أطفال النهيمي وَأشجان الطفولة المذبوحة في اليمن
د. تقية فضائل
عرضت القنوات الفضائية مأساة أطفال النهيمي الأربعة في صعدة الذين تعرضوا لأسلحة محرمة دوليًّا تسببت لهم بمرض السرطان وشوهت أجسادهم وأفقدتهم حاسة البصر، بينما الحصار الخانق يقضي عليهم بالموت البطيء ويمنعهم من السفر للعلاج مما ضاعف أوجاعهم، هذه الجريمة الوحشية ضد الطفل اليمني أعادت للذاكرة الكثير من الجرائم التي طالته منذ بدء العدوان الظالم قبل سبع سنوات؛ فأطفال اليمن يعيشون أسوأ الظروف وأحلكها في ظل هذا العدوان الذي لم يبقَ لهم أي مجال ليحيوا طفولةً طبيعيةً ينعمون فيها بالأمن والاستقرار والرعاية التي تتطلبها هذه المرحلة كما هو حال الأطفال في مختلف أنحاء العالم؛ فآلاف منهم قتلوا وسفكت دماؤهم وتمزقت أشلاؤهم؛ بسَببِ ضربات طيران التحالف وعملائهم، وكانت جريمة ضحيان المروعة في صعدة التي قضى فيها عشرات الأطفال في حافلة تقلهم إلى رحلة في نهاية النشاط الصيفي، ولكن ضربة جبانة غادرة مُجَـرّدة من الإنسانية عاجلتهم للرحيل إلى مكان آخر، حَيثُ ﻻ ظلم ولا تجبر ولا استبداد رحلوا إلى الأمن الدائم والرعاية الربانية الفائقة الوصف.
كما لم يسلم أطفالنا وهم في منازلهم فآلاف منهم فقدناهم إثر ضربات عشوائية على الأحياء السكنية وَتبرز صورة بثينة “عين الإنسانية” تخرج من تحت الركام وحدها بعد أن مات إخوتُها وأهلُها جميعاً والكثير من الأطفال الذين يسكنون في نفس البناية وَفي مكان آخر الطفل سميح يبكي بحرقة على صدر والده المقتول ظلماً وعدواناً ومعه العديد من الأهالي مع أطفالهم.
وَلم يتوقف إجرام التحالف عند هذا الحد بل ﻻحقهم بضرباته الوحشية القاتلة وهم في مدارسهم وصورة إشراق المعافى وهي ملقاة على قارعة الطريق وقد تبعثرت أدواتها المدرسية وقطعت إحدى قدميها صورة ناطقة بمأساة الطفولة المستباحة المذبوحة في اليمن في عصر تتشدق الكثير من المنظمات بحقوق الطفل! وَلن ينسى التاريخ أن تحالف الفجور والخسة والدناءة تفنن في قتل الطفل اليمني بمعية أهله في أفراحهم وَأحزانهم وعلى كُـلّ شبر على أرض اليمن المنكوب، ومن لم يمت بالقصف مباشرة فهو مصاب بعاهات مختلفة أَو معرض لأمراض خطيرة تهدّد حياته وسلامته منها الكوليرا أَو سوء التغذية أَو السرطانات التي تسببت بها الأسلحة المحرمة دوليًّا وأطفال النهيمي الأربعة من أسرة واحدة هم أكبر دليل شاهده العالم.. وفي ظل العدوان والحصار الخانق وإفقار الشعب اليمني كثير من الأطفال تركوا مدارسهم؛ بسَببِ سوء الأحوال المعيشية وصعوبة توفير لقمة العيش ناهيك عن توفير احتياجات المدرسة ومتطلباتها أَو بسَببِ فقدان عائلهم الذي توجّـه للجبهة دفاعاً عن بلاده مما اضطرهم للخروج للعمل في الشوارع أَو أَعمال البناء وغيرها من الأعمال التي تفوق قدراتهم الجسدية والعقلية وهم بالتأكيد يتعرضون لمختلف الأخطار وَأكثرها خطراً عليهم الإنضاج المبكر الذي يزج بهم في عالم غير عالمهم ويفرض عليهم ما يفرضه على الكبار ممن خبروا الحياة وخاضوا تجاربها، فيعيشون قسوة الحياة وصعوباتها الجمة بعقلية غير ناضجة مما يجر عليهم ويلات وَآلاما نفسية تنغص عليهم ما تبقى من حياتهم، إضافة إلى مشاكل عمالة الأطفال التي ﻻ تتسع لها المجلدات.. والحديث يطول جِـدًّا إذَا ما فتحنا موضوعَ انتهاكات حقوق الأطفال مما يتعرضون له من اختطاف أَو سجن أَو اغتصاب أَو تعذيب في سجون عملاء التحالف وما يجري في تعز يعرفُه القاصي والداني، أما ما يعانيه أطفالنا من ضغوطات وصدمات نفسية جراء الأوضاع السيئة التي مروا بها في سبع السنوات الماضية فهو حديثٌ ذو شجون، وستكون لها آثارها الخطيرة حاضراً ومستقبلاً.. ﻻ يسعني في نهاية هذا المقال المثقل بأوجاع الطفولة في اليمن إلا أن أقول: لك الله أيها الطفل اليمني الذي حرمت من كُـلّ حقوق الطفولة والإنسانية، وستكون آلامك وأحزانك بأذن الله هي دافعك الأول للنهوض والتحدي وبناء ينمك العظيم من جديد بناء قوياً محصناً من أعدائه وَبلداً متقدماً يضمن لك العيش الكريم.