“توازن الردع الثامنة”: التصعيد بالتصعيد
سريع: قادرون على تنفيذ المزيد من الهجمات على السعوديّة والإمارات
14 طائرة مسيرة تقصف قواعدَ وأهدافاً عسكرية واقتصادية في الرياض وجدة وأبها وجيزان ونجران
المسيرة | خاص
بعدَ يومَين فقط من إنذارها العسكري لتحالف العدوان الأمريكي السعوديّ، أعلنت القواتُ المسلحة، أمس السبت، تنفيذَ عملية “توازن الردع الثامنة” بـ14 طائرة مسيّرة قصفت قائمةَ أهداف حسَّاسة (عسكرية واقتصادية وحيوية)، توزعت على رُقعةٍ واسعةٍ من الجغرافيا السعوديّة، في إعلانٍ عملي عن استمرارية مسار الردع التأديبي العابر للحدود، وبرهان جديد وواضح على عدم جدوى الدعم الأمريكي السياسي والعسكري الذي تعتمد عليه الرياضُ وهي تواجهُ اليومَ هزيمةً مدويةً يراقِبُها العالَمُ كله.
العمليةُ -وبحسب المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع- تضمنت قصفَ قاعدة خالد العسكرية في الرياض بأربع طائرات مسيرة من نوع (صماد3)، وقصف مطار عبد الله الدولي، ومصافي شركة “أرامكو” في جدة بأربع طائرات أُخرى من نوع (صماد2)، وقصف هدف عسكري “مهم” في مطار أبها الدولي بطائرة (صماد3) أَيْـضاً، إلى جانب ضرب عدة أهداف عسكرية في مناطق أبها وجيزان ونجران بخمس طائرات من نوع (قاصف 2k).
بهذه التشكيلة من الأهداف الحساسة والتي يعلن عن بعضها للمرة الأولى، تؤكّـد القوات المسلحة أن مسار عمليات “توازن الردع” الاستراتيجية مُستمرّ بوتيرة تصاعدية، وبـ”نفس طويل”، كما تؤكّـد أنه مسار متميز من مسارات الردع العابرة للحدود، إذ بات معلوماً من تفاصيلِ العمليات العسكرية الواسعة التي تنفذها القوات المسلحة في جبهات الداخل، أن الضربات الصاروخية والجوية على العمق السعوديّ لا تتوقف، وإن لم يتم الإعلانُ عنها في وقتها، لكن “عمليات توازن الردع” تنفرد عن هذه الضربات؛ بكونها عمليات مكثّـفة ببنك أهداف خاص بها يواكب متطلبات ومستجدات المرحلة، ويوجه رسائلَ مباشرةً على أكثر من مستوى.
وفي هذه العملية بالذات يلاحَظُ أن الأهدافَ ذاتِ الطبيعةِ العسكرية كانت هي الأكثر، وهو ما يعني أن للعملية ارتباطاتٍ بواقع المواجهة العسكرية المباشرة في الميدان، فالسعوديّة، من جهة، تحاولُ هذه الفترةَ تكثيفَ جهودها لإسناد أتباعها المنهارين في جبهات الداخل، وبالذات في مأرب، وقصف الأهداف والقواعد العسكرية في جدة والرياض والمناطق الجنوبية في وقت واحد، من شأنه أن يؤديَ إلى شلل عملياتي كبير، خُصُوصاً وأن القواتِ المسلحةَ تختارُ في ضرباتها الأهدافَ الأكثرَ حساسيةً بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة.
ومن جهة أُخرى، يأتي التركيزُ على الأهداف والقواعد العسكرية في الوقت الذي تتجهُ فيه الولاياتُ المتحدة، وبشكل معلن، إلى تكثيف دعمها العسكري للنظام السعوديّ، وهو ما يعبر مجدّدًا عن احتراف القيادة اليمنية في مواكبة المستجدات على الميدان داخلياً وخارجياً.
الرسالةُ الأبرزُ والمعلَنةُ مسبقًا لهذه العملية، كانت الرد على التصعيد المعادي، فالعمليةُ جاءت بعد يومَين فقط من حديث القوات المسلحة عن “عواقبَ وخيمةٍ” سيتحملُها تحالُفُ العدوان نتيجةَ تكثيفِ غاراته الجوية على البلد، وهذه الرسالةُ كرّرَها العميد يحيى سريع، أمس أَيْـضاً، حَيثُ أكّـد أن القواتِ المسلحة “سوف تواجهُ التصعيدَ بالتصعيد”.
