الإبراهيمية.. فكرٌ مشوّه وخديعةٌ كبرى عن التسامح
وفاء الكبسي
ظهرت منذ أكثر من 20 عاماً دعوات مشبوهة لتركيع الشعوب بعد تركيع الأنظمة والتي تُنادي بجمع ما أسموه بالديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) في دين مشترك أطلق عليه اسم “الدين الإبراهيمي”، مع أن نبي الله إبراهيم عليه السلام بريء من دعواتهم المشبوهة المخادعة الماكرة وقد أقر القرآن الكريم بأنه مسلماً حنيفا لا يهوديًّا ولا نصرانيًّا قال تعالى ﴿مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. ﴾، كذلك لاوجود لتلك الأديان والمسميات فالدين عند الله هو الإسلام، قالِ تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
هم يريدون لبس اليهودية والنصرانية بالإسلام، مع أن دين الله هو الإسلام، واليهودية والنصرانية بدعة ليستا من الله مثلهما كمثل الوهَّـابية التي هي ليست من الدين في شيء، قال الله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون}.
هذه الدعوة المشبوهة لها أهداف ومزاعم معلنة وأهداف خفية، فمن مزاعمها المعلنة التعايش بين الأديان والسلام العالمي، ومن أجل تحقيقها فَـإنَّهم يبتدعون تفسيرات جديدة للآيات القرآنية التي ترى فيها الصهيونية العالمية خطرًا عليها.
أما عن أهم أهدافها الخفية فهي القضاء على الإسلام وإضعاف الشعوب العربية والمسلمة وإبراز إسرائيل واليهود كقوة حقيقية مسيطرة على المنطقة وإيقاظ حلم ومشروع الدولة اليهودية (إسرائيل الكبرى) من النيل إلى الفرات، وبهذا يتضح لنا أن من يقود هذا المشروع هي الصهيونية العالمية بزعامة الحركة الصهيونية.
الإبراهيمية مخطّطٌ خبيثٌ مغلَّفٌ بالإغراءات المادية يهدفُ إلى نسفِ الإسلام من جذوره في ضمير المواطن العربي ووجدانه ودفن الشعور القومي الراسخ في نخاع المواطن العربي أَيْـضاً، ويضطلع بهذا العبء من أسموهم القادة الروحيين من رجال الدين، الذين يؤمنون بفكرة الدين الجديد من علماء الأديان الثلاثة، وهذا يفسر استقطاب الإمارات لعلماء ودعاة تدخرهم لهذه المهمة من أمثال الشيخ الموريتاني عبد الله بن بيه، والداعية اليمني علي الجفري، وإنشاء مجلس حكماء المسلمين كمرجعية علمائية، في مقابل الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي تصنفه الإمارات مؤسّسة إرهابية، هذه الردة عن الإسلام ومحاولة تقويضه؛ هي محاولة جديدة قديمة، كان مبعثها أولًا حرب الإسلام ومنع انتشاره، وزاد عليها الآن البعد السياسي والعسكري في حَـلّ ما يعرف بالصراع العربي الإسرائيلي، وقيام الدولة اليهودية تحت مظلة الإبراهيمية، هذه الفكرة ضمن الأفكار الخيالية التي تحولت مع الوقت وبدعم من اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة إلى فكرة واقعية تبنتها مراكز دراسات حكومية مرموقة وجامعات مثل جامعة هارفارد وغيرها منذ تسعينيات القرن الماضي، وقد بدأ العمل على أرض الواقع نحو البدء في تجسيد الفكرة على الأرض تحت شعارات كالسلام العالمي والتعايش وتعزيز القيم الإنسانية.
ومن أجل نشر هذا المشروع في منطقتنا العربية فقد لجأ رعاة الصهيونية إلى شق صف المسلمين وتحطيمهم من الداخل من خلال الزعماء الذين نصبتهم القوى الغربية والصهيونية والذين تعمل على ضمان وتأمين استمرارهم في حكم دولهم مقابل تنفيذ الأهداف والمشاريع المشبوهة مثل مشروع “الدين الإبراهيمي”.
وليست صفقة القرن وحفلات التطبيع القائمة هذه الأيّام بين الأنظمة الخليجية وإسرائيل ببعيد عن هذا المشروع، بل إنها جزء مهم من أجزاء تنفيذ الإبراهيمية، حَيثُ تهدف إلى تطبيع وجود إسرائيل ككيان طبيعي تمهيداً لتسيُّد هذا الكيان، وكذلك حمايته من دول المقاومة والشعوب التي لا تؤمن أبدًا بهذه الفكرة أَو بالسلام مع إسرائيل.
الإبراهيمية، فكر مشوه وخديعة كبرى عن التسامح تتولى كِبَرَه عربيًا الأنظمة المتصهينة مثل دويلة الإمارات المارقة فهي من تتحمل إثم نشر هذه العقيدة الكاذبة في المنطقة العربية من خلال تزعمها للأنظمة العربية المتصهينة وقيادتها لراية هذا الفكر والمخطّط، ومما يدل على تحمل الإمارات مسؤولية نشر هذا الفكر الدخيل على الأُمَّــة العربية والإسلامية في المنطقة العربية نيابة عن إسرائيل هو إقامتها لجملة من الفعاليات التي تندرج في إطار الترجمة العملية؛ لتأسيس الإبراهيمية ومنها إعلان دويلة الإمارات عن بناء صرح يجمع بين الديانات السماوية الرئيسية الثلاثة، أي المسيحية، واليهودية، والإسلامية، وهو يُدعى بيت العائلة الإبراهيمية والذي يبنى في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي وَالذي يُعد إقرار باغتصاب الأرض والعرض والسكوت عن الحق الفلسطيني، وسرقة القدس ومنع فلسطينيي الشتات من العودة إلى أرضهم وديارهم، ومشروع البيت الإبراهيمي ما هو سوى تتمة لمشروع اتّفاق إبراهام أَو إبراهيم الذي هو مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط الذي تختفي فيه معالم العروبة والإسلام لصالح الرؤية التوراتية الصهيونية، والبيت الإبراهيمي وبقية المشاريع المقبلة يهدف إلى التمكين لمشروع الديانة الإبراهيمية الجديدة؛ مِن أجلِ القضاء على الإسلام واستعباد المسلمين وإذلالهم ويعملون على تنفيذ تلك الخطط على مراحل زمنية لا يهمهم إن كانت بعيدة وأخذت فترات طويلة جِـدًّا من الزمن، إنما المهم في عقيدتهم أن يحقّقوا تلك الخطط ويجعلوها واقعاً ملموساً، وهذا ما يجب على من تبقى لديهم غيرة على دينهم من العرب والمسلمين أن يتنبهوا له جيِّدًا وأن يعملوا على محاولة فضحه وإفشاله وتنبيه الشعوب الإسلامية التي لا تتنازل عن مبادئها للوقوف في وجه تلك المخطّطات.
أفيقوا أيها المسلمون، فاللعبة دخلت حيّز التنفيذ، فماذا أنتم فاعلون؟!