الوعي بركائز المشروع ومبادئ الانتماء
مصطفى العنسي
في زمن طغت فيه المقاماتُ الدنيوية والمادياتُ الثانوية وانشغل فيه الكثيرُ بتنميق صورته وتلميع سجاياه وتزييف مناقبه حتى رأينا مَن تحكمُهم العناوينُ الحزبيةُ والانتماءات المناطقية والنعرات الطائفية والمذهبية.. ورأينا مَن هم للشيوعية انتماءً واتِّباعاً وللبعثية معتقداً وانتهاجاً وللعلمانية فكراً وسياسة..
رأيناهم اليوم يعبِّرون بلسان الأُمَّــة ويتكلمون عن الدين وهم أبعدُ ما يكونون عنه وتخط أقلامهم تملقاً وتقرباً ونفاقاً.. يكتبون عن الانتصارات ولكن إيمانَهم بها ضعيفٌ وتحقّقها في قاموسهم مستحيلٌ..
يعرفون بلحن القول وتزييف الحقائق تارةً، ويتسمون ببُغضهم لنهج الهدى وكراهية الانتماء تارةً أُخرى..
كما هم في الواقع الخفي يحيكون المؤامرات خلسة ويثيرون النزاعات والخلافات خفية ويؤججون ويفسدون سراً.. إنهم يقولون ما لا يفعلون ويكتبون بما لا يعتقدون..
(وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُم فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُم وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْل وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُم).
كما قال أمير المؤمنين: ((ما أضمر أحدٌ شيئاً إلا ظهر على صفحاتِ وجهه وفلتاتِ لسانه)).
نحن بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى الكلمة التي تجمعُ ولا تفرّق، وتوحّد ولا تمزق، ولكن لتكن على أُسُسٍ صحيحة ومعاييرَ سليمة..
لا يجب أن يتكلمَ بلسان الدين ولسان الأُمَّــة إلا مَن يؤمن بما يقول ويعتقد بما يخطه ويكتبه ويتبع قوله عملاً..
فلا خير في قول بلا عمل.. ولا خير في عمل بلا وعي وبصيرة..
وإلا فستكون النظرة معكوسةً وسيمتطي الجوادَ غيرُ أهله وستكون القوميةُ والوطنية هي التي تعشعشُ في أذهان الكثير باطناً وإن لم تظهر للعلن..
يجب أن يعيَ كُـلُّ واحد منا مسؤوليتَه فلا نستبدل بنهج الله ودينه وهديه بدائلَ لا تسمنُ ولا تغني من جوع..
التحليل لمُجَـرّد التحليل لا ينفع.. ففي التذكير نفعٌ وفائدة.. وفي التبيين نورٌ وتبصرة.. وفي القرآن بيانٌ وتذكرة..
وفي المنهج الذي جاء به الشهيدُ القائدُ كُـلُّ ما نحتاجه من علم ونور وتزكية وبصيرة وحل ومخرج لكل الأُمَّــة..
فالدين هو المصطلحُ الذي يجبُ أن يترسخَ في أذهاننا ونترجمَه في أقوالنا وأفعالنا وتحَرّكاتنا..
يجب أن يكونَ هَمُّنا هو أن يَسْلَمَ لنا دينُنا على أَسَاس القاعدة التي رسمها الإمام علي (أفي سلامة من ديني يا رسولَ الله) فهي المعيار الصحيح لنا في أعمالنا وتحَرّكاتنا وحتى في إعلامنا وصحفنا وسياساتنا وتبنى عليها أسس وقواعد الانتماء للأُمَّـة..
هذا هو الذي ضبط مسار الشهداء الأبرار.. وجعلهم يتجاوزون كُـلَّ الصعوبات ويكسرون كُـلَّ الحواجز والموانع التي قد ترسخت في أذهانِ الكثيرِ من المحللين والمنظِّرين.. فضحّوا بأنفسهم وجادوا بأرواحهم حتى يبقى للدين رونقُه وللقرآن مقامُه وللحق وجوده وللأُمَّـة مكانتها وعزتها وكرامتها.. ورسخوا بمبادئهم ودمائهم ركائز مشروعنا العظيم (القيادة – المنهج – الأُمَّــة).
وحرصوا أن يثبتوا بتضحياتهم تلك الركائزَ حتى لا يفصلَ الدين عن الدولة وحتى لا يغيبَ القرآن عن واقع الحياة وحتى لا تبقى الأُمَّــة في شقائها وتيهها القديم..
ولعمري كأن لسانَ حال ومقال الشهداء يقول: نحن في زمن الأفعال لا الأقوال في زمن نتسابق فيه مع الأعداء على الغلبة والانتصار..
فلا ينبغي أن تقيدَنا المؤطراتُ أَو تفرّقنا الانتماءاتُ، ففي التمسُّكِ بكتاب الله واتّباع قرينِه الحَلُّ والمخرَجُ لكل الأُمَّــة..