فهل يتوقع أن تقوم منظمة الأمم المتحدة بمعاقبة أولياء نعمتها؟ بالتأكيد لا بل ستقبِّلُ رَكُبَهم ورؤوسهم.

– عقب كُـلّ جريمة من جرائم العدوان يتم الدعوة إلى تشكيل لجان تحقيق مستقلة، لكن مساهمات السعوديّة والإمارات المالية تمنع ذلك، بل ويضحكون على العالم بأنهم كمجرمين سوف يشكلون لجان تحقيق بمعرفتهم للتحقيق في جرائمهم، يا لها من سخافة.

– أما الجريمة الأفظع والأقبح لمنظمة الأمم المتحدة هي اعترافها بالخائن عبد ربه وحكومته الفندقية كسلطة شرعية على اليمن، بالرغم من عجز هذه السلطة عن توجيه قسم شرطة وعجزها عن دخول قرية يمنية، وعدم امتلاكها تأييد عشر الواحد في المِئة من الشعب، بل إن الأمم المتحدة وجميع دول العالم متأكّـدين تمام التأكّـد أنهم مُجَـرّدُ لصوصٍ سُفهاءَ وخونةٍ وأدواتٍ آنية تستخدمُهم السعوديّة والإمارات في احتلال ونهب ثروات اليمن وإذلال شعبه ونشر الفوضى والعداوة بين أبناء الشعب، وأن هذا الاستغفال وهذه الحقارة الأممية ما كانت لتتم لولا المساهمات المالية للسعوديّة وأمريكا والإمارات.

معاناةُ اليمن من منظمة الأمم المتحدة قاسيةٌ وشديدةٌ ومؤلمة للغاية والجروح غائرة والسبب أن اليمن لا تمتلك الموارد الكافية لرشوة هذه المنظمة ولا تقدم لها مساهمات كافية ورُشًى كالسعوديّة والإمارات، والكلام يطول.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com