عن العرب والمهرجانات
عبدالرحمن مراد
خلالَ سوالف الأيّام، برزت عدةُ ظواهرَ لا بُـدَّ من الوقوف أمامها بقدر من التأمل في السياق العام السياسي والاجتماعي والثقافي، فالموضوعُ لم يعد ظاهرةً بدون دلالة سياسية أَو ثقافية كما قد يظن البعض، ولا يمكن فصل ما يحدث اليوم عن الرؤى والاستراتيجيات التي تستهدفُ العرب والمسلمين، ولا فصلُه عن الحرب التي تدورُ في الخفاء بين المسلمين واليهود، فما الذي يحدث بالضبط؟
الذي يحدث حركة سياسية وثقافية ذات تواشج تهدف إلى شيوع الفساد في المجتمعات العربية وتحَرّكها ضد الفطرة، من حَيثُ سفك الدماء، والحرص على إراقتها، ومن حَيثُ الانحلال الأخلاقي حتى يغضَبَ الربُّ، فيكون ذلك سبباً في التعجيل بخروج المخلِّص الذي -حسب المعتقد لدى اليهود- موعود بالتمكّن من الأرض، ويحكُمُ المنطقة الواقعة بين الفرات والنيل، ولذلك كان الربيعُ العربي هو البدايةَ التي ولج منها المشروع، وتغلّل في البناء العام للمجتمعات العربية، وسعى جاهداً إلى تفكيك النظام العام والطبيعي إلى درجة التيه، والتباس المفاهيم وتعويمها، وعدم الشعور بالمعنى والقيمة، وقد ترك ذلك أثراً على الناشئة، وشهدنا تبدلاتٍ جنسيةً بين جيل الناشئة في عموم الوطن العربي، وشهدنا حركاتٍ ثائرةً على القيم والمبادئ، وشهدنا هروباً لبعض الشباب مع ضجيج إعلامي يصاحب ذلك، وكنا قد لاحظنا من قبل ذلك الفنون في مجملها تتراجعُ إلى مستويات دنيا من الانحطاط والتفسخ القيمي بدءاً من الكلمات السطحية والخادشة للحياء ولا نقول انتهاءً بالفيديو كليب الذي كان يروج للأغنية من خلال الصورة العارية وحركة المشاهد السريعة والإضاءة المكثّـفة ذات القدرة على الإبهار، ولكن ظل ذلك يمتدُّ إلى المسلسلات ذات المستوى الفني الهابط، وُصُـولاً إلى المهرجانات الثقافية التي بلغت الذروة خَاصَّة في الأيّام السوالف.
ففي مهرجان “الجونة” السينمائي بمصر كان واضحًا أن ما يحدث لم يكن بمحض الصدفة فالفنانات المصريات القديمات والحديثات كن في سباق محموم حتى يظهرن في المهرجان تضاريس أجسادهن والتفاصيل الصغيرة منها، الأمر الذي أثار ضجة ليس من المجتمع المحافظ ولا من المثقف الديني بل من الوسط الفني نفسه الذي رأى في الظاهرة سقوطاً أخلاقياً مريعا، وهبوطا مدويا للمستوى الفني الذي وصل إليه المشهد الثقافي العربي، وهي أصوات كانت قوتها بحجم الألم الذي يتركه أَو تتركه المشاهد المتداولة من مهرجان الجونة السينمائي، وهو مهرجان سياحي ممول لا نستعبد حضور المال الصهيوني فيه؛ مِن أجلِ الوصول إلى غاياته وأهدافه وهي التأثير على المجتمعات العربية في قيمها وأخلاقها من خلال الرموز الفنية ومشاهير السينما والدراما العربية، ونحن اليوم نشهد في مناسباتنا الاجتماعية أثرًا لمثل أُولئك فالشوارع اليمنية والأسواق اليمنية تتسابق للترويح ولاستفادة من المزاج العام فتهرع إلى التقليد، فالأزياء التي ظهرت في مهرجان الجونة غداً ستكون في صالات الأعراس في اليمن وفي غير اليمن؛ لأَنَّ المجتمعات العربية من المجتمعات الأكثر قابلية للتأثر دون التأثير.
وبعيدًا عن مهرجان الجونة كان مهرجان الرياض الفني الأقرب ضجيجاً من مهرجان الجونة، حَيثُ شهدت الرياض ظاهرة تحرش في المهرجان لم يعهدها المجتمع السعوديّ، كما كان ظاهرة اجتماعية وثقافية صادمة للمجتمع التقليدي والديني، حَيثُ وجدت المرأة نفسها حرة في الرقص مع من تحب، وحرة في ملبسها وتفاعلها مع فعاليات المهرجان بالطريقة التي تريد، حتى خرجت إحداهن تقول: “ما كان ممنوعًا أصبح متاحاً لنا اليوم ولذلك لن اسافر بعد اليوم فما ابحث عنه في أروبا وأمريكا أصبح متاحًا هنا”.
الكثير من مشاهير الغناء العالمي والعربي بكل ما يحملونه من ثقافات ومن تفسخ قيمي يتسابقون اليوم إلى الرياض وجدة بالمملكة العربية السعوديّة، والأمر ليس مقتصرًا على المجتمع السعوديّ من حَيثُ التأثير لكن من ابتكر السيناريو كان يدرك أن ذلك الانحلال الأخلاقي الذي يخرج من جدة والرياض سوف يصل إلى المجتمعات المسلمة في كُـلّ مكان؛ باعتبَار المملكة تمثل رمزية ثقافية لخصوصية وقداسة مكة والمدينة.
وحدَها اليمن من تقاتل اليوم على مستويات متعددة؛ مِن أجلِ الحفاظ على بيضة الدين وعزة وكرامة الإنسان وتجديد ارتباطه برموزه الثقافية ومن سواهم يفسدون في حياة المسلمين ولا يصلحون.