القائد في خطاب تأكيد الثوابت: حريتُنا هدفٌ إيماني مقدس
المسيرة| خاص
جاء خطابُ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، عصر أمس الاثنين، مُتَّسِقاً في مضامينه مع حجم أهميّة وخصوصية ومميزات المناسبة “الجامعة” التي بات واضحًا أن الشعبَ اليمني من خلال إحيائه الفريد لها يتصدر مكانة قيادية في العالم الإسلامي، فكان الخطابُ مليئاً بالدلالات والرسائل الهامة المتعلقة بالصراع مع الأعداء على كافة مستوياته، بدءاً من المستوى الأشمل والأوسع الذي تخوض فيه الأُمَّــة الإسلامية بأكملها معركتها العالمية الممتدة من الصراع الأزلي بين الحق والباطل، إلى مستوى الصراع الإقليمي وقضاياه المركزية وفي مقدمتها قضية القدس وفلسطين ثم قضايا بقية شعوب المنطقة المستهدفة، وُصُـولاً إلى مستوى معركة التحرّر اليمنية المقدسة التي لا يمكن فصل مجرياتها عن بقية مستويات الصراع.
الجوهرُ الجهادي في شخصية النبي والرسالة الإلهية
الخطابُ بدأ كالعادة من مدخل “الحدث” نفسه الذي تتعلَّقُ به المناسبةُ وهو ولادةُ النبي الأعظم محمد صلوات الله عليه وآله، بما يمثله ذلك الحدث من نقطة تحول نهضوي شامل وغير مسبوق في تاريخ البشرية كلها، وفي تاريخ المنطقة العربية بشكل خاص؛ كونها البيئةَ التي احتضنت مسارَ هذا التحول وانطلاقته نحو بقية العالم.
ولأهميّة هذا التحوُّلِ بالنسبة لواقع الجمهور العربي والإسلامي اليوم كمرجعية نهضة مضمونة النتائج دائماً، تنقّلَ قائدُ الثورة بإيجازٍ بين بعض مراحل ومجريات مسار حياة صانع هذا التحول العظيم، صلوات الله عليه وآله، مسلِّطًا الضوءَ على بعضِ السمات الرئيسية والجوهرية لشخصية النبي الأعظم وَالدين الإسلامي، القيادة والمنهج اللذين ينتج عن التمسك العملي بهما خلاصٌ مضمونٌ من المشاكل والأزمات.
أبرز تلك السمات كانت “الجهاد” وتحمل مسؤولية التصدي للأعداء الذين لم تتغير هُــوِيَّتهم وأساليبهم على امتداد قرون، في دلالة على أزلية الصراع العام بين الحق والباطل، والموقع المحوري الذي تمتلكه هذه المواجهة في تعاليم وروح الدين الإلهي، وقد حرص القائد في هذا السياق بشكل مباشر وغير مباشر على إزالة التشويش الذي تمت صناعته بشكل ممنهج من قبل الأعداء وأدواتهم لحرف الأنظار عن مسألة الصراع ومسؤولياته، فشد الانتباه نحو تفاصيل الجانب “الجهادي” في شخصية النبي الأعظم، وهو جانب رئيسي واسع يشكل تجاوزه أَو تجاهله انتقاصاً رهيباً من كمال الرسالة وكمال قائدها وقدوتها.
وسلّط قائدُ الثورة الضوءَ أَيْـضاً على جوانبَ من صفات العدوّ وأتباعه داخل الجمهور الإسلامي، لتكون الصورة واضحة بما يكفي لسد أية ثغرة يتسلل منها التضليل إلى وعي الجمهور وفهمه لأدبيات الصراع بين الحق والباطل في الرسالة المحمدية، وفي الدين الإلهي بشكل عام، حَيثُ أوضح القائد أن إطلاق تسمية “اتّفاقات إبراهام” على صفقات “التطبيع” بين العدوّ الإسرائيلي والأنظمة العميلة، تمثل إساءة لمقام نبي الله إبراهيم عليه السلام، الذي كانت “البراءة من أعداء الله” ومواجهة الاستكبار والظلم جوهر سيرته وشخصيته كما حكاها القرآن الكريم.
اليمن في معادلة إزالة “إسرائيل”: نراه قريباً
من هذه الخلفية العامة المهمة التي تحدّد بوضوح معالم المواجهة وضرورتها وموقعها الجوهري في الإسلام وفي مسار التحول النهضوي المحمدي الذي بدأ لحظة المولد النبوي الشريف، انتقل قائد الثورة إلى الحديث عن الواقع الحاضر لهذه المواجهة، والتي تدور اليوم بشكل مباشر وعلى مستوى إقليمي مع العدوّ الصهيوني.
