تسلل “إسرائيلي” إلى مكة والمدينة خلف واجهات “الاستثمار” و “التعاون”

 

التوغل الاقتصادي الصهيوني في السعوديّة يضاعف خطر “تهويد” المقدسات الإسلامية

المسيرة | خاص

شهدت العلاقاتُ السعوديّةُ الصهيونيةُ خلالَ السنوات الأخيرة نشاطاً متزايداً على مسار “التطبيع”، وكان المجال الاقتصادي من أبرز مجالات هذا النشاط، حَيثُ توجّـهت العديد من الشركات الإسرائيلية للاستثمار داخل المملكة في مشاريعَ كبيرة، الأمر الذي يضاعف خطر “تهويد” المقدسات الإسلامية في مكةَ والمدينة؛ لأَنَّ السيطرة على هذه المقدسات كان وما زال هدفاً صهيونياً رئيسياً قد تكون “الاستثمارات” إحدى أبرز طرق الوصول إليه.

في 2017 نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية تقريراً تحدث عن استثمارات صهيونية ضخمة في مدينة “نيوم” الذكية، وقالت: إن العديد من الشركات “الإسرائيلية” تحدثت مع صندوق الاستثمارات السعوديّ حول تطوير 26500 كيلو متر مربع، واصفة ذلك بأنه “ضربةٌ لعقود من المقاطعة العربية لليهود”، في إشارةٍ واضحةٍ إلى أن هذه الاستثمارات تأتي في إطار نشاط التطبيع الشامل، بما في ذلك التطبيع الثقافي الذي يقرِّب الصهاينة من المقدسات الإسلامية في مكةَ والمدينة.

وبحسب الصحيفة، فَـإنَّ النظام السعوديّ كان منفتحًا على هذه الاستثمارات طالما بقيت غير معلَنة بصورة رسمية، حَيثُ نقلت الصحيفة عن “مصدر في رأس المال الاستثماري الإسرائيلي” قوله: إن السعوديّين يرحِّبون بشركات القطاع الخاص؛ لأَنَّ التعاون معها أسهل في كُـلّ المجالات.

ونقلت الصحيفة عن “رجل أعمال إسرائيلي” قوله: إن “العديد من الشركات الإسرائيلية ستكون قادرةً على العمل علنًا، ويمكن للحكومة الإسرائيلية أن تتعاون علنًا مع المملكة العربية السعوديّة والأردن ومصر -إذَا حدث اختراق دبلوماسي مع الفلسطينيين- ولكن حتى ذلك الوقت، ستضطر الشركات الإسرائيلية للعمل تحت الطاولة، بينما تتنافس على عقود بمليارات الدولارات”.

وتنقل الصحيفة عن عضو في الكنيست، آنذاك، أن هناك مناقشةً سريةً مع العديد من الشخصيات السياسية العربية، مضيفة أن ولي العهد السعوديّ دعا إلى تعاون إقليمي ليمنح الإسرائيليين فرصة للتحدث باسم التعاون الاقتصادي، الأمر الذي يؤكّـد مجدّدًا على أن هناك أهدافاً أُخرى من وراء التوغل الاستثماري داخل السعوديّة، وأوضحها كسر حالة العداء للصهاينة وتبرير التطبيع معهم، وهو أمر يصبح أشد حساسية عندما يتعلق بالسعوديّة؛ لأَنَّه يرتبط مباشرة بالمقدسات الإسلامية.

وتضيف الصحيفة نقلاً عن عضو الكنيست، أن التوغل الاستثماري “سيجبر السياسيين على فتح أعينهم وآذانهم”.

ومما يؤكّـدُ على مخاطر التوغُّل الاستثماري الصهيوني داخل السعوديّة، هو أن مشاريعَ الاستثمار مفتوحةٌ على أكثرَ من مجال، أبرزها مجال المعلومات.

وفي هذا السياق، نقلت وكالة “بلومبيرغ” عام 2017 أَيْـضاً عن الخبير الصهيوني “شموئيل بار” المتخصّص في ما يسمى “مكافحة الإرهاب” قوله: إن أشخاصاً ذوي مراتب عالية في النظام السعوديّ تواصلوا به للاستعانة بخدماته، وقد وافق وقام بإنشاء شركة في الخارج كغطاء لإخفاء هُــوِيَّة الشركة الإسرائيلية.