ومن هنا، فَـإنَّ “توازُنَ الردع الثامنة” هي تأكيدٌ عملي جديد على أن معادلة “العين بالعين” كغيرها من معادلات الدفاع عن النفس، ثابتة وراسخة ولا تخضع لأية ضغوط ولا يؤثر فيها “الترهيب” الأمريكي، بل إن هذه المعادلةَ تتطور وتمضي في مسار تصاعدي تتضاعفُ فيه الكُلفةُ التي يتحملها النظام السعوديّ بشكل مُستمرّ.
وفي هذا السياق، فَـإنَّ توقيتَ العملية الذي يتزامنُ مع التصريحات والتحَرّكات الأمريكية الداعمة للنظام السعوديّ، يوجه رسالةً مباشرةً للإدارة الأمريكية وللرياض، بأنَّ كُـلّ آمال الضغط على صنعاء أَو الالتفاف على مطالِبها المحقة بالسلام، مُجَـرّد أوهام، وأن الواقعَ سيظل محكوماً بمعادلات صنعاء السياسية والعسكرية وثوابتها الراسخة، وللأمريكيين أن يبيعوا ما شاءوا من أسلحة للسعوديّة أَو يفرضوا القدرَ الذي يحلو لهم من “العقوبات”، فمأزقُهم لن يتغير، بل سيزدادُ صعوبةً؛ لأَنَّ أُفُقَ خيارات التصعيد مفتوحٌ أمام صنعاء فقط.
هذا ما تؤكّـده أَيْـضاً قائمةُ الأهداف المختارة في هذه العملية، والتي تبين بوضوح أنه ما زال لدى القوات المسلحة الكثير من المفاجآت في جعبتها، على عكس تحالف العدوان الذي لم يمتلك سوى استهداف المدنيين أَو قصف نفس الأهداف التي يقوم بقصفها منذ أكثر من سنوات.
ويجدّد العميد يحيى سريع التأكيدَ هنا على أن “القواتِ المسلحةِ قادرةٌ على تنفيذ المزيد من العمليات الهجومية ضد العدوّ السعوديّ والإماراتي”، في تحذيرٍ لأبو ظبي أَيْـضاً.
ولعلَّ من الرسائل العسكرية التي توجِّـهُها “توازُنُ الردع الثامنة”، التحدِّيَّ المتمثلَ بالاقتصار على استخدام الطائرات المسيَّرة فقط، حَيثُ يأتي ذلك في الوقت الذي تؤكّـدُ فيها الولاياتُ المتحدةُ على دعم النظام السعوديّ “ليصبح قادراً” على مواجهة هذا النوع من الأسلحة، بحسب تعبير وزير الدفاع الأمريكي، وبالتالي فَـإنَّ العملية تفضحُ مجدّدًا استمرارَ عجز الأمريكيين والسعوديّين وفشل منظوماتهم وتدابيرهم الدفاعية، خُصُوصاً وأن العمليةَ تركَّزت بشكل أَسَاسي على القواعد والأهداف العسكرية الحسَّاسة التي يُفترَضُ أنها “محميةٌ” بأفضل القدرات الدفاعية التي يشتريها النظامُ السعوديّ من الولايات المتحدة.
ويوجه إدراجُ مصافي شركة “أرامكو” ضمن قائمة أهداف “توازن الردع الثامنة” رسالةً مباشرةً أُخرى، تعيدُ تذكيرَ وتنبيهَ النظام السعوديّ بأن خطرَ مسارِ عمليات الردع العابرة للحدود على الاقتصاد السعوديّ سيظل قائماً، ومفتوحاً على احتمالات مرعبةٍ ليس بوسع الرياض تفاديها أَو تجاهُلُها في ظل استمرار العدوان والحصار.
وتمديدُ مسارِ عمليات “توازن الردع” يؤكّـدُ استمراريةَ هذا الخطر، فهذا هو المسارُ نفسُه الذي تلقت فيه منشآتُ أرامكو، ضرباتٍ لم يَنْسَها العالَمُ حتى اليوم.
إجمالاً، يمكن القولُ إن “توازُنَ الردع الثامنة”، وإلى جانب ما سجّلته من خسائرَ مباشرةٍ في رصيد العدوّ السعوديّ، تُعيدُ وَضْعَ السعوديّين والأمريكيين أمامَ الثوابت التي يحاولون الهُروبَ منها والالتفافَ عليها بين كُـلِّ عملية وعملية، وهي: أن وقفَ العدوان ورفعَ الحصار وإنهاءَ الاحتلال ودفعَ التعويضات، ليست “مطالِبَ” محقة لصنعاء فحسب، بل “ضروراتٌ” للنظام السعوديّ إذَا أراد النجاةَ من العواقب الوخيمة.