وفي هذا السياق، أكّـد قائد الثورة على أن ملامح حتميات هذه المواجهة (هزيمة العدوّ وخسارة أدواته الإقليمية وانتصار المقاومة) بارزة اليوم عمليًّا على الأرض، وأشَارَ إلى أن تحقّقها الكامل صار أقرب من أي وقت مضى.
هذا التأكيد حمل رسالة مهمة تبشر بتحولات كبرى على مستوى المنطقة، وسيكون اليمن أحد صانعيها الرئيسيين، فالقائد جدد أَيْـضاً التأكيد على الاستعداد والجهوزية للمشاركة الفاعلة في معادلة “الحرب الإقليمية” التي أعلنها سماحة السيد حسن نصر الله سابقًا، لصد أي تهديد أَو خطر على القدس والمسجد الأقصى، كجزء من محور المقاومة.
ويؤكّـد هذا الإعلان المتجدد بوضوح على أن هذا الموقف لا يخضع لأية مساومات، ولا يمكن التراجع عنه، وهي رسالة مهمة للقوى التي ما زالت تحاول التحكم بمستقبل اليمن وتشكيله وفقا لأهوائها، كما أنه تأكيد جديد على أن هذا الموقف يمتد من جوهر الالتزام الديني الذي يعبر عنه إحياء هذه المناسبة وبالتالي فهو موقف مجمع عليه شعبيًّا، وليس مُجَـرّد خيار سياسي “نخبوي”.
ولا يختلف ذلك عن موقف التضامن مع بقية شعوب المنطقة المستهدفة من قبل الصهاينة ورعاتهم، والذي أكّـد القائد أن اليمن ملتزم بشكل مبدأي وثابت بالوقوف إلى جانبها، كما أكّـد “الاعتزاز بالأُخوَّة الإسلامية مع أحرار الأُمَّــة ومحور المقاومة”، وهو تأكيد آخر على إغلاق الباب نهائيًّا أمام محاولات الأعداء لفرض رؤى ومسارات سياسية تتحكم بشكل العلاقات بين اليمن ومحيطه العربي والإسلامي، وخُصُوصاً العلاقة بمحور المقاومة.
استقلالنا هدف مقدس لا مساومة فيه
والأمر نفسه بالنسبة لمعركة التحرّر اليمنية التي أكّـد قائد الثورة أن هدف تحقيق الحرية والاستقلال الكامل فيها هو هدف “مقدس” بقداسة الهُــوِيَّة الإيمانية الجامعة التي ينطلق منها، في رسالة واضحة لقوى العدوان الإقليمية والدولية بأن المسألة ليست مطلباً تفاوضياً سياسيًّا يخضع للأخذ والرد أَو “اشتراطات” يمكن تعديلها في إطار صفقة ما.
وجدّد قائد الثورة التأكيد على التمسك بالمحدّدات الرئيسية لهذا الموقف الثابت، والمتمثلة بإنهاء العدوان والحصار والاحتلال ومعالجة الملفات الإنسانية ودفع التعويضات، وهي النقاط الرئيسية التي يحاول تحالف العدوان منذ مدة، وبلا جدوى، التحايل عليها واستدراج صنعاء للتخلي عنها والقبول بمقايضات فاضحة تنطوي على الاستسلام.
ولطالما حملت الرسائلُ التي يوجّهها قائد الثورة في خطابات المولد النبوي أهميّة بالغة؛ لأَنَّها لا تعبر عن مواقفَ سياسية فحسب، بل تشكل ثوابت دينية ووطنية ومعالم راسخة لمسار التحَرّك الشعبي والرسمي والثوري على كُـلّ المستويات، ومن خطاب هذه السنة يبدو بوضوح، إجمالًا، أن مستقبلَ الصراع مع الأعداء في اليمن وفي المنطقة، مليءٌ بمفاجآت وانتصاراتٍ لن تكونَ نتائجَ للصدفة بل لخطط معدة وخيارات محسومة.
ويمكن القول إن السمة الأبرز لهذا الخطاب التاريخي كانت التأكيدَ الواضِحَ والصريحَ على الثبات الدائم لمختلف المواقف المعلنة في إطار الصراع مع العدوّ على كُـلّ المستويات، وبعبارة أُخرى تأكيد الجذور الدينية والإيمانية لهذه المواقف وبالتالي قطع كُـلّ احتمالات التراجع والتنازل عنها، مهما كان حجمُ ونوعُ التضحيات التي يتطلَّــبُها الأمر.
وقد برزت هذه السمةُ بوضوحٍ في حجم التفاعل الجماهيري الكبير مع الخطاب ومضامينه، والذي يأتي في إطار التفاعل الاستثنائي مع المناسبة نفسها ومع دعوة القائد للتفرد في إحيائها، حَيثُ يعكس هذا التفاعل بوضوح الإجماع الواسع على المواقف التي عبرت عنها القيادة كمواقفَ إيمانية عامة.