العرب.. والفرصُ الضائعة
د. شعفل علي عمير
مرت على العرب من دول اقتصاديات الريع النفطي فرص ذهبية في حقبة السبعينيات وبداية الثمانينات ما تسمى فترة الطفرة النفطية تدفّقت الإيرادات النفطية خلالها بشكل غير مسبوق على دول الخليج، كان ينقصه في المقابل مؤسّسات قوية بصورة استثنائية تقوم بالتغلب على مشكلات حجم الإيرادات النفطية وتقلباتها، حَيثُ أن إدارة هذا المورد الناضب يكون صعباً في حال غياب هذه المؤسّسات، والذي قد يؤدي إلى التعامل مع الثروة النفطية بطريقة تحويل ثروة مادية ناضبة كالنفط إلى ثروة مالية أَو ورقية يتم إنفاقُها بدلاً عن توليد ثروة جديدة تتمثل في بناء قاعدة صناعية ترتكز على الصناعات الوطنية معتمدة على الكادر البشري الوطني ليكون مصدراً رئيسياً للدخل القومي بدل الاعتماد على مصدر قابل للنضوب إضافة إلى تعرضه لتذبذبات عنيفة غير مستقرة.
إلّا أن دول الخليج اتبعت سياساتٍ على صعيد الإنفاق مشابهة لتلك السياسات التي اتبعتها في الثمانينيات بل أكثر خطورة، تمثّلت بارتفاع المصروفات العامة بشكل مطرد مع ارتفاع أسعار النفط، كما لو أن فترةَ طفرة النفط دائمة، غير مستفيدة من عواقب هذا الارتفاع الذي حصل خلال النصف الثاني من فترة الثمانينيات حين انخفضت أسعار النفط ولو استثمرت تلك الفوائض في خطط تنمية مستدامة تهدف لاستمرارية النمو الاقتصادي ليشمل الأجيال القادمة، لكان الوضع اليوم مختلفاً، الخلاصة أن أسعار النفط غير معروف مستقبلها، ومن هنا أصبح لزاماً على الدول المنتجة مراجعة سياساتها الاقتصادية، والاستعمال الأمثل لتلك الفوائض في دعم عملية الانتقال من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط إلى اقتصاد منتج.
بعد الطفرة النفطية الأولى عام 1973والطفرة النفطية الثانية عام 1979م وبعدما أَدَّت سياسات دول الريع النفطي ومنها دول الخليج إلى زيادة الإنفاق بدلا من استغلال الفوائض جراء طفرة الأسعار آنذاك أثبتت فشلها ولم تستفد تلك الدول من الفرصة الذهبية التي بدأت مع بداية الألفية الثالثة في تصحيح مسارها في سياستها الاقتصادية لتستفيد من ارتفاع الأسعار في خلق اقتصاد يعتمد على الصناعات التحويلية المتسم بالاستقرار النسبي مقارنة بالصناعات الاستخراجية المعتمدة على النفط الذي يتسم بتذبذبات عنيفة في أسعاره، ناهيك عن كون هذا المورد قابلاً للنضوب لم تفكر تلك الدول كيف سيكون حالها بعد انتهاء النفط، بل كرّرت تلك الدول الأخطاء التي ارتكبتها إبان طفرة ارتفاع الأسعار في حقبة السبعينيات وبداية الثمانينيات دلالة على غياب الاستراتيجية الوطنية وأنها في مساراتها وخططها تعتمد بشكل كلي على ما تمليه سياسات الدول الكبرى من خطط ملزمة لها في تسيير حياتها الاقتصادية بعيدًا عن أية اعتبارات وطنية وحتى دينية تعود على مجتمعاتها بالرفاة وتبعد عنها شبح التبعية الاقتصادية.
ولو كانت هذه الثروة النفطية التي تمتلكها دولة عربية واحدة مثل السعوديّة لدى دولة مثل الصين أو اليابان لكانت هاتان الدولتان مهيمنة تماماً على العالم ولاستغلت عوائد النفط في بناء أكبر للصناعات بمختلف اتّجاهاتها وتخصصاتها عسكرية كانت أَو مدنية.