ويضيف أن “هناك ازدهاراً في مجال التعاون التكنولوجي والاستخباراتي بين الكيان الصهيوني والدول العربية”.

وتشير الوكالة إلى الأهداف الرئيسية من وراء مثل هذا التعاون، وهي التطبيع الشامل على أَسَاس “المصالح والمخاوف المشتركة”.

يقول “بار”: إن “المقاطعة العربية غير موجودة” بالنظر إلى حجم التعاون مع السعوديّة، وهو الأمر يؤكّـده عضو الكنيست، إيريل مارغاليت، وخُصُوصاً فيما يتعلق بمجال “الأمن السيبراني” للمملكة، حَيثُ يؤكّـد أن هناك شركات إسرائيلية مشتركة فيه بشكل مُستمرّ.

ويصل هذا التعاون بشكل مباشر إلى إدارة المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، حَيثُ تؤكّـد وكالة “بلومبيرغ” أن أحد رواد الأعمال الإسرائيليين قام بإنشاء عدة شركات في أُورُوبا لتقديم خدمات لعدة دول خليجية، ومن بين تلك الخدمات إدارة ازدحام الحجاج في مكة.

وقد كشفت عدة وسائل إعلام، سابقًا، أن تقنيات مراقبة الحجاج التي تستعين بها السعوديّة، تتبع شركات إسرائيلية.

في عام 2017 أَيْـضاً، ظهرت واحدة من أكبر فضائح العلاقات بين السعوديّة والكيان الصهيونية، والتي تؤكّـد أن السيطرة على المقدسات وتدنيسها أبرز أهداف التوغل القادم خلف واجهة “الاستثمار”، وذلك عندما نشر صحفي “إسرائيلي” صورةً له من داخل المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، مؤكّـداً أنه تلقى ترحيباً كَبيراً، وأن “الشعب في السعوديّة يقف إلى جانب اليهود”.

ومؤخّراً كان حاخام صهيوني يرقُصُ على ألحانٍ عربية في العاصمة السعوديّة الرياض، ولم يعد من المستبعد أن تكون جولته قد شملت الدخول إلى الأماكن المقدسة.

وبالنظر إلى المشهد من زاوية أوسع فَـإنَّ الحديثَ عن الاستثمارات الصهيونية داخل السعوديّة والتعاون الاستخباراتي والمعلوماتي بين “تل أبيب” و”الرياض” لا ينفصل عن الزيارات الدينية التي لا يخفى أن الهدفَ منها هو إلغاءُ قدسية مكة والمدينة، تمهيدا لجعل التواجد الصهيوني فيهما أمراً طبيعياً.

تحتَ غطاءِ أعمال المراقبة والاستثمارات التجارية و”الخدمات”، سيكونُ بوسع الكيان الصهيوني ومؤسّساته، إدارةُ الأماكن المقدسة بشكل كامل، واليوم بات واضحًا أن هذا المشهد هو هدف يسعى الكيان الصهيوني للوصول إليه على طريق مشاريع “التعاون” الإسرائيلية السعوديّة.

ويبدو أن النظامَ السعوديّ يقابلُ الجُهُودَ الصهيونية بجهودٍ أُخرى تمهّد للوصول إلى تلك المرحلة وجعلها أمراً طبيعياً، فخلالَ العامين الأخيرين بالذات، بدأت الرياض بمعامَلة المقدسات الإسلامية كأماكن سياحية خَاصَّة، واتجهت بشكل واضح وفجٍّ لضرب “الحج” كفريضة إسلامية مقدسة وعامة، تمهيداً لتحويل زيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي إلى شأن سعوديّ خاص، وهو الأمرُ الذي ليس من قبيل المصادفة أن يأتيَ متزامناً مع زيادة التوغل الصهيوني داخل السعوديّة على كُـلّ المستويات.

إن ملامحَ السيطرة الصهيونية على المقدسات الإسلامية في السعوديّة تزداد وضوحاً بشكل مُستمرّ مع الوقت، وليس كنتيجة ثانوية لمسار “التطبيع” الواضح بين “تل أبيب” و”الرياض” بل كهدف رئيسي تتمحور حوله كُـلّ علاقات هذا المسار.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com